جنازة وهمية ونعش فارغ .. لثلاثة بحار ودولة .. بقلم نارام سرجون
لاأحب انكار الحقائق الساطعة في الحروب لأنها تضليل ساذج ومن حق الناس في الحروب أن تعرف حجم جراحها كما يحق للمريض معرفة حجم مرضه ونسبة نجاته .. ولكني لاأحب عويل الأمم ولانحيبها الطويل ولا التفجع ولا الصراخ المبالغ فيه ولا اللطم وشق الثياب.. وأراه في الصراعات الكبرى سلاحا كيماويا ينفجر في أرض صاحبه قبل عدوه .. وفي اشتداد المعارك لايقل أثره على الجمهور عن أثر غازات الأعصاب والسارين والخردل .. كما أن التبجح بالوطنية باشتداد البكاء حزنا على الوطن والتفجع والنحيب على الوطن بصوت مرتفع يكاد يرتقي الى مستوى الخيانة التي لاتقل عن خيانات العرب الشهيرة وآخرها خيانة الاسلاميين العظمى للقرآن حرفا حرفا .. وخيانة الاخوان المسلمين للجهاد من جيمه الى داله .. ومايريده أي عدو في حرب هو أن يطلق بعض الضعفاء العويل لتيئيس الناس..وارتفاع النشيج وأناشيد النهايات ..
في بلد يخوض حربا ضروسا لايمكن منع الأحزان .. لكن يجب أن يكون الحزن ممزوجا بالغضب ليتحول الدمع الى زيت يشتعل .. لأن الغضب هو الهرمون الذي ينعش الأرواح المتعبة .. وهو الكبريت الذي يشعل بارود الروح .. فحذار من الدموع التي تبلل أو ترطب كبريت النفس .. فالكبريت هو الذي يجعل البارود خطيرا ولولاه لكان البارود بليدا كالرمل أو يعجن كالطحين ..أرواحنا بارود وأجسامنا هي البواريد ..وغضبنا هو الكبريت..
لكن أحد أهم الأسلحة الفتاكة التي ينشرها هذه الأيام (أصدقاء سورية) وعن عمد هو سلاح جديد .. يشبه الباتريوت على حدودنا لكنه أخطر من الباتريوت بكثير .. انه باتريوت نفسي .. سلاح فقدان الأمل والتيئيس .. وسكب الماء على البارود والكبريت كي تموت الأرواح فينا .. فالحرب النفسية تقف اليوم على منصة جديدة وتفتح علب العبوات الناسفة الجديدة لأعصابنا من الغازات المسيلة للدموع .. لم تعد المرحلة الآن هي اسقاط النظام ولااسقاط المعارضة .. بل اسقاط أهم شيء وهو الثقة بالمستقبل السوري والبدء بمرحلة الانكفاء على المواجع ..والاعتقاد بكذبة اسمها “نهاية سورية”..
وقد لاحظت فجأة كيف أسقطت علينا طائرات (أصدقاء سورية) عبر مواقعها وصحفها وفضائياتها وكتابها منشورات وقصاصات غريبة ليست تحرض على النظام ولا على المعارضة بل على المستقبل والأمل وتسابق المصرحون الى اعادة وتكرار عبارة (نهاية سورية ودمارها).. وتشبه هذه القصاصات قصاصات الطيران الاسرائيلي التي كانت تلقى على بيروت عام 1982 وهي تقول: ايها المقاتل .. المعركة انتهت ولاأمل بالنجاة .. فكر في أن تعود الى أهلك وذويك سالما .. اذا، سلم سلاحك لجيش الدفاع الاسرائيلي” ..
وعنوان هذه القصاصات اليوم (لقد انتهت سورية) وتقوم ماكينات النشر بالتوزيع على أقصى مدى .. مجلة الايكونوميست البريطانية (والساسة البريطانيون ووزير خارجيتهم ويليام هيغ تحديدا وهو من اصدقاء الشعب السوري وصديق معاذ الخطيب خاصة أن هيغ هو رئيس جمعية الصداقة البريطانية الاسرائيلية في حزب المحافظين البريطاني) .. هذه المجلة نشرت صورة لاسم سورية مكتوبا باللغة الانكليزية ومثبت عليه عبارة (موت بلد).. وبدأ الكثيرون يتداولون العبارة كأنها اصحاح من الاصحاحات المقدسة أو أنها آية جديدة من آيات سورة البقرة .. حتى الصحفي الطبال عبد الباري عطوان (صاحب صحيفة أورشليم) حمل اللوحة (الايكونوميستية) رقص فيها رقصة الموت الحزين وسار في الجنازة وبدأ يتقبل التعازي فينا جميعا .. وارتدى فيها لباس الحداد وكلف نفسه وحمل لنا اكليلا من الورود .. بل وانهمك في مقال حقير في حفر القبر لمواراة سورية الثرى .. لدفنها تحت تراب العمليات الانتحارية .. وكتب مقالا “اسرائيليا” عن نهاية سورية كان عبارة عن خلطة من الكذب والزنا والافتراء ودموع التماسيح ..وتحدانا أن نعترض على الجنازة التي أعلنها ..
يقوم الآن القائمون على تمرير ربيع سورية باستثمار كل شيء لاعلان موتها وصارت احدى غايات تفجيرات شارع الثورة معروفة فلا هي موجهة للسفارة الروسية ولاهي بسبب قرب فرع حزب البعث لأن الموقع الذي تفجر هو نقطة كثيفة الحركة المدنية وبعيد بمقاييس الاستهداف عن السفارة الروسية وغيره من المواقع الحساسة .. لأن المنطق هو أن من يفجر سيارة لايذاء السفارة أو فرع الحزب سيأتي بها من جهة ساحة الميسات ويفجرها بالضبط على جدار السفارة قبل الانعطاف نحو شارع الثورة .. أو يكمل طريقه لينعطف نحو مقر فرع الحزب.. أما الانتحاري فقد فضل السير بالاتجاه المعاكس والابتعاد عن الأهداف الثمينة..لكن بالفعل الهدف الثمين كان قلوب السوريين لاماتة الحس بأن سورية ستبقى على قيد الحياة أو أن هناك أملا بشفائها ..وهي تحتضر ..
يستثمر المتآمرون التفجير وبقية الأحداث المتوالية لنشر اليأس بين الناس جميعا معارضين وموالين ..انها مرحلة تحطيم الجميع .. فالمعارضون المصابون بالعمى ستقول لهم بصائرهم الغائبة عن الوعي بأن البلاد ماتت وتحطمت فلاداعي للتوقف عن الحرب خشية على الثمالة الباقية منها .. اننا نحارب اليوم فوق جثة ميتة ولن تموت أكثر من استمرار عنفنا وصراعنا .. ولم تعد هناك فائدة من العودة الى الوراء..
والموالون سيقولون في قلوبهم الكسيرة .. لقد انتهت البلاد فلا داعي للموت في سبيل جسد تحطم لم يعد له مستقبل الا القبر .. فيزداد المهاجرون واللامبالون والقابعون في اكتئاب البيوت..
الغريب أن تفجيرا واحدا قد تم تحويله واستثماره دون غيره بشكل رهيب كما لو كان هيروشيما .. وان معارك الحارات وبعض الأحياء والقرى صارت في المقاييس مثل معركة العلمين التي حددت مصير الحرب العالمية الثانية في شمال افريقيا .. وأن سيطرة مسلحين على حواجز عسكرية صارت بمثابة الانزال الالماني على جزيرة كريت .. بل ان داريا صارت بمنزلة برلين في الحرب العالمية الثانية .. والغريب أيضا هو هذا القفز بأرقام الضحايا الى قرابة مئة ألف بناء على أرقام وهمية بلا أي احصاء مستقل أو علمي .. وذلك مقصود لاستعماله للدلالة على أن البلد انتهى .. فارتفاع رقم الضحايا يعكس اقتراب البلد من النهاية الكارثية .. وأتحدى أي جهة تستطيع أن تقدم تقريرا شفافا عن توزع الضحايا واللاجئين وأرقامهم الوثيقة لأن الاعلام والدعاية السوداء هما من يتولى النشر والتوزيع وهناك مبالغة متعمدة في كل شيء وتجاهل لحقيقة أن كثيرين من الضحايا ليسوا سوريين .. على نفس مبدأ تصنيع عدد ضحايا الهولوكوست فقد ذكرت المصادر والوثائق الغربية الدقيقة أن الوكالة اليهودية لاتعرف عدد قتلى المحرقة بالضبط لكنها قدمت تصورها واستنتجت الرقم من احصاء يهود أوروبة قبل الحرب وبعدها فكان الفرق 6 ملايين دون النظر بعدد المهاجرين والمغادرين لأوروبة ولعدد الموتى في الأوبئة التي اجتاحت مدن الحرب أو حتى القتلى في أعمال قتالية .. وحسب تلك الاحصائية لم يمت يهودي واحد ميتة ربه .. ولا في حادث سير ..ولافي مرض عضال ..الجميع مات في أوشفيتز حرقا..!!..
