السفير : “ائتلاف” معاذ الخطيب يضحّي بدوره سياسياً .. إلغاء فكرة الحوار السوري .. من أجل الحافظ على البقاء
“الائتلاف الوطني السوري” لن يتحدث إلى أحد من الروس أو الأميركيين أو حتى إلى “أصدقاء الشعب السوري” الذين يجتمعون في روما الخميس المقبل في روما .
ضرورة التعايش بين كتل “الائتلاف الوطني” قد تكون دفعت رئيسه أحمد معاذ الخطيب للرضوخ إلى مطالب جناح الصقور في “الائتلاف” ، بإعلانه مقاطعة اجتماع “أصدقاء سوريا” ، وهم تجمع الرعاة الدوليين والإقليميين الذين أشرفوا على استيلاده في الدوحة ، وإلغاء زيارة موسكو التي لم تكن قد حددت نهائيا بعد ، والضرورية لتطوير مبادرته التفاوضية مع النظام وتعزيزها .
وذهب “الائتلاف” في نكوصه عن أي حوار أو لقاء دولي إلى حد رد دعوة مساعد وزير الخارجية الأميركي وليام بيرنز رئيس “الائتلاف” لزيارة واشنطن ، التي ستتوج رمزيا زعامته لكتل من ائتلاف هجين وصعب القياد ، لا يجمع بينه سوى هدف إسقاط النظام .
وأعلن مسؤول رفيع المستوى في الإدارة الأميركية ، أمس ، أن واشنطن تحاول إقناع “الائتلاف” بعدم مقاطعة مؤتمر “أصدقاء سوريا” في روما في 28 شباط الحالي ، والذي سيشارك فيه وزير الخارجية الأميركي جون كيري .
والصقور جناح مؤلف من جماعة الإخوان المسلمين ، ورئيس “المجلس الوطني” جورج صبرا ، ووجوه ليبرالية وشخصيات مستقلة ، تشكل واجهات ، يحضر من خلفها “الإخوان” في “الائتلاف الوطني” ، وتمنحهم عضوية 26 ائتلافيا معارضا للخطيب ، ويمكن ضم كتلة الـ15 لمصطفى الصباغ ، الأمين العام ، ورجل القطريين الأول في “الائتلاف”.
وظاهريا علل بيان اجتماع الخميس والجمعة الماضيين في القاهرة مقاطعة “أصدقاء سوريا” بلا جدوى الاجتماعات التي لم تقدم شيئا ملموسا للشعب السوري . أما صد موسكو فنتيجة طبيعية لاستمرارها في تسليح النظام ، وما يرتكبه من جرائم بحق الشعب السوري بتلك الأسلحة .
وقـدم البيان خطوة الاستنكاف ، بشكل أوسع ، كخطوة احتجاجية على صمت المجتمع الدولي على ما يصيب الشعب السوري من كوارث إنسانية ، خصوصا بعد لجوء النظام في الأسابيع الأخيرة إلى استخدام صواريخ “السكود” في قصف الأحياء في شرق حلب وإيقاعها عشرات القتلى بين المدنيين .
وقالت مصادر سورية معارضة إن اجتماع الخميس كاد يتحول إلى اجتماع لترحيل الخطيب من زعامة “الائتلاف” ، بعد انتقادات شديدة تعرضت لها مبادرته التفاوضية مع النظام .
وكان احتواء مبادرة الخطيب ، من قبل الصقور ، قد شهد مرحلة أولى قبل 10 أيام ، عندما أصدر اجتماع القاهرة خطة من ثماني نقاط ، شكلت ما أسماه بيان “الائتلاف” بمحددات الحل السياسي .
ووجه فيها معارضو الخطيب ضربة أولى ليس لمبادرة الخطيب التفاوضية فحسب، وإنما لقدرته من موقع الرئاسة على اتخاذ أي مبادرة لا يجمع عليها “الائتلاف”، أو التعبير عن تيار أكثري عابر لكل إطارات المعارضة السورية السياسية وللرأي العام وحتى قاعدة النظام، أو حتى التقاط لحظة التقارب الروسي الأميركي نحو تسوية للبناء عليها، وإسقاط الخيار العسكري من الحسبان.
ولم يعرض البيان تصوراً لأي حل سياسي، ولكنه قيّده قبل التحرك نحو أي مفاوضات، بالمطالبة بإسقاط النظام وأركانه، وتحريم التفاوض معهم قبل انطلاق أي عملية سياسية، بما يتناقض كليا مع فحوى المبادرة التي طرحها الخطيب والتي اكتفى فيها بمطالب إنسانية، قابلة للتنفيذ، لم يلتقطها النظام السوري، لتعزيز فرص الحوار، مدركاً أن أي حوار، في النهاية، سيكون على ترحيله.
وتكفل هجوم صبرا والإخوان المسلمين وبعض الوجوه الليبرالية، بتوفير مشقة الهجوم على المبادرة من قبل النظام، باتهام الخطيب منذ اللحظة الأولى لولادته مبادرته، بأنه يخرج عن ميثاق “الائتلاف” ونصه على رفض أي حوار مع النظام خاصة.
ويقول معارض، مقرب من الخطيب، إن الإقدام على المقاطعة المثلثة، للروس والأميركيين و”الأصدقاء”، يعبر أولا عن تباين شديد في صفوف “الائتلاف” بين الأقلية التي يقودها الخطيب والتي تكاد تقتصر على مجموعة صغيرة تضم رياض سيف ووليد البني، وبين “الإخوان” في المعارضة داخل “الائتلاف”، وسيطرتهم على مركز القرار، وإصرارهم على التمسك بالخيار العسكري مهما كلف الثمن.
كما يعبر ذلك عن تخبط “الائتلاف”، وتعطل الفرز داخله بين حمائمه وصقوره، بسبب تمسك “الإخوان” بالائتلاف كواجهة للعمل الخارجي، حيث يتجاوز تمثيلهم في لجانه، حجمهم الفعلي في الداخل شعبيا وسياسيا، وتعويضا عن ضعف حضورهم الداخلي، بسبب عمليات القمع والمطاردة الشديدة التي تعرضوا لها في العقود الأربعة الماضية.
ويقول معارض سوري إن مسؤولين من “الإخوان المسلمين” اتصلوا بواشنطن ولندن لشرح أن قرار المقاطعة لن يغير شيئا في العلاقات مع الحليفين، ولكن القرار لا بد منه “لاحتواء الأضرار التي تسببت بها مبادرة الخطيب، في شعبية الائتلاف في الداخل السوري”.
وتحدث مسؤول معارض إلى وزارة الخارجية البريطانية لطمأنتها أن الخيار العسكري لا يزال هو المرجح أكثر من أي وقت آخر، وهو خيار باتت تدعمه كتلة أوروبية، تقودها فرنسا وبريطانيا، وتعتقد أن تسليح المعارضة لا يتضارب مع العملية السياسية، وإنما يساعد على إطلاقها وتحسين ميزان القوى لمصلحة المعارضة السورية.
ودعت وزارة الخارجية البريطانية، في بيان، “الائتلاف” إلى التراجع عن قراره مقاطعة اجتماع “أصدقاء سوريا”. ويتجه “الائتلاف” إلى إعادة البحث بتشكيل حكومة لإدارة المناطق التي تسيطر عليها المعارضة.
وأوحى، في بيانه، بأن القرار بتشكيلها قد اتخذ وانه سيعكف على دراسة الأسماء المرشحة إليها بدءا من الثاني من آذار المقبل.
ولكن البيان لم يحدد طبيعة الحكومة، وتجاهل تسميتها بالمؤقتة، بعد أن أخفق منذ أشهر في التوصل إلى صيغة لتشكيلها، بسبب عدم وجود موافقة دولية عليها حتى الآن، خصوصا من واشنطن، فضلا عن معارضة “الإخوان” لقيامها حاليا، خوفا من تحولها إلى “حكومة انتقالية”، واضطرارهم إلى تمثيل سياسي فيها يقل عما يمكن أن يحصلوا عليه في ختام حسم عســكري، لا يمكن للقوى المدنية أو الليــبرالية الثورية أن تجاريــهم في المطالبة بعدها بحصص تفـوق عن حصتهم.
فرغم المئة مليون دولار التي قدمتها قطر، الأسبوع الماضي، بعد زيارة سفير “الائتلاف” في الدوحة نزار الحراكي لولي عهد قطر تمام بن حمد، إلا أن أي محاولة لفرض إدارة حكومية مهما كان إطارها في الشمال السوري، تحتاج كما قال رياض سيف إلى ميزانية أولية لا تقل عن نصف مليار دولار، فيما تحدث الخطيب عن 3 مليارات دولار، ويتطلب ذلك التزام الحلفاء صرف ميزانية دولة حقيقية في الشمال السوري، من دون تحديد المبالغ المطلوبة مسبقا، خصوصا أن الصراع مرشح لكي يستمر زمنا طويلا.
ويقول معارض سوري إن “الائتلاف” لم يقل حكومة مؤقتة ليتلافى الخلافات بين أجنحته على تقاسم المناصب، ويتجه إلى نوع من الإدارة المحلية في حده الأقصى.
كما أن إعلان حكومة سيشكل امتحانا لسلطته في مواجهة الجماعات الجهادية السلفية، والألوية التي تدين بالولاء لجماعة الإخوان المسلمين.
وسيكشف إعلان الحكومة الفوضى التي تعم صفوف “الجيش الحر”، وتمزق الجماعات المقاتلة إلى مئات المجموعات، كما قدرها رئيس مكتب الأخــضر الإبراهيمي في دمشق مختار لماني، كما ستكشف عجز “الائتلاف” عن الامرة عليها أو توحيدها، باعتبار أن أكثرها يتبع مصادر تمــويله العربية والتركية خاصة ويخضع لإمرتها.
إلى ذلك، ذكرت وكالة الأنباء الإيرانية (ارنا) إن وزير الخارجية السوري وليد المعلم سيزور طهران اليوم، حيث سيلتقي نظيره الإيراني علي أكبر صالحي، قبيل توجهه إلى موسكو للقاء نظيره الروسي سيرغي لافروف.
وأشارت إلى أن المعلم سيعود إلى العاصمة الإيرانية بعد ذلك. ونفى مصدر إعلامي سوري، في تصريح لوكالة الأنباء السورية (سانا) “ما تناقلته بعض وسائل الإعلام حول لقاء سري جمع بين ممثل عن الرئيس السوري بشار الأسد وأي طرف من أطراف المعارضة في الخارج”.
وكانت مصادر في “الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية” قد نفت أن يكون رئيس “الائتلاف” أحمد معاذ الخطيب اجتمع سرا برجل الأعمال السوريّ محمد حمشو بصفته ممثلاً عن الأسد.
سيريان تلغراف