الثورة : سورية .. أول حرب في التاريخ تحت الأرض
عادة ما اندلعت معظم الحروب والمواجهات العسكرية الكبرى في التاريخ ، على اليابسة ، وفي البحر ، أو تحت البحر ، إن شئتم ، وجواً ، أي في السماء بين طائرات مقاتلة، أو صواريخ جو-جو، أما أن تحدث حرب كاملة تحت الأرض، تقريباً، يعسكر من خلالها المسلحون في أنفاق، ويتخذون منها ملاذات، وغرف عمليات، وتخطيط، وتنفيذ مهمات، وتحصينات، وأماكن اختباء، ويعتبرها المرتزقة قواعد عسكرية مزودة بكل ما تحتاجه المهام القتالية، فتلك سابقة لم تحدث في تاريخ الحروب والمواجهات العسكرية إلا في سورية، وفي العدوان البربري الكوني الذي يشن عليها تحت اسم «الربيع العربي».
ومنذ الأيام الأولى لوصول «بركات» الربيع العربي المزعوم إلى سورية، لاحت بوادر العسكرة، واتضحت النزعة الدموية لـ»الثوار»، وتبين أن تلك المسحة الطهرانية والملائكية التي أعطيت لـ»ثوار» أبي عمامة الكيني كانت محض كذب وافتراء، فقد كشفت الكثير من الحقائق اللاحقة عن النيات المبيتة، والخطط المسبقة، لضرب سورية، واستقرارها، وإضعاف جيشها، وتدمير بنيتها التحتية، وإلحاقها بمعسكر العمالة، والنذالة، والاستسلام العربي.
ولعل أهم الحقائق التي تؤكد على خرافة «الثورة» السلمية، وتنسف وتدحض كل الأكاذيب بشأنها، هي ما كشف عنه من واقع مهول، واستعداد كبير، ولوقت طويل، قبل «الثورة»، من حفر لأنفاق تربط أحياءً، وشوارع، ومدناً، بعضها ببعض وتمتد، خارج الحدود، وتستخدم كمراكز إيواء، وتسلل، وفرار، وتخطيط، وتخزين، ومستودعات أسلحة، وتهريب واختباء، واختفاء «مجاهدين» مرتزقة فيها هرباً من ضربات، وملاحقة الجيش العربي السوري، الذي اضطر للتكيف مع هذا الواقع اللوجستي الجديد والجهنمي والرهيب، والنزول للحرب تحت الأرض، حيث انتقلت حرب الجيش العربي السوري، من فوق الأرض إلى ملاحقة المسلحين إلى تحتها، إلى الأنفاق، والدهاليز، والسراديب التي حفرها «الثوار» قبل الثورة بوقت طويل استعداداً لها، وهذه سابقة فريدة من سابقات التاريخ، لم يعرف حتى اليوم بأن جيشاً قد خاض حرباً لمدة تسعة وعشرين شهراً تحت الأرض.
وكان يتم حفر هذه الأنفاق إما يدوياً عن طريق «مختطفين»، أو آلات حفر صغيرة، قادرة على حفر بضعة أمتار يومياً، كانت حماس قد تلقتها لحفر أنفاق في غزة، لكن مررتها لـ»الثوار»، الذين كانوا ينفذون الحفر تحت إشراف «خبراء» من تلك المنظمة الفلسطينية.
وقد تحدث أحد المشاركين في عملية عسكرية في بؤرة ساخنة وشهيرة، كيف كان يتم تطهير الحي بيتاً، بيتاً، وشارعاً شارعاً، من الإرهابيين المسلحين المرتزقة، ويـُمنع الدخول والخروج للحي المذكور، لكن في اليوم التالي، كان يرى المسلحين المرتزقة الأجانب، كـ»النمل»، حسب تعبيره، وكأن شيئاً لم يحدث، ما كان يسبب حيرة واستغراباً0، قدر ما يصيب ذهولاً بين رجال الجيش، لكنه في نفس الوقت لم يزدهم إلا إصراراً وعزيمة على كشف ملابسات وألغاز ذاك السر العسكري الكبير والخطير والمضي قدماً في تفكيكه.
وقد أصبحت معرفة خارطة الأنفاق، ودهاليزها، ومنعرجاتها، واحدة من أهم، وأشق المهام القتالية المناطة بضباط الجيش العربي السوري، وواحدة من أهم مفاتيح النصر. وأصبحت الحقيقة العسكرية اليوم في سوريا، أن معرفة خارطة نفق، يعني إنهاء معركة، والتحول نحو غيرها. وقد كشفت معركة القصير عن أنه كان هناك مدينة أخرى كاملة بكافة تجهيزها، تحت المدينة الأصلية، اتخذ منها «الثوار» العرب والأجانب نقطة انطلاق لعملياتهم وعلى امتداد مساحة جغرافية عريضة.
وأثبت الجيش العربي السوري البطل، بذلك، بأنه جيش استثنائي، وفريد، بالقوة ذاتها، فوق الأرض وتحتها، وهو قادر على إلحاق الهزائم بالمعتدين الأشرار، أينما كانوا ومهما امتلكوا من وسائل وأساليب جهنمية خطيرة ومستحدثة، وبإمكانه مطاردتهم، واصطيادهم حتى لو طلعوا لسابع سماء.
سيريان تلغراف