عندما تتخبط المعارضة في صياغة رواية مقنعة لإغتيال العلامة البوطي
رغم أن الفرح كان هو الشعور البارز الذي صبغ ردة فعل معظم المعارضين لدى سماعهم خبر اغتيال العلامة الشيخ محمد سعيد رمضان البوطي، إذ لم يجد بعضهم حرجاً في التعبير عن شماتته بهذا الإغتيال، إلا أنهم اتفقوا – “باستثناء فئة قليلة من الجهاديين” – على توجيه أصابع الاتهام إلى النظام السوري وتحميله مسؤولية اغتيال العلامة الكبير.
ولكن بينما حاولوا فور إعلان خبر الاغتيال صياغة رواية مقنعة تثبت التهمة على النظام، فقد وجدوا أنفسهم على العكس يتخبطون يميناً وشمالاً في نسج روايات أوهن من بيت العنكبوت.
فقد كتب (عصام الإدريسي) وهو ناشط إسلامي معارض على صفحته في تويتر: “والله إن الدمع ليسيل فرحاً بهلاك البوطي، وأياً كان قاتله فالمهم أنه هلك وانقطع شره عن المسلمين”!!
أما (سلمى المصري) فقد رأت أن خبر مقتل البوطي هو “أجمل خبر تسمعه منذ خبر تفجير خلية الأزمة”، بينما كتب (خبَّاب): “إلى غرباء تويتر ألف مبروك لكم مقتل ذلك البوطي!!! ولو توزعت فرحتي لما كفت أهل اﻷرض”!
وحاول بعض النشطاء المعارضين التركيز على فكرة أساسية مفادها أن مقتل البوطي جاء استجابةً لدعاء سابق دعى عليه به – بحسب قولهم – الشيخ الألباني أحد زعماء السلفية السوريين والذي كانت بينه وبين الشيخ البوطي سجالات معروفة، حتى أن ميليشيا مسلحة ذات توجهات إسلامية متطرفة تحمل اسم “لواء الله أكبر” قد أكدت هذه الفكرة وكتبت على صفحتها “يروى أن البوطي اتهم الألباني بما لا يصح فرد الألباني بدعاء قال فيه اللهم أطل في عمره وأظهر نفاقه”، أو أنه دعا حسب آخرين: “اللهم أطل في عمره وافضح سريرته”!
كل هذه الاقتباسات التي أوردناها إنما هي غيض من فيض التعليقات التي ملأت صفحات المعارضين، والتي تعبر عن أجواء الفرح التي سادت بين صفوفهم فور شيوع خبر مقتل البوطي.
ولكن وراء هذه الفرحة العامرة التي صبغت ردود أفعال المعارضين، كان هناك هاجس يعكر عليهم صفو فرحتهم ويجعلهم يتحسسون رؤوسهم قليلاً، ذلك أن مقتل عالم دين بمستوى رمضان البوطي ليس حدثاً عابراً يمكن التشفي به بتعليقات سريعة، بل سوف تترتب عليه تداعيات كبيرة وخطيرة قد تكون أكبر وأخطر من تداعيات الصاروخ الكيميائي الذي ضرب بلدة خان العسل بالأمس معلناً افتتاح العصر الكيماوي للأزمة السورية. لذلك حاول البعض من هؤلاء المعارضين التلفيق بين إحساسه بالفرح من جهة وبين رغبته في اتهام النظام السوري بجريمة الاغتيال وتحميله المسؤولية عنها من جهة أخرى، دون أن يأخذ بالحسبان حدة التناقض الداخلي الذي تتضمنه الفكرة المقترحة لجهة أن مهمة النظام ليست تنفيذ ما يفرحهم ويفرج أساريرهم، وهو الذي يخوض حرباً شعواء معهم، وقد كان نتيجة هذا التلفيق صدور روايات وأنباء متضاربة عجزت عن تصدير رواية واحدة مقنعة من شأنها أن تربط بشكل منطقي وعقلاني بين اغتيال البوطي ويد النظام السوري.
