مقالات وآراء

فابيوس – أوباما والكذبة الكبرى .. تحويل مجرى الثورات إلى حروب طائفية وعرقية .. بقلم أشرف ضباغ

تقوم الصحف الأمريكية بحملة خطيرة تمهيدا لزيارة أوباما للمنطقة ولتفادي التعامل معه كما تعاملت المعارضة الوطنية المصرية مع وزير خارجيته جون كيري في زيارته الفاشلة مؤخرا للمنطقة. فوسائل الإعلام الأمريكية تواصل نشر تسريبات قريبة من وجهة نظر الإدارة الأمريكية الداعمة للتيارات اليمينية الدينية المتطرفة، والتي تسعى إلى تسييد قوى ما تسميه بـ “الإسلام الديمقراطي الجديدة”، زاعمة أن هذه القوى هي الأكثر تنظيما وقدرة على مواجهة مخاطر الجهاديين المسلحين والإرهابيين. وتحاول التستر على أن كل القوى الدينية المتطرفة والجهاديين المسلحين ليس لديهم مشاكل مع الولايات المتحدة وأوروبا. فطوال السنوات الثلاث الأخيرة استراح الغرب منهم ومن تفجيراتهم وتهديداتهم، ونقلهم بمختلف مشاربهم وتوجهاتهم الطائفية والجهادية والإرهابية إلى دول شمال أفريقيا والشرق الأوسط، وهو الذي رعى قياداتهم وزعمائهم عشرات السنين على أراضيه.

FRANCE-PARLIAMENT-ASSEMBLY

إن الغرب الأمريكي – الأورو أطلسي نقلهم إلى المنطقة لكي يتولوا الآن مقاليد السلطة ويتحالفوا معه في مشاريعه التي تتناقض تماما والمصالح الوطنية والشعبية. نقلهم مقابل تعاونهم معه في سيناريوهاته المستقبلية، أو استخدامهم ذريعة في حال ساءت الأمور. ومن الواضح أن إدارة أوباما لا تعادي لا الإخوان ولا الجهاديين، بل تعادي القوى السياسية الوطنية، وتعادي شعوب المنطقة، وتقف أمام تقدمها وتحديثها. فالإدارة الأمريكية لا ترغب في قوى وطنية وشعبية قادرة على التنمية الحقيقية والقرارات التي تنطلق من المصالح القومية والوطنية، ولا ترغب في وجود قوى وطنية في سدة السلطة والقرار تكون قادرة أيضا على إقامة مشاريع وطنية حقيقية لصالح شعوب المنطقة واتخاذ القرارات التي تخدم بلادها وشعوبها.

في أثناء تسويق الإدارة الأمريكية لبضاعتها الجديدة، أعلن وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس يوم الأحد 17 مارس/اذار 2013 أنه يجب تزويد الجناح العسكري للائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية بالسلاح، وإلا فسيأخذ مقاتلو “القاعدة” زمام المبادرة في سورية. وقال الوزير في تصريح لقناة “فرانس 3” التلفزيونية أنه “إذا كنا نرغب في تحقيق التسوية السياسية، فمن الضروري أن نحقق تقدما في الوضع العسكري على الأرض. ويجب أن يحصل مقاتلو المقاومة على السلاح لمكافحة الطائرات التي تقصفهم”. وأضاف فابيوس أنه يجب تقديم السلاح للائتلاف الوطني المعارض بقيادة معاذ الخطيب، الذي “اعترف به مئة بلد والذي يعطي ضمانات بمراعاة حقوق كافة الطوائف في سورية المستقبل. ولهذا السبب سيتم توريد السلاح إلى الجناح العسكري لهذه المنظمة (الائتلاف) بالذات إذا ما تم بالفعل”. وأشار الوزير الفرنسي إلى أن هذا الموضوع يناقش أيضا بين العواصم الأوروبية، وأنه سيناقشه مع نظيره الألماني جيدو فيسترفيلله. وأضاف أنه في حال استمرار الوضع الحالي في سورية لن يكون هناك مزيد من القتلى فحسب، بل وسيكون هناك خطر يتمثل في أن القوى الأكثر تطرفا، أي “القاعدة”، ستأخذ زمام المبادرة”.

هكذا يفسر لنا وزير الخارجية الفرنسي ما تحاول الإدارة الأمريكية تسويقه بطريقتها كأسس ومبادئ للسيناريو المرن أو السيناريوهات المقبلة القابلة للتحريك وتبديل المتغيرات مع الإصرار على الثوابت المتمثلة في تمكين اليمين الديني الرجعي واستبعاد أي قوى أخرى قادرة على تحقيق مشروعات وطنية وقومية وعمليات تحديث اقتصادية واجتماعية وتشريعية في بلادها. والمثير للتساؤلات أن نفس هذه الإدارات سواء الأمريكية أو الفرنسية أو البريطانية، وحلفائها الإقليميين والدوليين، كانت واثقة تماما من الوعود التي حصلت عليها في ليبيا. ومع ذلك أصبحت ليبيا معمل تفريخ للجهاديين إلى كل دول المنطقة، وباتت مثالا للتطرف الطائفي والقبلي ويكفي ما نسمعه يوميا ونراه وتؤكده التقارير عن نبش القبور والأضرحة واعتقال المسيحيين وحرق الكنائس والأعداد المهولة لقتلى النزاعات القبلية والطائفية. وإذا كان النموذج الليبي حديثا وطازجا، فهناك النموذج العراقي، ومن قبله الأفغاني. إذ نرى الآن أن إدارات هذين النموذجين لم تعد تروق حاليا لواشنطن وبعض العواصم الأوروبية. وهو ما دفع الرئيس الأفغاني حامد كرزاي إلى البحث لنفسه عن بدائل أخرى، بينما رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي يملأ العالم صراخا وتنديدا بسياسات الغرب في سورية والعراق والمنطقة كلها. ولا يمكن أن نستبعد أنه بعد إحراق مصر وتحويلها إلى دولة فاشلة تماما، أن تبدأ نفس المشكلة مع الإخوان المسلمين – حلفاء اليوم للأمريكيين والأوروبيين – وإدراج تنظيمهم الدولي وحكوماتهم “الشرعية!!” على قائمة الإرهاب، أو في أحسن الأحوال على قائمة الدول الراعية للإرهاب!

إن إدارة باراك أوباما تقوم بأكبر عملية تضليل تمر بها المنطقة. فمن يقف ضد السياسات والمشاريع والسيناريوهات الأمريكية ليس المتطرفون أو الجهاديون أو المسلحون أو الإخوان أو السلفيون. فالذي يقف ضد السياسات والمشاريع والسيناريوهات الأمريكية والأورو أطلسية هي القوى الوطنية والمدنية وعموم القوى اليسارية. ومع ذلك فإدارة أوباما مصممة على تضليل الرأي العام المحلي والدولي وتزيف التاريخ بفرضها رؤية أن سقوط الإخوان سيفسح المجال أمام السلفيين أو القوى الجهادية المسلحة. غير أن كل هذا التضليل والتزييف ما هو إلا ذريعة لتحقيق المشروع الأمريكي عن طريق حلفائه ممن يسميهم بقوى “الإسلام الديمقراطي الجديد”. فإدارة أوباما والأجهزة الأمنية والاستخباراتية الأمريكية تعرف جيدا كيف تستخدم العصابات الجهادية المسلحة للضغط والتهديد، والهدم في حال فقدت واشنطن الأمل في تحقيق مصالحها في هذه الدولة أو تلك. والإدارة الأمريكية تعرف جيدا أن لا الإخوان ولا السلفيين ولا الإرهابيين يرفضون مشاريعها، لأن الخلافات، سواء بين كل هذه القوى مجتمعة من جهة وبين الولايات المتحدة ومحورها الأورو أطلسي من جهة أخرى، أو بين أي من هذه القوى وواشنطن وحلفائها الأورو أطلسيين من جهة ثانية، هي خلافات على أمور أخرى تماما. إن التوجهات الأمريكية – الأورو أطلسية تقف على أرضية مواجهة المشروعات الوطنية والقومية واستقلال القرارات في ما يتعلق بالقضايا والمشاريع الملحة التي تهم دول المنطقة.

من هنا تحديدا تركز السياسات الأمريكية – الأورو أطلسية على ضرورة تسليح ما يسمى بالمعارضة اليمينية الدينية “المعتدلة” لأنها هي الوحيدة القادرة على مواجهة السلفيين أو السلفيين الجهاديين أو القاعدة. وفي الوقت الذي تعلي فيه هذه السياسات من شأن ما تسميه “إلى الآن!!” بالأنظمة أو المعارضة الدينية المعتدلة، تطمس تماما وجود القوى المدنية والعلمانية الأخرى، وكل أشكال المعارضة الوطنية واليسارية، بل والليبرالية! وتعتبرها معارضة غير منظمة وغير مؤثرة ولا يمكنها إدارة الدول. والمثير للتساؤلات أن نفس القائمين على هذه السياسات يسعون للجلوس مع القوى المدنية والعلمانية والمعارضة الوطنية لإجبارها على ما يسمى بـ “الحوار الوطني” أو “المصالحة الوطنية” مع الحلفاء الإسلاميين المعتدلين الجدد.

د. أشرف الصباغ

(المقالة تعبر عن رأي الكاتب، وهيئة التحرير غير مسؤولة عن فحواها)

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock