تحقيقات وتقارير

عبء الدعم.. الحاجة تبرر الاستمرارية

الحكومة ماضية في تقديم الدعم مهما كان الثمن.. والشق الاقتصادي الربحي مؤجل إلى مابعد الأزمة

تعلن الحكومة أنها مستمرة في مسألة الدعم المتعلقة بالسلع والمواد الاستهلاكية طالما هناك حاجة، وبغض النظر عن التكلفة المترتبة على هذه العملية. ولاحظنا خلال الأشهر الماضية ما تحدثت عنه الحكومة من زيادة لعدد المواد المدعومة والتي ستوزع عن طريق القسائم التموينية ومن ثم التوجه نحو التسعير الإداري للسلع والمواد الذي تحدد بسبع مواد سعياً وراء كسر ارتفاع الأسعار الحاصل داخل الأسواق المحلية.

مع تأكيد الحكومة على أن المخزون الاستراتيجي للسلع مؤمّن لمدة عام كامل، وهناك خطط أيضا لزيادته في الفترة المقبلة.

كل ذلك من شأنه وبحسب ما يؤكد المعنيون تحميل الحكومة أعباء مالية إضافية كبيرة، لكن الدور الاجتماعي المنوط عادة بحكومات الدول بعيداً عن الدور الاقتصادي الربحي يفرض عليها القيام بمثل هذا الأمر، بغض النظر عن تكلفته، والتمويل سيكون عن طريق وزارة المالية، سواء من خلال سندات الدين أم بالعجز التمويني، كما أن الخط الائتماني المفتوح من خلال إيران سيوفر لأسواقنا العديد والكثير من السلع الاستهلاكية الأساسية التي ترى الحكومة ضرورة وحاجة لتوفيرها لكل مواطن، وعلى الأغلب سيكون هذا الدعم لمدة ستة أشهر بشكل مبدئي أي وفق ما تتطلبه ظروف الأزمة الحالية.

عبء-الدعم..-الحاجة-تبرر-الاستمرارية

دعم لسبع مواد

تشير مديرية التخطيط والإحصاء في وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية، أن دعم السلع والمواد الاستهلاكية من خلال التسعير الإداري تم رفعه إلى رئاسة مجلس الوزراء وتم تحديد سبع مواد ستخضع للتسعير الإداري، بعد أن كان الأمر موضع نقاش، وسيترك لمجلس الوزراء أمر تحديد حجم المبالغ التي سيتم الدعم على أساسها، إما بتخفيض المبلغ أو زيادته وتبيان حجم العجز الناتج عن هذا الدعم.

ومايهم من هذه العملية أي التسعير الإداري للسلع هو طرحها بشكل مناسب عن طريق مؤسسات التدخل الإيجابي للدولة، وكانت هناك محاولة كي تكون أسعار المواد قريبة من التكلفة دون أن يتسبب ذلك بعجز، كون الدولة ستتحمل هذه التكلفة. وعلى اعتبار أن عملية التوسع في دعم المواد والسلع أمر طارئ، لذلك قد تكون على مدى ستة أشهر بشكل مبدئي، وتم تحديد السعر الإداري بناء على معادلة محددة، أخذ فيها في الاعتبار أسعار هذه المواد قبل الأزمة والزيادات الطارئة التي حصلت على الرواتب والأجور، وحساب قيمة التكاليف، إضافة إلى أسعار تكاليف الاستيراد، كما جرى الاسترشاد بعدة آراء للمعنيين بالعمل داخل الأسواق كونهم على دراية أكبر بالأسعار الواقعية، لا سيما أن أسعار الكثير من المواد فيها مغالاة في الوقت الحالي، ولا تباع بأسعارها الحقيقية.

والمواد التي سيشملها التسعير الإداري هي سبع، تضم: السكر – الرز – الشاي- الزيت النباتي – السمن النباتي – رب البندورة والمنظفات.

ويشير المصدر في مديرية التخطيط في وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية إلى أن الفارق في الأسعار بعد تحديد التسعير الإداري لن يكون كبيراً، خاصة بالنسبة إلى مادتي السكر والرز؛ أي الفرق بين التكلفة والسعر الحالي، وسيتم تمويل هذا الدعم والمواد الاستهلاكية عن طريق إما سندات الدين أو بالعجز التمويني، ومن خلال وزراة المالية، وكل الأمور المتعلقة بعملية التسعير الإداري ستحدد تفاصيلها بعد صدور القرار من مجلس الوزراء والهدف من كل ذلك هو كسر الأسعار الرائجة حالياً من جهة والتخفيف من ارتفاع الأسعار من جهة أخرى.

الدعم يتحمل عبء الأزمة

ويؤكد وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك السابق الدكتور قدري جميل، على دور الدولة في الأزمة، والذي تمثل بعمل من الحكومة لناحية تأمين السلع المدعومة وعلى سبيل المثال لولا منظومة دعم الخبز التي تتبعها الدولة من خلال توفير المادة عبر المخابز الاحتياطية، لكنا وصلنا إلى مرحلة فقد فيها الخبز، خاصة في المرحلة التي توقف فيها عمل المخابز الخاصة، حينها تحملت المخابز الاحتياطية كل العبء.

