موسكو : لا ضربة هذا الأسبوع .. وسندافع عن مواطنينا في دمشق
يبدو أن على المتلهفين لبدء هطل المطر الأميركي القاتل على دمشق ، لن يطيلوا انتظارهم أياماً إضافية . والأهم أنّه يبدو أنّ على المراهنين على حصاد ديموقراطي ليبرالي في بادية الشام ، مرويٍّ بدماء السوريين أو بسماد صواريخ «توماهوك» ، أن يدققوا أكثر في رهاناتهم ؛ فقد تكون من نوع الأوهام ، وقد يكون بريق طائرات العم سام سراباً ، وقد لا يكون شتاء ولا موسم . لماذا ؟ هذا ما تشرحه موسكو ..
كان أحد المسؤولين السوريين ، منتصف ليل أول من أمس ، يكاد يتبنى الموعد المحدد من قبل القناة العاشرة في التلفزيون الإسرائيلي ، لموعد بدء الغارات الأميركية على دمشق . «يبدو أنها ستبدأ قبل الخميس» ، قالها المسؤول السوري لصديقه اللبناني ، قبل أن يهمّ الأخير بالإخلاد إلى ما كان مفترضاً نوماً … طار على وقع إرهاصات الطائرات . ما سمح باستكمال الحديث والتحليل . لكن المضمون كان أقرب إلى أقوال الصحف ، في زمن الصحافة الإلكترونية : أربع مدمرات أميركية باتت جاهزة قبالة سوريا . على كل منها 90 صاروخاً معداً للإطلاق ، من نوع «توماهوك» . المجموع 360 صاروخاً دفعة أولى من دفعات التأديب الأميركي . والشعار حتى اللحظة مطمئن : سقوط صواريخ ، لا إسقاط نظام . هذا إذا ما انتهت الأمور عند صليات الصواريخ المحمولة ، وتوقف العنف البطريركي الأخلاقي لواشنطن عند هذا الحد . أما إذا استدعيت شحنات أخرى لإعادة تذخير المدمرات ، ولتجهيزها بطواقم أخرى ، عندها يصير الوضع أسوأ …
في وقت متزامن تماماً ، كان دبلوماسي روسي معني بملفي سوريا ولبنان ، ينام ملء عينيه في موسكو ، قبل أن يوقظه هاتف من بيروت : الحرب تكاد تندلع عندنا وأنتم نيام ؟ على أي حرب تتكلمون ؟ لا حرب الآن ، ولا قصف أميركياً ، لا اليوم ولا غداً . اطمئنوا واستريحوا وناموا . وإذا ما استجد فعلاً قرار حرب أو قصف أو غارات ، سنكون أول من يعلم ، وتكونون أول من نُعلمه …
أجاب الدبلوماسي الروسي . قبل أن يسهب ويفصل : معلوماتنا وقراءتنا أن لا شيء هذا الأسبوع . فبعد الضجة الأولى التي سرت في واشنطن ، عادت الأمور إلى بعض الهدوء . فإدارة أوباما قررت استنفاد كل سبل «الشرعية الدولية» قبل اتخاذها قراراً أحادياً بالتصرف حيال سوريا . الآن سنذهب إلى مجلس الأمن . هناك ستبدأ عملية الكباش المعهود بيننا نحن الخمسة الكبار . النتيجة الحسابية معروفة مسبقاً ، ثلاثة ضد اثنين . واشنطن ومعها لندن وباريس ، ضدنا نحن وبكين . لكن النتيجة السياسية معروفة أيضاً : تعادل سلبي ، وخروج المنظمة الدولية من حسابات الحرب على سوريا . هذه المرحلة وحدها يمكن أن تستمر طوال ما بقي لهذا الأسبوع . أصلاً إدارة أوباما تريد تقطيع هذا الوقت ؛ فهي تريد العودة إلى الكونغرس لإقرار تفويض منه للرئيس ، يجيز له اتخاذ قرار توجيه الضربة . لماذا ؟ ربما لحسابات سياسية أميركية داخلية . أو في سياق عمليات التبادل الدائم للصفقات بين الإدارة ومعارضيها . أصلاً ، لا سياسة خارجية لواشنطن . كل العالم بالنسبة إليها «شأن أميركي داخلي» . مثله مثل مشروع العناية الصحية أو تقديم كفالة لمصرف مفلس .
معلوماتنا ، لن ينعقد الكونغرس الأميركي لبتّ الموضوع قبل مطلع الأسبوع المقبل . وبالتالي ثمة أيام عدة ستمضي في الانتظار . والانتظار على ما يبدو لن يكون عقيماً . نحن في موسكو فتحنا خطوط اتصالنا مع كل الأطلسيين . وزير خارجيتنا لافروف حدد جدولاً ثابتاً للتواصل هاتفياً مع نظيره الأميركي كيري . مع مضي كل ساعة ، إما اتصال أو رسالة . الهدف مواكبة التطورات عن كثب ، وعدم الوقوع في أي سوء فهم أو عدم تواصل . الأمر نفسه أقمناه ولو بوتيرة أقل مع الأوروبيين . وهذا ما يسمح لنا بتوقع انخفاض سقف اللهجة الغربية مع انقضاء هذا الأسبوع . قد لا يعني ذلك العودة كلياً عن نية توجيه الضربة إلى سوريا ، لكننا بدأ في الساعات القليلة الماضية نلمس اتجاهاً تنازلياً لا تصاعدياً في اللهجة والنبرة . وهو أمر نراهن على استمراره ، ونستثمر فيه جدياً .
يتابع الدبلوماسي الروسي : لم نتوقف طويلاً عند إلغاء واشنطن لاجتماع لاهاي الذي كان مقرراً الأربعاء في 28 آب الجاري ، والذي كان مخصصاً للخبراء الذين يعملون على مسار «جنيف 2» . نرى خطوة الإلغاء مسألة طبيعية في سياق ردّ واشنطن على مواقفنا من مسألة الكيميائي ، وإصرارنا على عكس الاتهام الذي تبنوه هم ، وعلى قلبه وتوجيهه إلى حلفائهم في غوطة دمشق .
في كل حال ، رسائل دبلوماسية من هذا النوع أمر اعتيادي في علاقاتنا . علماً أننا لسنا مستعجلين على إنضاج مؤتمر جنيف الثاني . بل هم المستعجلون . وهم من يثابر ويتابع ويلاحق منذ فترة طويلة ، محاولين دفع الأمور إلى الأمام واختصار الوقت . لذلك نعتقد أن موعداً آخر سيتحدد قريباً . أصلاً هو الإعلام الغربي من ملأ الصفحات كلاماً على أن الغارة الأميركية إذا حصلت ، سيكون هدفها إنضاج «جنيف 2» ، وبالتالي تسريع المسار الحواري ، لا الاستعاضة عنه بمسار عسكري . وفي كل حال ، وأياً كانت خيارات واشنطن في الأيام القليلة المقبلة ، لا نزال في موسكو نعتقد أن المرحلة الثانية من مؤتمر الحوار السوري ممكنة هذا الخريف ، وبين التشرينين .
في مقابل الكلام السياسي ، ماذا عن أخبار الضربة الأميركية على سوريا ، وخصوصاً لجهة موقفكم منها ؟ يفهم الدبلوماسي الروسي فوراً الإشارة في السؤال : كلام لافروف على عدم استعدادنا للدخول في حرب مع أي كان ، هو كلام من باب الدبلوماسية ، وجاء في سياق جواب فوري على سؤال في مؤتمر صحافي . أما في مقلب آخر ، فثمة واقع مختلف . عنوانه وجود نحو 17 ألف مواطن روسي في سوريا الآن . وهؤلاء يعملون بصفة «خبراء» ضمن مؤسسات الحكومة السورية . ونقول للجميع ، لمواطنينا ولكل العالم ، إن موسكو ملتزمة الدفاع عن هؤلاء ، والدفاع عن سلامتهم الجسدية . هذا أمر محسوم أفهمناه لكل المعنيين . لا عمليات إجلاء كبرى ستحصل في الساعات المقبلة . آخر عملية إجلاء لبعض العائلات التي فضلت مغادرة دمشق ، حصلت في الأسبوع الأخير من كانون الثاني الماضي . وتضمنت بضع مئات من العائلات ، التي أجليت عبر بيروت . من بقي، أي الـ 17 ألف روسي ، هم خبراء ناشطون ، باقون في دمشق ، وسنحميهم بكل الوسائل الممكنة .
هذا الكلام الواضح يقود إلى السؤال عن موازين القوى العسكرية في البحر قبالة سوريا . هنا يكشف الدبلوماسي الروسي أن التعبئة الأميركية لم تكن نتيجة حادثة كيميائي الغوطة المزعومة . معلوماتنا ثابتة وموثقة أن الحشد الأميركي بدأ قبل شهر . وفي المقابل وجودنا هناك معروف ومستمر منذ نحو عامين . منذ كتبتم أنتم في 29 تشرين الثاني 2011 ، أن معركة سوريا باتت معركة روسيا .
ماذا سيحصل إذن ؟ كل الاحتمالات مفتوحة . هي نموذج مصغر عن أزمة صواريخ كوبا . فالرئيس أوباما معجب بجون كينيدي ، وبوتين أقرب إلى زعيم سوفياتي يُصلح تركة مماثلة لما قبل خروتشيف . وبالتالي كل شيء ممكن . المهم أن تقديرنا يميل إلى عدم حصول شيء هذا الأسبوع . اذهبوا إلى النوم ، وإذا استجد طارئ نبلغكم …
سيريان تلغراف | جان عزيز – بيروت