حماس والموقف من سورية وضرورة إجراء مراجعة شاملة لدروس الماضي
أعاد طلب قيادة حركة حماس الفلسطينية فتح مكتب لها في العاصمة المصرية، القاهرة، الحديث عن نقل مركز ثقلها، وتحركها، من دمشق بعد سنوات من احتضان سورية، قيادة وشعباً، للحركة رغم كل الضغوطات الغربية التي مورست لفك العلاقة بين الطرفين التي بدت غير قابلة للنقاش والانفكاك.. لكن ما فشلت به الضغوطات تحقق بسبب عدم قدرة قيادة حماس على الوقوف في منتصف الطريق، بين المعارضة والسلطة السوريتين، على الرغم من استمرار قيادة حماس الخارج بالتصريح عن التزامها الحياد تجاه الأزمة السورية.
خطر التزام الحياد
وخلال بيانين رسميين، صدرا عن قيادة حماس في دمشق، منتصف العام الماضي، جرت محاولة الوقوف على الحياد بذريعة عدم التدخل في الشؤون الداخلية السورية، واعتبار الصراع الدائر شأناً داخلياً سورياً، وهو ما أثار حفيظة القيادة السورية والمعارضين لها على حد سواء، فقد انتظرت حكومة دمشق من حماس نوعاً من رد الجميل والوفاء على حفاوتها واحتضانها لسنوات طويلة للقيادة الحمساوية تحت شعار الانتصار للمقاومة. أما المعارضة فشعرت أن الهبات الكبيرة، عينية ومالية، التي منحها السوريون لحماس ذهبت إلى غير مكانها الصحيح إذ كانوا ينتظرون موقفاً واضحاً وشبيهاً بمواقف الحركة من ثورات تونس، مصر، وليبيا.. ويذهب هذا الموقف ببعض أقطاب المعارضة السورية إلى التهديد بإنهاء وجود حماس، وتنظيمات فلسطينية أخرى بطبيعة الحال، في سورية، إذا ما استطاعت الوصول إلى سدة الحكم.
وفي مسعى لحل هذه المعضلة أعلن خالد مشعل، رئيس المكتب السياسي للحركة، قبل أكثر من شهرين عن إمكانية قيام الحركة بمبادرة للتقريب بين فرقاء النزاع في سورية، ولكن على ما يبدو فإن أية مبادرة حمساوية ليست مطلوبة على الساحة العربية عموماً، والسورية خصوصاً، خصوصاً أن حماس نقلت مركز نشاطها من دمشق إلى ساحات أخرى كتونس ومصر وقطر وغيرها، مستفيدة حيناً من وصول الإسلاميين إلى سدة الحكم، وفي أحيان أخرى من حاجة دول أخرى للبقاء قريبة من اللاعبين الأساسيين على الساحة الفلسطينية. ولهذه الأسباب ظلت المبادرة مجرد تصريح عابر ولم نشهد مفاعيل لها على أرض الواقع.
البحث عن بوابة أردنية
وفي سعيها للتعويض عن إمكانية خسارة الساحة السورية لم تفوت الحركة حتى فرصة وفاة والدة رئيس مكتبها السياسي، خالد مشعل، لجس النبض الأردني من اجل العودة في شكل علني إلى الساحة الأردنية.
وبدا واضحاً أن عودة حماس إلى عمان كانت خجولة، ولم تحظ بالحفاوة الرسمية التي كان تؤمل نفسها بها. البرودة الأردنية لم تكن مفاجئةً لأحد، فلدى القيادة الهاشمية ما يكفيها من المشكلات مع إسلاميي الأردن الذين لم يستطيعوا النأي بأنفسهم عن ثورات الربيع العربي التي حملت الإسلاميين إلى سدة الحكم بعد عقود من السجن والقمع والنفي، كما هي حالة راشد الغنوشي في تونس، والإخوان في مصر. وربما لهذا السبب تحركوا في مدن أردنية كثيرة، قبل أن يستطيع الأردن ضبط حركة الشارع، عبر قمع المتظاهرين الإسلاميين حيناً، واللجوء إلى إرضاء الشارع في أحيان كثيرة وصلت إلى حد السماح بمحاكمة رؤساء وزارة ووزراء سابقين بتهم الفساد وإهدار المال العام، رغم أن هؤلاء كانوا إلى وقت قريب محميين قانونياً من المحاكمة ونيل العقاب، كما هي الحالة مع الذهبي، رئيس الوزراء الأسبق.