وفي سياق متصل بالدعم، يقول جميل إن الحكومة سعت إلى إخضاع 80 % من السلع للتسعير الإداري حتى تكون لها القدرة على التحكم بحركة الأسعار في الأسواق والتحكم بانسياب البضائع، لا سيما في ظل ما يحصل من نقص في البضائع

الحكومة: مخزون السلع كاف

وأوضح رئيس الحكومة الدكتور وائل الحلقي في وقت سابق أن الحكومة رصدت مبلغ 512 مليار ليرة سورية، لدعم المواد الأساسية والتموينية والمشتقات النفطية خلال العام الجاري، بالتوازي مع ضبط الأسعار في الأسواق ومراقبتها واتخاذ إجراءات رادعة بحق المخالفين، وزيادة عدد المراقبين التموينيين من خلال رفدهم بكوادر مؤهلة ومدربة، واتخاذ إجراءات التسعير الإداري بشكل يضمن عدم التلاعب بأسعار المواد.

هذا إلى جانب ما توجه به رئيس مجلس الوزراء إلى وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك بتوفير مختلف المواد المباعة عبر البطاقة التموينية ودفتر العائلة بالسرعة القصوى في جميع منافذ البيع.

كذلك وجه رئس مجلس الوزراء إلى أهمية قيام الوزارة بالتشدد في مراقبة الأسعار في الأسواق ومحاسبة المتلاعبين والمحتكرين، والعمل على نقل المخازين من مادة القمح من دير الزور والحسكة إلى المنطقة الجنوبية والإسراع في إعادة تأهيل الصوامع والمطاحن المتضررة واعادتها للعمل، ولاسيما مطحنتي الغزلانية وعدرا في ريف دمشق، ورفع الطاقة الإنتاجية للمطاحن إلى حدها الأقصى.

وأكد الحلقي أن مخزون المواد التموينية والاستهلاكية يكفي لأكثر من عام، وأن هناك خططاً آنية ومستقبلية لزيادة الاحتياطي الاستراتيجي وتوفير مختلف المواد في الأسواق.

عند العجر تفرض رسوم جديدة

وفي كل مرة تعود الحكومة لتؤكد على استمرارها في مسألة تقديم الدعم، وخاصة في ما يتعلق بالسلع والمواد الاستهلاكية، رغم ما يشكله هذا الأمر من ضغط على ميزانية الدولة.

وفي هذا الاطار، يقول الخبيرالاقتصادي الدكتور عابد فضلية، بالطبع إن دعم السلع والمواد الاستهلاكية يشكل عبئاً على الدولة في المرحلة الحالية، لا سيما في ظل تقلص الإيرادات وازدياد النفقات، ولكن الحكومة في المقابل وجدت منافذ ومصادر لها حتى تؤمن الموارد المالية الخاصة لتغطية هذا الدعم للسلع والمواد الأساسية، ولكن ما رأيناه أن الحكومة أمنت الموارد المالية من خلال ما قامت به من رفع لأسعار المشتقات النفطية من مازوت وبنزين، قبل أن تعلن عن إعطائها هذا الدعم؛ أي أنها سلفت على نفسها بتغطية الدعم من خلال الفرق بين أسعار المحروقات، التي حصلتها الدولة وأخذت جزءاً منه لتغطية الدعم. ومما لا شك فيه أن أي عملية دعم  ستؤثر على موارد الخزينة.

ويضيف فضلية، إن الحكومة قادرة على الاستمرار في تقديم الدعم لهذه المواد عن طريق ضبط نفقات أخرى، خاصة في النفقات الاستثمارية والجارية، حتى تكون قادرة على تغطية الدعم، وهي حصّلت جزءاً من مبالغ الدعم من فروق أسعار المحروقات، لكن في مقابل ذلك، فإن هذا الدعم للسلع يعد واجباً اجتماعياً وقراراً حكومياً له صفة مالية واقتصادية. وفي حال وصلت الحكومة إلى مرحلة من العجز، من المتوقع أن تقوم حينها بزيادة الأسعار والرسوم لجوانب أخرى، ويكون ذلك من خلال زيادة أسعار سلع فاخرة ورسوم جمركية وغيرها من أنواع الخدمات الأخرى التي يدفعها أصحاب رأسمال على حساب أمور أخرى، وبالتالي عندما تقرر الحكومة الاستمرار في تقديم الدعم للسلع والمواد الاستهلاكية، ستلجأ الحكومة لرفع أسعار مواد أخرى بشكل غير محدد، وهي ستكون مكرهة على ذلك، لكن لا يمكن الاستمرار في تقاضي الرسوم والأسعار ذاتها كما كنا في السابق؛ بمعنى لا يمكن الاستمرار في تقديم الدعم الغذائي كما هو حاصل الآن وفي المقابل تتقاضى رسوم منخفضة على السلع الكمالية أو تعرفة منخفضة.

