من حيفا إلى تل أبيب إلى ديمونة .. صواريخٌ بعطر البارود الدمشقي .. بقلم نمير سعد
بعيداً عن كل التجاذبات التي ملأت الكون وشغلت مراكز البحوث الإستراتيجية السياسية والعسكرية ، وعن كل العناوين التي تصدرت على مدار نحو أسبوع صفحات كبريات الصحف العالمية والعربية والصهيوأعرابية لتخوض جنباً إلى جنب مع فريقٍ واسع من المنجمين وقارئي الفناجين السياسية والمحللين الإستراتيجيين بعيداً عن كل هذا الجمع ومع تقديري وإحترامي لمعظمه ، سيما من كان مدفوعاً في تحليلاته وقراءته بصفاء النية وصدق المقصد . سوف أقوم بالتطرق لأصل الخلاف في قراءة العنوان .. العنوان الذي شغل الدنيا وناسها ” الضربة العسكرية الإفتراضية للولايات المتحدة وحلفائها على سوريا ” .. .
كلمة واحدة كانت تنقص البيان الذي أدلى به الرئيس الأمريكي في مؤتمره حول الحرب على سورية ،، مفردة “سنة أوعام ” ، لتكمل تسلسل المواعيد الزمنية للضربة الأمريكية الموعودة ساعة قال أن الهجوم قد يتم غداً أو بعد أسبوع أو بعد شهر ،ولوأن الأمرليس فضيحةً سياسية لكان أكمل وأضاف … أو بعد عام .. مع تأكيدي هنا أننا لا نستطيع الركون بالمطلق إلى فكرة يشيعها البعض من أن خطوة الحرب قد ولت الأدبار إلى غير رجعة وأن إحتمالاتها باتت صفراً مكعباً ، لا نستطيع أن نأمن فكرة أن حلف العدوان لن يغير علينا بعد تقهقر ، فالحرب خدعة والحرب كرٌ وفر ، أرى ببساطة أن مشروع العدوان العسكري المباشر على سوريا قد سحب إلى الصالات الخلفية وأنه يقف على مفترق طريقين لا ثالث لهما ، فإما إدخال الكون في دوامة من الجنون عبر إتخاذ قرار الحرب بعيداً عن علوم المنطق و حسابات الرياضيات وبشكل يتجاهل كلياً كتب ودروس التاريخ القديم والمعاصر، وإما هزيمة تاريخية لرعاة البقر وتراجعٌ مذل لهم ولحلفائهم وأدواتهم وعبيدهم في المنطقة والعالم ، وإقرارٌ بأفول نجم القطبية الواحدة وسطوع نجم القطب الجديد الذي كان الصمود السوري أساسه وتربته وبذرته ومياه ريه ، ذاك الصمود هو بنيانٌ كان محور المقاومة عموده الفقري وكان محور الحلفاء العظام الذي يعملون في السر والعلن على تدعيم موقف الوطن السوري بمكوناته الثلاث، كالجرافة التي فتحت أكثر من درب وطريق توصل جميعها من يريد نحو ساح الحقيقة ، فكانوا من أهم نوافذ تلك الحقيقة على العالم … .