فقد سارع موقع الإخوان المسلمين على الفور إلى تسريب خبر عبر صفحته على تويتر مفاده أن الشيخ محمد سعيد رمضان البوطي قد أخرج كافة أعضاء عائلته إلى تركيا صباح هذا اليوم وأنه كان ينتظر اللحظة المناسبة للحاق بهم، في محاولة من جماعة الإخوان المسلمين للقول بأن النظام قد قتل البوطي لأنه أراد الانشقاق عنه وعقاباً له على تهريب عائلته. ليتبين لاحقاً كذب هذه الرواية من خلال ثبوت أن أحد ضحايا التفجير الإرهابي الذي ضرب جامع الإيمان كان أحد أحفاد الشيخ البوطي.
بينما ذهب فريق آخر إلى إدعاء أن النظام قد قتل البوطي بالرصاص بعد انتهاء دوره بحسب هؤلاء وأنه – أي النظام- جاء بعد ذلك بجثته وجثث قتلى آخرين ليستعرض مسرحية التفجير الإرهابي في جامع الإيمان أمام وسائل الإعلام، حتى أن أحد هؤلاء شدد على أن المخابرات السورية رأت الفرصة سانحة لتنفيذ عملية اغتيال البوطي بعد صدور التصريحات النارية ضده من قبل الشيخ يوسف القرضاوي في برنامجه على فضائية الجزيرة.
وفي سياق هذه الروايات قال المعارض السوري هيثم المالح أن أبناء المنطقة – حي المزرعة الذي وقع فيه التفجير – لم يسمعوا أصوات أي تفجيرات، وقد فات هؤلاء المعارضين أن صفحاتهم كانت السبّاقة إلى نقل خبر قصف جامع الإيمان بالقذائف الصاروخية حتى قبل أن تذكر وسائل الإعلام السورية شيئاً عن الحادثة، وقبل أن يتبين أن البوطي كان أحد ضحايا التفجير، وكأنهم أرادوا الانسحاب والتنصل من رواياتهم السابقة، بعد أن انكشف الغبار وظهرت الحقيقة، وتبين أن ما قُصف ليس مجرد جامع وإنما ركن من أركان الفقه الإسلامي، ووجه ناصع من وجوه الثقافة الإسلامية، وأحد أهم المرجعيات الدينية في العالم كله. علاوة على أن ادعائهم السابق من شأنه أن يؤيد التفسير الذي ذهب إلى أن تصريحات القرضاوي بلغت من الخطورة حداً قريباً من إصدار فتوى بإهدار دم الشيخ البوطي.
وقد أشار أحد النشطاء ويدعى (أحمد البوادي) إلى زملائه المعارضين بأن لا يضخموا مقتل البوطي واتهام النظام به لأنه بحسب قوله: “إذا ثبت أن المجاهدين من فعل ذلك غدا الأمر وكأنه حقا جريمة”. وهذه الإشارة تكفي لتوضيح الكثير من التناقضات التي تعتمل في نفوس المعارضين والحيرة التي تسيطر عليهم في تحديد موقف واضح من عملية الاغتيال.
من جهة أخرى وبعيداً عن نسج الروايات السابقة التي شغلت المعارضين، كان )أبو سلمان العطواني) يكتب على صفحته في تويتر قبل ساعة واحدة فقط من خبر اغتيال البوطي: “قريباً سوف تسمعون خبراً يدخل الفرح على قلوبكم”، وأبو سلمان هذا هو جهادي يقاتل في صفوف جبهة النصرة ويعتقد أنه من قادتها الميدانيين، ولا يخفى أن جبهة النصرة وأنصارها كانوا يجاهرون بتكفير الشيخ البوطي ويتوعدونه بمصير أسود ويصفونه في أحاديثهم بـ”الهالك البوطي”.
وفي هذا السياق يذكر أن الشيخ عدنان العرعور كان منذ أيام قد توقع مقتل البوطي بعد تأييد الأخير لفتوى الجهاد مع الجيش السوري ولا يقلل من أهمية هذا التوقع أن يكون العرعور قد قال أن مقتل البوطي سيكون على يد أحد الشبيحة الموالين للنظام.
وأخيراً إذ عنونت تنسيقية حي القدم خبرها قائلة “مقتل البوطي.. مجدٌ لا ندعيه”، يثير تساؤلاً كبيراً حول من ذا الذي يجرؤ على إدعاء هذا المجد أمام الملأ؟ ثم أليس من طبائع الأشياء أن يتجه الإنسان إلى ما يعتقد أنه يحقق له الأمجاد؟!!
سيريان تلغراف | عبدالله علي ـ عربي برس