وأنا لاأستطيع معرفة الأرقام الحقيقية لضحايا الأزمة السورية لكن دراستي ومتابعتي الحثيثة لطريقة الاعلان عن الارقام يدل على أن المقصود هو تضخيم كل شيء وكأن القاعدة في صناعة الأرقام هي رفعها بنسبة ثابتة بمعدل خمسة آلاف كل أربعة أسابيع .. كما أن تضخيم أعداد اللاجئين لأسباب عديدة .. فلكل غايته .. لتركيا غاية غير غاية لبنان .. وللأردن غايته المختلفة عن غاية تركيا.. والجميع دخل في المزاد العلني بالارقام لابتزاز المجتمع الدولي والمانحين .. ولاعطاء انطباع عن حجم الكارثة وهذا يفيد في تجييش العالم على الدولة السورية .. فاذا كان هناك مشروع تدخل سيبدو التحضير له مبررا بابراز أعداد الضحايا واللاجئين في أي يوم .. وربما ليس سرا أن من ضمن الضحايا بضعة آلاف من جنسيات غير سورية (تتراوح التقديرات بين 7 و 10 آلاف مقاتل أجنبي سقطوا مثل الذباب) .. وبالذات في حلب وادلب ..ونقل لي من مصادر وثيقة الصلة عن ضباط وجنود سوريين صار عدد ماقتلوه من مرتزقة ومسلحين كبيرا وبعضهم تجاوز عدد المسلحين الذين أرداهم قتلى بسلاحه المئة مسلح.. وبعض الضباط صاروا متخصصين في اصطياد المقاتلين الأجانب بالذات .. وأحدهم ضابط حلبي (ع . م) شاب تفكر القيادة في تكريمه .. فقد احتفلت قطعته المحاربة منذ أيام باصطياد المقاتل “الأجنبي” رقم 500 خلال ال 6 أشهر الماضية .. ويطلق عليه الضباط من الوحدات الأخرى اسم (تيرمينيتور) لأنه يشبه الممثل الهوليوودي أرنولد شوارزينغر في فيلمه الشهير “تيرمينيتور” كما أن تخصص وحدته في اصطياد المقاتلين الأجانب جعله الأكثر شهرة كقدر ينهي حياتهم .. وقد قام هذا الضابط الحلبي المقدام والذي جرح مرتين بجمع تذكارات من معاركه حيث جمع مزقا من ثياب كل قتيل أجنبي (طرف أكمام السترة من كل مقاتل صريع) وكتب عليها اسم القتيل ان توفر أو جنسيته ان لم يعرف اسمه .. ويقول بأنه سيهديها الى قاعة من قاعات قلعة حلب لتكون جزءا من عرض على السياح في قادمات الزمن .. وهناك تنافس بين المقاتلين في حلب وادلب لاصطياد المقاتلين غير السوريين من أفغان وليبيين وتونسيين وسعوديين وغيرهم .. ويتم التعرف على جنسيات هؤلاء القتلة من زملائهم الأسرى غالبا..
