مقالات وآراء

سورية وحرب العمائم .. بقلم رائد كشكية

“من دخل المسجد فهو آمن”، هذا عهد الرسول المصطفى لكل إنسان دخل المسجد، لم يستثن الرسول منه أحداً، وجعل للمسجد حرمة وقداسة. وهذا حرم آخر يدنّس في سورية. مسجد آخر يفجّر وتقتل حرمته، ويقتل رئيس “اتحاد علماء بلاد الشام” الشيخ محمد سعيد رمضان البوطي، إمام المسجد الأموي في دمشق، الذي حذّر من التطرف والمغالاة في الدين، وشجّع المؤمنين على نبذ الطائفية وترك مساحة بين السياسة والدين.

عالم صوفيّ واسع المعرفة بدرجة دكتوراه في الفقه وأصوله، اعتبر حتى اليوم رمز الاعتدال في الدين، لكن اعتداله قتله، فمجرّد وجوده وضع الحواجز أمام التكفيريين، وأيّ مؤمن يسمع الوعاظ من المجيشين (للجهاد) مادام البوطي حيا.

يزداد المتطرفون الذين يريدون تحويل سورية إلى “دولة إسلامية” قوة، وتطال يدهم السوريين في بلدان أخرى، فحتى في مصر تعرضت الفنانة السورية رغدة للضرب، بسبب إلقائها قصيدة في دار الأوبرا تهاجم فيها الإسلاميين. ويزداد المشهد السوري المعقد أصلا تعقيدا برئيس “ا لحكومة مؤقتة” هيتو الرافض للحوار، الذي يحكّم السلاح وحده، معتمدا على الدوحة، التي بدورها تعدّ لقمة عربية تصبّ الزيت على النار، بإقرار المشروع القطري الذي ينفذ حاليا في سورية، والذي يشبه إلى حدّ بعيد ما أصاب العراق.

بعد سقوط بغداد انطلقت في العراق حملة شنيعة لاغتيال العلماء، قام بها المتطرفون من الإسلاميين، فقتل الآلاف وهرب عشرات الالاف حتى خلا البلد منهم، وصار المعيدون يشكلون أساس الهيكل التدريسي في الجامعات. الغرض من قتل العلماء هو كما يقول مثل روسي: (لايبقى المكان الدافئ خاليا)، فالعقول هي عماد الدولة، والشعب بمختلف فئاته يصدّق علماءه، ويتبعهم، كما كانت الجامعات فيما مضى تمد الدولة بالكوادر من مدراء ووزراء. وحين خلت بغداد من العلماء شغل رجال الدين اماكنهم، وتحكّمت العمائم بالسلطة، وسيطر الخطاب الطائفي على الشارع حتى بات أمرا واقعا، هكذا بدأت المرحلة التالية التي استهدفت علماء الدين.

سورية عرفت هذه الظاهرة في ثمانينات القرن الماضي، وكان اساتذة الجامعات أول من استهدفهم الإخوان المسلمون بالقتل والتفجير. وأدى القضاء على التمرد الإخواني إلى هروب كثيرين من رجال الدين الإسلامي إلى دول خليجية، ليعاد تصديرهم اليوم كمنظّرين للثورة من أمثال الشيخ العرعور.

هذه الفئة من علماء الدين الذين وجدوا في السعودية تربة خصبة لتنمية أصولهم الإخوانية، أثّرت وتأثرت ببيئة العلوم الدينية الحجازية، وهي في بحثها عن مكان تشغله من خلال عملية إعادة التصدير، تستخدم الأسلوب الوهابي لإخلاء الأماكن المشغولة. وبالنتيجة يضع التكفيريون الجهاديون على رؤوسهم عمائم الشهداء من علماء المسلمين، فيعلّمون الشباب القتل ويرسلونهم إلى الموت.

المعارك تجري في درعا والجولان، وتتصاعد إثر دخول 2500 مقاتل من الأردن، ولؤي المقداد واحد من الناطقين باسم “الجيش الحر”، يقول إن “دولا منها الولايات المتحدة ودولا أوروبية وعربية، عرضت تدريب المقاتلين وبعض الدول تقوم بهذا التدريب”. والأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، يوافق على تلبية طلب دمشق بفتح المنظمة الدولية تحقيقا بشأن استخدام أسلحة كيميائية في حلب. بينما لم تعثر واشنطن على أي مؤشر يؤكد استخدام أسلحة كيميائية في سورية، بحثت فلم تجد!. هل يدلّ هذا على شيئ؟

عشر سنوات أغرقت العراقيين بدمائهم ساجدين تحت أنقاض مساجدهم، لا لشيئ إلا لأن الاحتلال الأمريكي أطلق العنان للجهاديين قتلة العلماء. واليوم أطلق لهم العنان في سورية. وسورية عرفت خلوّهم من الأخلاق، وشهدت سقوط المشافي والمدارس، أماكن كانت آمنة حتى في أثناء القصف الإسرائيلي عام 73، وتشهد الآن اغتيال المساجد.

رائد كشكية

(المقالة تعبر عن رأي الكاتب، وهيئة التحرير غير مسؤولة عن فحواها)

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock