ما بين كبار بلفاست و غلمان الدوحة .. ماذا ينتظر السوريون ؟؟ .. بقلم نمير سعد
لا بد قبل الخوض في العنوان وما يعنيه من تسجيل إحتجاجي الهادئ واستغرابي اللطيف وإعتراضي المسالم على بعض ما ينشر على شكل مقالات أو تحليلات يقوم أصحابها بصياغة آرائهم كحقائق إلهية مثبتة ووقائع دامغة علماً أنها في كلتا الحالتين لا تستند غالباً سوى على معلوماتٍ مبهمة المصداقية من نوع ” صرح مصدر فضل عدم الكشف عن إسمه ” أو كشفت بعض التسريبات تفاصيل ما دار في كواليس إجتماع دول الثمان الكبار ” أو ورد في مقالة للكاتب الفلاني في الصحيفة الفلانية كذا وكذا ” ، إلى آخر ما لهذه الصيغ التي تلعب على وتر اللغة ومفرداتها وتستغل تعطش الفرد إلى المعلومة التي قد تنبئ بجديد .
لا بد هنا أيضاً أن أعترف انني أقوم أنا أيضاً في بعض الأحيان بممارسة فعلٍ مشابه لدى كتابتي لبعض مقالاتي لكنني أترك الباب مفتوحاً لمن يريد أن يلجه ليتأكد فيما لو كان ما كتبت يأتي في إطار الحقائق الدامغة أم في إطار اللعب على أوتار اللغة بقصد النيل من الخصم بإستخدام مفردات تتأرجح بين النقد و الهزء والسخرية وبين الجدية والكلام المستند إلى مصادره الحقيقية ، أقول أنني بكل تواضع أقوم بقراءة المشهد بأقصى ما أمكنني من التجرد لأبني على أساس رؤيتي لتفاصيله وألوانه وجزئياته رأياً شخصياً يستند إلى التحليل المنطقي والمحاكمة العقلية والإستقراء للواضح من تفاصيله ومحاولة إستقراء غير الواضح منها وأفخر انني ومنذ بداية الحرب على الوطن السوري حققت في معظم ما ذهبت إليه إصاباتٍ مباشرة فيما كان الحال في حالاتٍ أخرى إصاباتٍ أقل دقة وفي حالاتٍ نادرة لا يضيرني أن أقول انني اخفقت فيما ذهبت إليه .
موضوع تفاصيل قمة الثماني بات من الماضي بكل نتائجه التي أثلجت قلوب البعض فيما ألهبت وأحرقت قلوب وأرواح البعض الآخر بعد أن نجح الروسي في فرض لون وخلطة ونكهة البيان الختامي للقمة وأجبر باقي أعضاء الفريق على تغيير الأولويات ليصبح العنوان الأبرز هو إعلان الحرب على الإرهاب والجماعات الإرهابية ، لكن مفاعيل إجتماع بلفاست لا زالت تتأرجح عبر العناوين العريضة للصحف ومقدمات نشرات الأخبار سيما أن حالة شبيهة بالحبل السري ربطته بالإجتماع التآمري لدول ” أصدقاء سوريا ” في دوحة مشيخة حمد لبحث سبل تقديم مساعدة ملموسة للعصابات الإرهابية المسلحة التي يشكل ما يسمى مجازاً ” بالجيش السوري الحر ” قاعدة الإستناد إلى فكرة أن الأسلحة لن تصل أو تقع بالضرورة في أيدي الجماعات القاعدية كجبهة النصرة .
الإجتماع بحد ذاته محاولة لوضع مقررات الإجتماع التكفيري الجهادي الذي رعاه مرسي الجعجاع في القاهرة مؤخراً موضع التنفيذ عبر بحث الدعم بالمجاهدين والسلاح على حدٍ سواء ليتم تقاسم وتوزيع الأدوار في المرحلة اللاحقة فتتبنى عصابة مرسي و القرضاوي و العريفي و حسان ورموز الإخوان في المجلس اللاوطني السوري المعارض مسألة التجنيد والحشد القطيعي لعشرات آلاف ” للجهاديين ” وارسالهم إلى سوريا بعد تلقيهم تدريبات مكثفة في كل من سيناء وليبيا والأردن والحدود السورية التركية ، فيما تتولى مشيخات النفط تمويل الإرهاب دون حدود والإغداق في عروض الإغراء على قادة الغرب للمضي قدماً في مخطط تدمير الوطن السوري أرضاً وشعباً وجيشاً وقيادةً بمباركة أمريكية فرنسية وبريطانية كانت ضمنية سرية خجولة ونقول خجولة ومرتبكة لأن عوائق كانت تحول دون إفشائها وإعلانها على الملأ حتى ساعة تغير الحال الذي فرضته تغيرات الأحوال على الأرض السورية .
ما يهمنا الحديث عنه من الدول المشاركة في إجتماع الدوحة التآمري هي الدول أو أشباه الدول الصهيوأعرابية مصر والسعودية والإمارات والأردن ورأس الحربة قطر إضافةً إلى تركيا الأردوغانية، لأن الدور الفاعل لهذه الأدوات على الأرض هو أهم وأعمق وأكثر تأثيراً في الأسابيع القادمة من الدول الداعمة لها ولعصاباتها على الأرض السورية لوجستياً وتدريباً وتسليحاً كالولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وألمانيا وإيطاليا ، أن إنقلاباً سريعاً للدول المذكورة على الطريقة الجنبلاطية على الشريك الروسي الذي فرض نفسه اللاعب الأهم على ساحة الصراع في سوريا بعد جيش الوطن أمراً ليس يسيراً أو متوقعاً في القريب العاجل لدرجة تحوله إلى حربٍ كلاسيكية معلنة أو حتى فرض منطقة حظر للطيران السوري ، نقرأ هذا من خلال التذبذب الأوبامي الذي يرافقه ويؤثر فيه التباين الواضح بين ديمبسي وكيري في طريقة التعاطي مع الأزمة السورية إضافةً إلى القانون الجديد الذي تم وضعه مؤخراً على طاولة مجلس الشيوخ لمنع أوباما من تسليح المعارضة السورية ، ذات البوادر نستشفها من خلال الفرملة الكاميرونية التي تبنت محاربة الإرهاب كهدفٍ محوري و إعتبار المقدرات العسكرية والأمنية للقيادة السورية عامل مهم في محاربة الإرهاب على أرض الجهاد في سوريا ” خلال وما بعد المرحلة الإنتقالية ” ، يضاف إليه التأرجح الأولندي الفرنسي والخشية الفرنسية على لسان فابيوس من أن توجه الأسلحة التي ستقدم ” للمعارضة السورية ” إلى صدور الفرنسيين يوماً مستذكراً الحالة الطالبانية التي حاربت الجيش الأمريكي بصواريخ ستينغر التي كانت قد تسلمتها منه سابقاً لمحاربة الإتحاد السوفييتي ، وما يزيد من صعوبة هذه الإستدارة أو الإنعطافة الناتوية هو الإجماع على بيان قمة الثماني الذي كان محوره محاربة الإرهاب في سورية فيما إبتعد أو تحاشى الإشارة إلى مسألة تنحي الرئيس الأسد ، لذا فإن أي حديث الآن عن عملية عسكرية تشارك فيها هذه الدول إنطلاقاً من الحدود الأردنية أو التركية ومحاولة فرض منطقة حظر جوي لا تعدو كونها مناورة إعلامية تدخل في نطاق الحرب النفسية على القيادة السورية وسلشعب السوري لتحسين شروط التفاوض على طاولة جنيف الذي بات مصيره في علم الغيب .
وفيما لو صح الإدعاء أو الإعتقاد بهكذا سيناريو أو هكذا جنون فإن غضباً يفوقه حدةً وقوةً وتأثيراً سيقابله دون شك سوف يكون بوتيني الطابع إيراني الحدة سوري الفعل على الأرض كردة فعل على الخديعة الجديدة والمكر الناتوي والخبث الأعرابي والدهاء الصهيوني ، وسيسمع الكون أصداء زئير أسود الجيش السوري وحزب الله المقاوم كما زمجرة الدب الروسي إحتجاجاً على الإستدارة أو الإلتفاف الأمريكي على تفاهماته مع روسيا التي وصل فيروس الإرهاب الوهابي التكفيري إلى أسوار حدائقها .
إن ” الجيش السوري الحر ” يضع القوائم التي يشاء على طاولة المجتمعين في الدوحة و ينتظر تلبية رغباته وطلباته التي تبدأ بصواريخ مضادة للدروع والأخرى مضادة للطيران و لا تنتهي بالمدافع و وسائل الإتصال المتطورة والذخائر المتنوعة ، فيما تقول الحقيقة أنه وباقي شراذم العصابات المسلحة قد إمتلكوا معظم ما تضمنته القائمة منذ قرابة سنتين ودونما إنقطاع .