الصورة اذا ليست بهذه القتامة والقسوة .. نعم سورية اليوم ليست مثل سورية الأمس من حيث الاقتصاد والسياحة والنشاط السكاني والأمان ولكن هذه حالة حرب .. و تجارب الشعوب لاتقول أن الشعوب الحية تموت في تجربة عابرة مهما كانت قاسية .. لن نستحضر النموذج التقليدي الالماني والياباني لكن التجربة الايرانية قريبة جدا ومشابهة جدا في الزمان والمكان والظروف .. وايران بلد تم تدميره بالكامل بحصار منذ عام 1979 وحتى الآن .. وتم تحطيمه في حرب 8 سنوات استعمل فيها حتى السلاح الكيماوي وحرب المدن .. فكلنا يذكر ماكان يعرف في الحرب العراقية الايرانية بمصطلح (حرب المدن) حيث كان الطرفان المتحاربان يقومان بقصف مدن عشوائي متبادل حتى الانهاك .. ووضع العرب مالا لايحصى لضرب كل البنية التحتية لايران ولتغذية الحرب الى مالانهاية وقصفت محطات النفط في عبادان وجزيرة “خرج” حتى تحولت الى رماد .. وكان النادي من مجموعة أصدقاء سورية الآن هو نفسه الذي يغذي الحرب على ايران دون أي فرق وبحضور نفس الأعضاء والاصدقاء في الحفلة التنكرية ذاتها .. أي دول الخليج نفسها والغرب وأميريكا واسرائيل .. وبدل تركيا كان العراق في حرب مباشرة .. أي كان هناك مايسمى (أصدقاء الشعب الايراني) وهم نفس الجوقة في نفس الوقت (أصدقاء الشعب العراقي) ولكن التسمية لم تكن ناضجة كما الآن لأن أزمة سورية تحتاج كذبا أكبر فلدينا جوقة (أصدقاء الشعب السوري) التي صادقت الشعبين الايراني والعراقي سابقا .. وبسبب هذه الجوقة فقد اتسعت مقبرة الشهداء الشهيرة في طهران (بهشتي زهراء) لتصبح أكبر مقبرة في العالم وتضم أكثر من 500,000 قبر لضحايا الحرب ..
ولكن بعد أقل من عقدين فقط نهضت ايران ولم تنتهي ولم تمت وعلمتها أزمتها والصيام الطويل فن القيام والنهوض.. وصارت ايران من أقوى الدول رغما عن كل أصدقاء الشعب الايراني .. وهي تنافس في كل الاتجاهات الاقتصادية والعلمية والعسكرية والموارد البشرية والتقنية ..وهذه البلد التي أنهكت وانتهت يوما تتحضر لغزو الفضاء قريبا .. فيما كل أصدقاء الشعب الايراني من العرب تحديدا صاروا دولا محتلة من السعودية الى دول الخليج الى العراق نفسه .. بل ويقف توني بلير نفسه عندما كان رئيسا لوزراء بريطانيا متزلفا لايران ليصف الشعب الايراني بأنه “شعب عظيم وصاحب حضارة عظيمة” .. ولكنه لم يعبأ بالعرب جميعا رغم كل صداقته بهم ولم يصفهم يوما على أنهم شعب عظيم من أمة لها تاريخ عظيم .. وثقوا بي ان قلت لكم بأن هذه العبارة عن عظمة العرب لن يقولها أي رئيس وزراء بريطاني طالما أن الغرب يحتل نصف العالم العربي ويدير نصفه الآخر بالريموت كونترول ..وطالما لدى العرب نماذج الأمراء والمفكرين العرب من حمد ونبيل العربي ومحمد مرسي والقرضاوي والجاسوس عزمي بشارة ..علاوة على ذلك فبرغم كل طوفان المؤمنين واللحى في العالم العربي فان البريطانيين أعادوا رسم سايكس بيكو الثانية دون أن يخسروا جنديا واحدا .. ومات في تنفيذ المشروع حتى الآن عشرات آلاف الشباب العرب من شمال افريقيا الى الخليج وسورية وهم ينتحرون كالمجانين على خطوط سايكس بيكو الثانية ..
ان أمة تدفع شبابها ليقتلوا بعضهم لاتستحق أن يعتني رئيس وزراء غربي واحد بمحاباتها .. وان أمة يقول أكبر ثوارها في أكبر بلدانها لعدوه القديم (ياصديقي العظيم بيريز) لاتستحق أن تمنح درجة العظمة ..لأنها أمة تمنح العظمة لعدوها وتنازلت عن حقها له ..