والمصريون مترددون
وإذا كانت البوابة الأردنية الرسمية شبه مغلقة أمام حماس، فإن البوابة المصرية ليست أفضل حالاً، إذ أن قطاعات لا يستهان بها من الشعب المصري لا ترحب بحماس، التي يطيب ليساريي وعلمانيي مصر، وصفها بحركة الإخوان المسلمين في فلسطين.. ويرى هؤلاء أن مصر لديها ما يكفيها من المتطرفين الإسلاميين الذين يهددون، بالقول والفعل، الحريات العامة للمصريين، تلك التي حققوها طوال عقود بالنضال والممارسة الدؤوبين. ويرون أن الحل الأمثل هو انتقال قيادة حماس إلى قطاع غزة، والعمل من هناك قريباً من الواقع الفلسطيني المعاش. ويقولون إن هذا الأمر ممكن بعد تصريحات مشعل بعدم نيته الترشح ثانية لرئاسة المكتب السياسي لحماس، ما يعني أن الرئاسة ستؤول على الأغلب إلى رئيس الحكومة الفلسطينية المقالة إسماعيل هنية، الذي برهن في مرات كثيرة أنه رجل مصالحة وحوار على الصعيد الداخلي ، وعربيأً على أنه مساند قوي لثورات الربيع العربي، ومنها السورية التي أعلن دعمه لها خلال خطبته في الأزهر الشريف بالقاهرة، الأسبوع الماضي، واضعاً قيادة حماس في الخارج على المحك بعدما فشلت في سياسة إمساك العصا من المنتصف إزاء ما يجري في سورية، إذ أن الوقوف على الحياد له ثمن في الحالة السورية التي لا تشبه مثيلاتها العربيات.
علاقات الرمال المتحركة
استطاعت حماس بناء علاقات تثير الجدل لصعوبة الجمع بينها، في ظل متناقضات عدة في محيط عربي وعالمي عاصف ومتغير خلال أربعة وعشرين عاماً من عمر الحركة.
فمنذ انطلاقتها أسست حماس لعلاقات قوية مع إيران والسعودية، وهما البلدان المتنافسان على زعامة منطقة الخليج العربي. وحافظت على علاقات متميزة مع حزب الله وتيار المستقبل اللبنانيين المتناحرين، كما امتلكت علاقات متميزة مع سورية التي مرت بمراحل عاصفة في علاقتها مع السعودية وقطر..
لكن تطور الأحداث في ظل الحراك العام في المنطقة يضغط على حماس باتجاه تحديد علاقاتها ومصالحها في شكل أكثر وضوحاً، إذ بات من الصعب الجمع بين علاقة جيدة مع إيران والسعودية في الوقت نفسه، والأمر ذاته ينطبق على علاقتها مع قطر وسورية.. فلم يعد ممكناً عقد التحالفات على أساس مصالح ذاتية آنية، بل وفق مصالح عليا بعدما تغيرت خريطة المنطقة العربية على نحو دراماتيكي فاجأ حتى أبرز المتحمسين للربيع العربي.
حماس والربيع الفلسطيني
وينظر المراقبون بحسرة إلى أن الربيع العربي لم ينتقل إلى الساحة الفلسطينية، فخيار حماس العودة إلى مفاوضات المصالحة كان تكتيكاً آنياً أملته عليها إمكانية خسارتها للساحة السورية، لا اعتبارات المصلحة الفلسطينية التي تضررت كثيراً بسبب الانقسام والاحتراب الداخلي، وانقسام السلطة الفلسطينية، إلى سلطتين، واحدة في غزة، والثانية في رام الله.
وإذا كانت الشعوب العربية سعت، وتسعى، لتغيير أنظمتها السياسية، فإن الفلسطينيين جديرون أيضاً بتغيير نظامهم السياسي، خصوصاً أنه لم يستطع تخليصهم من الاحتلال الإسرائيلي، أو حتى التخفيف من قمعه وجوره، وبدأ في التأسيس لانقسام كياني بين غزة والضفة وأدار ظهره، في شكل أو آخر، لفلسطينيي الشتات. ولعل وصول قيادات جديدة إلى واجهة حماس، أو تغيير الوجوه التي استنزفت جهودها في محاولة رأب الانقسام الفلسطيني، واللعب على تحالفات متناقضة لم يعد من الممكن الاستمرار في الجمع بينها، قد يفرض على الحركة في المستقبل القريب تغيير خريطة تحركها وتحالفاتها التي اتسمت حتى الآن بغياب الموقف الجدي إزاء ما جرى ويجري على الساحة العربية من أحداث وصفها البعض بالزلازل العنيفة التي لا تزال ارتداداتها تتوالى.
مراجعة الدرس السوري
وفيما يؤخذ على فصائل الثورة الفلسطينية المعاصرة عدم مراجعتها للفصول المؤلمة في تاريخها، فإن حماس تقع في الخطأ ذاته إذا لم تراجع تجاربها السابقة، مراجعة صريحة وقاسية تضع اليد على الجرح، والنقاط على الحروف، للخروج باستخلاصات تقيها مستقبلاً الوقوع في أخطاء الماضي، وهي كثيرة بطبيعة الحال، ولا مجال لإطالة الحديث عنها الآن.
وإلى أن تنجز حماس مراجعتها فإن قيادتها في الخارج تستطيع تغيير جغرافية تمركزها، في تونس، أو الخرطوم، أو الدوحة والقاهرة، لكن دروس إقامتها في دمشق تحتاج إلى وقفة متأنية، قد لا يحلها أن لا يرشح خالد مشعل نفسه، مرة جديدة لرئاسة المكتب السياسي لحركة حماس. فالأمر يحتاج إلى مراجعة التجربة كلها، لاستخلاص الدروس والعبر من تجربة غنية على مستويات كثيرة.
بقلم : سامر الياس
(المقالة تعبر عن رأي الكاتب، وهيئة التحرير غير مسؤولة عن فحواها)