ما كان فيما مضى من توزيع أدوار بين أفرقاء الحلف المعادي لسوريا سوف يزداد إتضاحاً وتجذراً في قادمات الأيام ، سوف تواظب بعض أجهزة الاستخبارات الغربية على التدريب والتسليح الممول من مشيخات النفط والغاز ، لتترك للعربان المتصهينين يساندهم ويؤازرهم أردوغان المأزوم أعقد وأخطر وأقذر المهام ، هذه الأدوار التي لن تصل في أي حال من الأحوال إلى مستوى ما تم الترويج له من خلال بعض الصحف و الكتاب من تشكيل قوة عربانية عثمانية ” إسلامية ” أشيع أنها قد تتشكل من الأردن والإمارات والسعودية وقطر ومصر إضافةً إلى تركيا ، تتولى إستكمال تدمير ما لم يدمر بعد على الأراضي السورية ظناً منها ” ربما ” أنها تحارب المحتل الصهيوني وتحرر القدس والمسجد الأقصى ، ببساطة شديدة لأن هذا السيناريو يوائم الجنون المطبق ولأن ما سوف يليه وينتج عنه هو حممم بركانية ستطال مشايخهم وآبارهم وقصور دعارتهم ومجونهم ، أجزم هنا والأيام ستنبأ أن أياً من تلك الكيانات العميلة لن تجروء على خوض مواجهة مباشرة مع الجيش السوري ومحور المقاومة وأجزم أيضاً أن قراراً مجنوناً كهذا لا يقبع في خزائن مشايخ أشباه الدول وانما في خزائن العقول الجهنمية للغرب الصهيوني .
من المؤكد أيضاً أن جهود أفرقاء العدوان على سوريا سوف تجنح إلى تكثيفٍ هيستيري للتسليح والتدريب وأن الأمر سوف يتحول في بعض أجزائه من السرية إلى العلن سيما مع إعلان كيري في مؤتمره مع الصهيوني حمد بن جاسم عن العنوان المضحك المبكي الذي يقول ( أن تقديم المساعدات العسكرية ” للمعارضة السورية ” هو أفضل طريق للوصول إلى مؤتمر جنيف 2 ومحادثات السلام فيه ) ، وهو يغمز هنا من باب إجبار القيادة السورية على تقديم تنازلات إضافية من خلال تغيير الواقع الميداني على الأرض والوصول ما أمكن إلى حالة من التوازن في السيطرة والتحكم بين الجيش السوري والعصابات الإرهابية ،كان لافتاً في هذا المجال أن رجل الموساد الأول على أرض مشيخة آل سعود بندر بن سلطان قد إستبق إجتماع الدوحة وباشر بالإشراف على تسليم العصابات المسلحة صواريخ مضادة للدروع وأخرى مضادة للطائرات تحمل على الكتف ، والمؤكد أيضاً أن افرقاء العدوان سوف تنجح في قادمات الاسابيع في سوق ” بفتح السين ” المزيد من القطعان الجهادية الملتحية إلى جبال سوريا ووديانها ، ما ينبأ بدوره بأن المعركة أطول وأعقد مما يظنه بعض المتفائلين وأن شراسة المعركة في القادم من الأيام لن تكون أقل شدة وأخف وطأة ، وإن كان الأمر يشبه سابقاً عملية عض الأصابع فإنه اليوم أشبه بمعركة تكسير العظام .
لكن المؤكد أيضاً أن التاريخ والمنطق والعقل تقول جميعها أن أسوداً سورية تزداد أعدادها هي الأخرى رغم أعداد من تصعد أرواحهم إلى بارئها من شهداء الجيش العربي السوري البطل الذي قدموا أرواحهم على محراب ترابه المقدس .. تزداد أعدادها من خلال الدعم والمؤازرة الشعبية الخارقة و إستعداد مئات الآلاف من أبناء الوطن لافتدائه بالدم والروح ، والمؤكد أخيراً أن لهذه الأسود في قادمات الأيام كما أبداً أن تدمغ رقاب الضباع الجهادية بأختامٍ يجمع كل من رآها على تلك الرقاب النجسة لأفراد القطعان التي فطست ونفقت على الأرض السورية .. أنها أختام نعال أبطال وبواسل الجيش السوري المقدس .
سيريان تلغراف | نمير سعد
(المقالة تعبر عن رأي الكاتب، وهيئة التحرير غير مسؤولة عن فحواها)