قد بات مؤكداً أن الولايات المتحدة لن تمضي في هكذا جنون إلا برفقة حلفاء أقوياء وأن هذا الإنجاز أو الشرط يراد له أن يكون مشفوعاً بدعمٍ من “الرأي العام الأمريكي عبر الكونغرس ” وهو أمرٌ لا زال في حكم المجهول لأن تقديرات عديدة تحكمه وتقيده وأولها أمن الربيبة المدللة إسرائيل والتقييم العسكري الدقيق لمقاييس الربح والخسارة في الميزان الأمريكي ، وبعيداً بكل تأكيد عن مصالح التبع والأدوات من عربان جامعة آل صهيون التي تجرعت في الأمس كأس عارٍ جديد ساعة حملت القيادة السورية مسؤولية الهجوم الكيميائي مستبقةً أية نتائج تحقيقات أو دلائل إثبات ،
وإن نحن عدنا إلى شروط المضي في العدوان المباشر على سوريا من خلال تلك الضربة المزعومة ، أقول أولاً أن السياسي في العموم لا تحرجه أخطاؤه ولا يخجله سوء تقديره ولا يطأطئ رأسه خجلاً حين يدون التاريخ غباءه السياسي أو فضائحه الأخلاقية أو قراراته الكارثية ، والسياسي الأمريكي أكثر من تفوق في هذا المجال ، كلنا نذكر بيل كلينتون وفضيحته مع مونيكا لوينسكي ونكرانه ثم إقراره ومتابعته لحياته العائلية والسياسية وكأن شيئاً لم يكن ، وإن كان بعضنا لم يعاصر فإن التاريخ عاصر وكتب وأرشف فظائع هيروشيما وناغازاكي وفيتنام وأفغانستان والعراق و غوانتانامو وأبو غريب وهي بعضٌ من خير أمثلة على ذلك ، والسياسي الأمريكي جاهز في هذا الخصوص ليتلقى فردتي حذاء على رأسه كتلك التي قذف بها منتظر الزيدي بوش الإبن ،، ليكمل مؤتمره الصحفي وكأن شيئاً لم يكن ،، وغباء الكون في عينيه . وأنا لا أكتب هذا لأبرر وأدعم وجهة النظر الأولى التي تقول بمضي راعي البقر في غزوته المجنونة غير آبهٍ بما ستجلبه للمنطقة والعالم من دمار وخراب ، انما أكتبه على العكس من ذلك لأشدد على أن السياسة لا تعرف الحرج ولا تعترف إلا بالمصالح ، وعلى هذا الأساس فإن مضي الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين إلى أبعد مدى في الخطاب العدائي العدواني التحريضي ضد سوريا عبر شلال التصريحات والمؤتمرات والإجتماعات والبيانات التي شددت جميعها على فكرة ” العقاب ” وروجت للحرب أداةً له ، أن ذلك جميعه لن يكون عائقاً أمام تراجعٍ وتقهقرٍ و إنسحابٍ وتعديلٍ للخطاب وتغييرٍ لفحواه ومضمونه متى اقتضت الضرورة والمصلحة العليا للصهيونية والماسونية ، و مهما بلغت درجة الحرج والخزي والعار التي ترافق هكذا إنعطافة جنبلاطية … .
ولأن قدر الولايات المتحدة كما هو قدر سوريا والسوريين أن تكون ربيبتها على حدودهم ، ولأن دماء ” شعب الله المختار ” ستهرق على مذبح معركةٍ عنوانها إنساني يلبس لبوس نصرة الحق فيما لبها وجوهرها هو إستعماري يهدف لنصرة جبهة النصرة ،، اليد الطولى لإسرائيل وأمريكا والسعودية في سورية ، بعد الهزائم التي منيت بها قطعانها التكفيرية على مساحة الوطن السوري ، ولأن دماء بني صهيون ومصالحهم وأمنهم هي العناوين الأقدس والأهم في عرف الصهاينة غرباً وعرباً ، كان عليهم الوقوف ملياً عند حسابات الربح والخسارة المادية منها والمعنوية والبشرية ، على المدى المنظور كما البعيد … .
هنا يجدر التوقف عند بعض الحقائق والبديهيات التي تجمع على أن دماء السوريين النقية الطاهرة لن يكون لها أن تنزف من خلال هكذا عدوان مباشر دون أن تشاركها هذا النزيف دماء آل صهيون النجسة ، ولن تكون هناك هجراتٌ إضافية لمن آثر من السوريون الصمود على أرض الوطن دون أن يبتعد عن الأرض التي يهوى إن لم ترافقها هجراتٌ مماثلة لمن هاجر في الماضي من غير أرض قاصداً أرض الميعاد . وأن أي دمعٍ إضافي تذرفه حمائم دمشق سيرافقه نزيفٌ من الدم يغرق تل أبيب وعويلٌ يتردد صداه في بادية الحمير والبعير ، وأن أردوغان سيذرف دموعاً أكثر حرقةً من تلك التي ذرفها في مسرحيته الإنسانية الأخيرة ساعة تباكى على مقتل إبنة محمد البلتاجي ، لأن الجريح سوف يكون تركيا ولأن الدماء عثمانية . سوريا التي يراد لها أن تنقذ الجميع من ورطاتهم بدءًا من الأمريكي الذي ذهب بعيداً في غيه وغلوه ، الأمريكي الذي تدلى إلى أسفل بئر الربيع السوري على حبلٍ خال أنه قوي ومتين لينقطع به في منتصف الطريق ، فلا هو يستطيع تسلق جدران البئر إلى أعلى ولا هو سينجو إن سقط ، مروراً بالفرنسي الذي أعمته أطماعه القديمة الجديدة لتبوء مكانة خاصة في مسيرة التحولات المأمولة في سورية تخوله مستقبلاً تقاسم النفوذ في السياسة والإقتصاد في هذا الوطن الفريد موقعاً ودوراً ، وصولاً للتركي الذي يأمل أن تخرجه النهايات المرتجاة للحرب على سورية من دوامة الضياع والتيه التي يدور فيها ، الدوامة التي هندسها وصممها الثنائي اردوغان أوغلو ، وليس إنتهاءً بالسعودي بشكل خاص والخليجي بشكل عام ، فأشباه الدول تلك ورغم غنى الموارد التي تنهبها العائلات الحاكمة فيها إلا أن عامل الزمن أرهقها إن كان من حيث الإشراف والتمويل من جهة ومن حيث الخشية من لحظةٍ يحسب لها صهاينة بنو الآلات ألف حساب وهي كابوس النصر السوري الذي سيقتلع كما الإعصار ممالكها وعروشها من ناحية أخرى .. .
لا ينطبق وصفٌ على أوباما هذه الأيام كوصف التائه فهو الذي يريد لكنه لا يجروء ، وهوالذي يستطيع ولا يستطيع ، فلا نقاش في الإمكانات الخارقة للقوة الأمريكية ، لكن لا نقاش أيضاً في الخشية من الغابات التي تسافر اشجارها في السماء ” الترسانة الصاروخية السورية ” ، فالمقدرة العسكرية لحلف المقاومة لا يناقش فيها ولا يجادل بحقيقتها سوى كل جاهل أو أخرق ،وأوباما يود فوق الخرائط أن يفعل الكثير لكن الواقع الميداني على الأرض ينبئه بأن ما سيحظى به سوف يكون قليلٌ باهظ التكلفة ، وهو الذي يطمح لتحقيق رغبات أسياده الصهاينة لكنه لا يجد طريقه الآمن ، فكل الطرقات مزروعةٌ بالألغام السورية ، وكل سماءات الحرب المأمولة ستكون مسرحاً لرقصاتٍ فريدة تتلوى فيها صواريخ المقاومة لتعانق صواريخ العدو وطائراته وتطبع على شفاهها قبلاتٍ من نارٍ وجحيم ، وكل الدروب المؤدية إلى تل أبيب سوف تلوح للصواريخ المتجهة نحو المطارات لتخرجها من المعركة جزئياً أو كلياً ، سيما أن الجيش السوري سوف ينفذ خطة أو سياسة الإغراق ” إغراق أهداف العدو بوابلٍ من الصواريخ التي لا قدرة له على ردها ” ،، وهي الحالة التي لا يمكن لأي جيش أن يتفادى معها وقوع إصابات محققة ومدمرة ، أوباما وصاحبه شجعانٌ صناديد ،، لكنهم يرتعدون عند التوقف عند حقائق أربعة .. الصمود السوري الذي أصاب الجمع جميعه بالصدمة والذهول ولهم أن يستنتجوا منه ما أرادوا ، وهو الصمود الذي لم تسمح معاركه بإظهار القدرات الصاروخية والدفاعية السورية ، والتهديد الإيراني الصريح والواضح والناري ولهم أن يخمنوا شكله ومكانه ، والصمت الذي ابداه حزب الله المقاوم والذي كان أشد أثراً من أي قولٍ أو كلام ، ولهم هنا أن يتنبؤوا بمفردات رد المقاومة ساعة يحين الرد ، والدعم السري والمعلن للحليف الروسي بشكل خاص كما للحليف الصيني ، ولهم هنا أن يعتقدوا ما شاؤوا من التغيير الدراماتيكي الذي قد يطرأ عليه في أية لحظة ليجاهر بجانبه السري كما العلني .. .
يعلم كل من يعلم أن مواعيد إلهية مقدسة تم تثبيتها في أجندة غابة الصواريخ السورية التي تشبعت بعطر الياسمين الدمشقي عبر سنواتٍ من إنتظارها لساعة العمل ، ساعة تلتقي من تحب لقياهم ، الصواريخ التي سيسافر بعضها لحظة بدء العدوان ليحط رحاله دون شك في ميناء حيفا مغازلاً قاعدته البحرية ، في الوقت الذي تطير فيه أخرى لتلتقي من تتوق للقائه في بالماخيم جنوب تل أبيب لتلقي التحية السورية على ميدان التجارب الصاروخية هناك ، فيما تفضل غير ثلة من صواريخنا أن تستشهد في قاعدة بيت زاخاريا أو في مستودع الذخائر في سيدوت ميخا ، ولن تخيب صواريخنا بكل تأكيد لهفة قاعدة تل نوف الجوية ولا مستودعات الأسلحة في عيلابون ولا مقر القيادة الجوية في نيفاتيم من لقاءٍ حميمٍ وساخن درجة الإنصهار ، الإنصهار الذي ستطال حممه عديد مستوطنات العدو التي ستستظل معظمها بفيء وظلال أسراب يجمعها على إختلاف أسمائها وصفٌ فريد ،، أنها بشائر نصر محور المقاومة ، بشائر النصر السوري الذي دفع الوطن ثمنه غالياً على مدار ثلاثين شهر ، من دم السوريين و أرواحهم ومالهم ومستقبلهم وآمالهم .. آن الأوان إذاك لهم أن يبادروا بالهجوم الأخير .. إنها لسورية وشعبها الأبي و جيشها الباسل وقيادتها المحاربة معارك الشرف والعزة والكرامة وإستقلال القرار ووحدة التراب والمصير ،أعداء الوطن يعلمون ذلك جيداً ، لكنهم يعلمون أيضاً دون شك أنها سوف تكون معركة الوجود أو اللاوجود بالنسبة لكيان العدو فهذا الكيان لن يكون حينها إن كان ،، ذات الكيان ، يعلمون أيضاً أنها معركة إندثار أدوار وإضمحلال أخرى بالنسبة لشراذمة الإرهاب التكفيري وداعميهم من صهاينة الغرب أو الصحراء ، الصحراء التي يعلم شاربي بول بعيرها أن رمالهم ستغرق حينئذٍ ليس بنفطها وإنما بهاموم سنام بعيرها وشحوم كروش حميرها الناطقة . ولأنهم لا بد يعلمون ما نعلم ويعلمون الكثير مما لا نعلم ،، فلا سبيل لهم سوى البحث عن طاقة نجاة جماعية قد يكون التوجه نحو المجالس النيابية مفتاحها الأول وليكن تقليداً بريطانياً يمشي على هداه معسكر العدوان للخروج من ورطته فالبارحة بريطانيا واليوم الولايات المتحدة وغداً فرنسا وتركيا ،، أما أشباه الرجال في ممالك و امارات النفط و الغاز فهم آنذاك أن يتلقوا أوامر سادتهم و ينفذها صاغرين أذلاء .. النصر لسوريا الوطن والشعب والجيش والقيادة … .
سيريان تلغراف | نمير سعد
(المقالة تعبر عن رأي الكاتب، وهيئة التحرير غير مسؤولة عن فحواها)