الخسارة السورية من الناحية الاقتصادية كبيرة لاشك ولكن من ينظر الى الامر من وجهة نظر اقتصادية لايضع في الحسبان ان الاقتصادات بعد الحروب عموما سريعة التعافي .. وربما تكون مشاريع اعادة البناء سببا في اعادة توزيع الطاقة الاقتصادية بشكل حيوي .. ولكن الخزان البشري هو الأهم .. والأزمة أعادت انتاج الشخصية الوطنية واعادت تسوية الاولويات في العمل الوطني .. وأعادت الأزمة انتاج الشخصية السورية المبدعة والخلاقة .. وفوجئ السوريون أنفسهم بحجم الكنوز التي يملكونها رغم الاهتراء في بعض أثاث بيتهم .. وهذه الكنوز المخبأة يجب تعزيز قوتها مثل الكنز الذي فاجأ الجميع وتمثل في صلابة القوات المسلحة والجيش العقائدي .. واكتشف السوريون أن هناك حاجة ملحة للتعامل مع القضية الدينية بعقلانية وبلا عواطف واعادة توجيهها كما كانت طاقة اضافية لاسلبية .. وأن الريف الثري بطاقته البشرية لايجب استثناؤه في عمليات التنمية .. وأن الخطط الاقتصادية القادمة يجب أن تحل هذه المعادلة (توازن الريف والمدينة انمائيا) .. ودفعت الأزمة الى الواجهة حقائق كانت غائبة عن أهمية الأمن الوطني وأهمية قوة ثقافة التعايش وأن كل أوهام الديمقراطية لاتتفوق على حقيقة أن الاستقرار الاجتماعي أهم من مهرجانات صندوق الانتخاب والرقص حولها بالرز والسكر .. مهما حاول عشاق الديمقراطية النيل من هذه الحقيقة وتسفيه هذا الرأي ..والأهم أن التجربة قد كشفت عن اتجاهات جديدة وخيارات أخرى ومعادلات جديدة في العلاقات الدولية كانت غائبة تماما ..هي التي ستشكل المحرك للرحلة القادمة التي انطلقت صفاراتها..والتي ستشكل مايشبه القيام لأمة صلبتها الأمم..
سورية لاتموت رغم أن الكثيرين يسيرون في الجنازة ويذرفون الدموع كما السائرون في الجنازات لايعرفون من المتوفى ولامن في النعش .. وانجذب الى الموكب الجنائزي سوريون محبون لبلدهم .. ولكن المفجع هو ان التابوت فارغ ..وأن النعوة لاتمت الى الحقيقة الأزلية .. لأن التاريخ لم يسر خطوة واحدة ولم يرضع الا من ثدي سورية منذ أن نزل من بطن أمه ..تخيلوا ماذا يبقى من الشرق ان ماتت سورية .. وبقيت قطر وعمان ولحية محمد مرسي .. هل الشرق مجنون كي يقتل أمه .. وتبقى في الشرق قطر ..وجدة .. ودبي ..وكويت ..مدن محتلة ..من العمال الاسيويين ومن جنود المارينز..
لن أكرر كلمة لأحد أصدقائي المعروفين بشوفينيتهم الوطنية اذ يقول لي دوما بانفعال وحماس: الله ليس مجنونا ليميت سورية .. يموت الله ولاتموت سورية .. ولايهمني ان أغضبت المؤمنين والمؤمنات .. بل أعلم أنني بذلك أرضيت الله ولم أغضبه..بل سأغضبه ان لم أقلها” ..
لكنني سأقول للسائرين في الجنازات: شكر الله سعيكم ياسادة ..لاتلبسوا ثيابكم السوداء ولاتعلنوا الحداد .. وخذوا على أكتافكم أكاليل الورود التي تجشمتم عناء حملها الينا .. ولاتسفكوا الدموع .. غادروا المقابر من بعد اذنكم .. وانصرفوا الى حفلات تنصيب الدمى والمومياءات فأنتم أحوج الآن للترفيه .. وتذكروا: يموت الزمان .. ولاتموت سورية ..
هذا بلد لايموت الا عندما يموت البحر الابيض المتوسط وترتمي جثته بشعره الأبيض على أكتاف شمال افريقيا .. وعندما يجف حلق البحر الأحمر ويصبح جثمانه جسرا بين افريقيا وآسيا .. وعندما يتبخر ماء البحر الأسود بالغليان .. ثلاثة بحار اشتقت لونها من لون العلم السوري فقط وليس من ألوان علم دولة قطر ولاعباءة موزة ولا أنهار العبرانيين الزرقاء .. ألوان علمنا لاتموت كالبحار التي لاتموت .. أسود .. وأبيض ..وأحمر ..وكل الأعلام تقلدنا ..ومن لم يعجبه فليبلط البحار الثلاثة ..والمحيط الاطلسي ..
نارام سرجون