ويشير فضلية إلى ضرورة الأخذ في الاعتبار عدم وجود قرار تتخذه الحكومة دون أساس مالي أو باتجاه واحد، لكن ما يهمها هو تقديم الدعم للشرائح الضعيفة والفقيرة إلى جانب الاهتمام بالجانب الاجتماعي، وهو أمر أهم بكثير من النظر إلى حجم الضرر الذي سيلحق بالأنشطة التي ستلجأ الحكومة إلى زيادة الرسوم عليها حتى تغطي من خلالها دعم السلع والمواد الأساسية والاستهلاكية.

عدم ربط الدعم بأشخاص محددين

من ناحية أخرى، يوضح الخبير الاقتصادي الدكتور مظهر يوسف: من المعروف أن الدولة هي الأم الحنون والراعي للمواطنين، وعادة ما يكون دور الدولة اجتماعياً أكثر من كونه اقتصادياً ربحياً، ودائما يكون الهدف الأساسي للدولة هو رفع المستوى المعيشي للمواطنين، هذا بالطبع في ما يتعلق بالشق الاقتصادي؛ ولتحقيق هذا المنحى تتحمل الدولة أعباء كثيرة تتمثل في الإنفاق على الصحة والتعليم ودعم السلع بما يحسن حياة المواطنين، بغض النظر عن التكلفة، وهنا نشير إلى ما تقوم به الحكومة من دعم في مجال أسعار المشتقات النفطية كافة، وأضافت لها في الوقت الحالي دعماً للمواد التموينية الأساسية المتعارف عليها في السابق من رز وسكر، إلى جانب ما أعلنت عنه من سلع إضافية جديدة مدعومة تعطى عن طريق القسائم التموينية، وبالتالي لا تزال الدولة مستمرة في الدعم إلى الآن، لكن ومن خلال الأحداث الجارية زادت التكلفة لهذا الدعم بشكل أكبر من قبل.

ويرى يوسف أن الحكومة ستستمر في الدعم، بغض النظر عن تكاليفه، لكنها ستقوم في ما بعد بترشيد هذا الدعم وتقديمه لمن يستحق، سواء كان مواطناً أم منتجاً؛ نظراً لأن ظروف الفعاليات الإنتاجية في هذه الفترة صعبة، لذلك اقترحنا في وقت سابق إنشاء هيئة للدعم تتمثل بوجود أكاديميين وفنيين تكون مهمتها دراسة كل ما له علاقة بالسيناريوهات المتعلقة بالدعم وتقديم النتائج للجهات المختصة، حتى لا تكون مسألة الدعم مرتبطة بوجود شخص محدد، وعلى سبيل المثال رئيس الحكومة الحالي يؤيد فكرة تقديم الدعم، وقد يأتي وزير من بعده لا يؤيد هذه الفكرة، وبذلك عندما تؤسس هيئة للدعم كما اقترحنا، تكون عملية الدعم غير مرتبطة بأحد، ولدينا أمثلة كثيرة عن وجود هيئات أخرى مثل هيئة مكافحة البطالة وهيئة تنمية وترويج الصادرات.. وغيرها، إضافة إلى مراكز الأبحاث، ما يعني أنه بإمكاننا خلق مركز أو هيئة متخصصة بالدعم.

سلة غذائية متحركة

يشير يوسف إلى أن الضرورة اقتضت أن تقوم الحكومة بإضافة مواد إلى القسيمة التموينية بما يتناسب مع المتوافر منها واحتياجات المواطنين، وبقيت السلة متحركة، حتى إنه خلال ثلاثة أشهر ستكون السلة لهذه السلع متحركة، ويمكن أن نجد مواد مختلفة من ضمنها، وذلك حسب ما هو متوافر وبحسب حاجة المستهلكين وما تضطره المرحلة من توسيع لمسألة الدعم هذا، إلى جانب ما توفره الخطوط الائتمانية التي اتفق عليها مع بعض الدول، وهذه من شأنها توفير الكثير من السلع الضرورية، لا سيما وأن القطاع الإنتاجي المحلي تضرر بشدة، وفي هذه الحالة كانت إحدى الحلول هي الاستعانة بالأصدقاء في مجال توفير السلع، وهو ما حصل لحين تحسن الأوضاع لدينا. وسيكون للخطوط الائتمانية دورها في تحقيق استقرار السلع المستوردة مقابل أسعار السلع المحلية والوطنية، نظراً لوجود بديل ومنافس بين أسعار السلع المختلفة، وإعادة تفعيل المنافسة داخل الأسواق يكون لها دور في تحسن الأسعار، ونعتبر أن كل إجراءات الحكومة هي إجراءات مركزة مرتبطة بالأزمة الحالية، لكن علينا أن نشير إلى وجود فجوة بين صناعة القرار ووقت التنفيذ، ولا ندري من هو المسؤول عن ذلك؛ هل وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك أم المؤسسات الاستهلاكية؟!

سيريان تلغراف | رولا سلاخ – بلدنا

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock