تقنية ذكية لضغط المباني السكنية
لم يكن مشروع Jõekaare السكني في مدينة تارتو الإستونية ليرى النور لولا فوزه في مسابقة تصميم دولية عام 2006، حيث استهدف التصميم منطقة صناعية سابقة في الضواحي الشمالية للمدينة، يمتاز موقعها الاستثنائي بمشاهد طبيعية مبهرة وسط شبه جزيرة تطل على نهر إيمايوجي وعلى المحمية الطبيعية الواقعة في الجهة المقابلة.
أما عن البرج الذي تشاهدونه في الصور فهو يجسد أول مبنى منجز من الخطة، حيث انتهت أعماله الانشائية في آب 2008، ليكون من المأمول الانتهاء من المباني التسعة كاملة في عام 2014، لتتضمن بذلك 440 شقةً سكنية تتسع لحوالي ألف قاطن.
*المفهوم العمراني لمشروع “النهر”؛ الحي:
نظراً لموقعه في الضواحي كان من الضروري تصميم حيٍّ مميز يمكن للناس فيه تقدير إيجابيات تميزهم، إلى جانب استمتاعهم بالحس الجماعي المشترك في الوقت نفسه.
وهكذا طوّر المعماريون نوعين من المباني بالاستجابة للبيئة الطبيعية والعمرانية؛ النوع الأول يمتد على طول ضفة النهر، ويضم فيلات سكنية (برج النهر)، والثاني يواجه المدينة ويميل لكونه نوعاً أكثر عمرانية (شريحة المدينة).
ليس هذا وحسب؛ إذ تم تصميم شكل المبنى وتوجهه بطريقةٍ تحقق أفضل الإطلالات وظروف الخصوصية لكافة الشقق، ولكن أيضاً تخلق ساحة مركزيةً عامة في الوسط، تكون مثاليةً للتفاعل الاجتماعية ولعب الأطفال.
*المباني؛ فيلات متكدسة:
يمكن وصف برج النهر بأنه عبارة عن مجموعة من “الفيلات المتكدسة”، حيث يجمع التصميم كل الإيجابيات البيئية والاقتصادية للعيش في منزل عمراني يتمتع بمزايا منزل الضواحي المخصص لعائلة واحدة.
فالمنازل هنا فسيحة ومرنة ومنفصلة بطريقة تحقق الخصوصية، كما أنها تتمتع بمشهدٍ وإطلالةٍ رائعين وإحساسٍ بامتلاك عقارٍ خاص.
علاوةً على ذلك، تتسم تكاليف الصيانة والتكاليف الإنشائية بانخفاضها للغاية، فهنا يمكن للعائلات الاستمتاع بالحدائق التي تحظى بصيانةٍ دائمة وبالموقع الاجتماعي المتميز.
تم تنظيم كافة المباني بطريقةٍ واضحةٍ ومضغوطةٍ للغاية، حيث تم تشكيل كل مبنى على حدة بشكلٍ صندوقٍ يتمتع بمعدل كتلة/سطح مثالي .
أما عن الردهة والأدراج فتشغل هذه مركز المبنى، وتتوزع الشقق حول المركز كحلقةٍ تتسم بفصلٍ واضح بين المنطقتين؛ حلقة الخدمة الداخلية التي تجمع المداخل بالخزائن ودورات المياه والحمامات والساونا وأحياناً المطابخ، وفي هذه المنطقة تنضغط كافة عناصر البنى التحتية مؤمنةً مسافةً كافية للتركيبات، ومشكّلة في الوقت نفسه منطقة حجبٍ للضجيج عن الردهة.
أما عن المنطقة الثانية؛ فهي حلقة المعيشة الخارجية، والتي تم توجيهها بحيث تتمتع بأفضل إطلالات على المشاهد الطبيعية، وهي تحتضن هنا غرف النوم وغرف المعيشة، التي تفصل بينها جدران خفيفة الوزن خالية من العناصر الحاملة للجهد، وهكذا يمكن تغيير الغرف بسهولة أو تعديلها لتلائم رغبات المالكين.
الجدير بالذكر هنا أنه يمكن فتح التراسات على النهر ومنطقة الريف المبهرة؛ إذ تم تصميمها بشكلٍ منفصلٍ تماماً عن الجيران، وبفضل حوافها المتقلبة وغير المنتظمة تتحول هذه التراسات إلى سمة مميزة لشكل المباني.
*غرف الجوكر:
تمكّن المصممون بفضل شكل الطوابق الحلقي من الحصول على خاصيةٍ مرنةٍ أخرى؛ حيث يوجد دائماً غرفة كاملة في كل شقة تُستخدم كجدار فصل عن شقق الجيران، وعن طريق تبديل موقع هذه الغرفة بالنسبة للشقق المجاورة على الجانبين، يصبح من الممكن تغيير مساحة ونوع وبالتالي مزيج الشقق داخل البرج الواحد.
هنا يمكننا القول أن “غرف الجوكر” تقدم مرونةً عاليةً للمحافظة على حجم الشقق أو تعديله، حتى بعد مرحلة انتهاء الأعمال الانشائية في المبنى!
*الواجهة؛ مظهر المباني:
في الوقت الذي تبدو فيه المباني بكتلٍ مضغوطةٍ ومستقيمةٍ للغاية، تتم إمالة الحواف المحيطة بالشرفات وعكسها في كل طابق، وهكذا تولد هذه الحركة البسيطة كتلة فسيحةً ثلاثية الأبعاد، تعطي المشروع شكله الخاص بطريقةٍ حيوية.
حيث تنتج ظلالٌ مختلفة عن انعكاس الضوء على الواجهة، الأمر الذي يعطي المبنى مظهراً شاعرياً وفسيحاً في الوقت نفسه.
أما من الناحية البصرية، فتقلل الكتل المضغوطة للمباني من الأثر البصري، وتنعّم المساحات بين المباني، وهذا ما ينسجم بشكلٍ رائع مع المروج والمشاهد الطبيعية المحيطة الغنية بالأشجار.