الحرب على سوريا .. نقاط على الحروف .. بقلم احمد الحباسي
يتساءل الكثيرون لماذا لم تنته الحرب على سوريا و لماذا اختفى الأخضر الإبراهيمي تماما عن مشهد الأحداث و ما مصير دعوة معاذ الخطيب للحوار و لماذا أطلقت هذه الدعوة من الأساس و لماذا يطلق الرجل هذه الدعوة بشروط يعرف مسبقا أنه مرفوضة بل لماذا قدم الخطيب شروطا للتفاوض و هو لا يملك أوراقا مهمة تتيح لها فرض الشروط للتفاوض.
أولا هذه الحرب لن تنته كما يتصور البعض في القريب العاجل و لا في المدى البعيد لأنها حرب ذات أبعاد إستراتيجية و مثل هذه الحروب لا تخضع للمقاييس المعتادة باعتبارها لعبة بلا حكم يوقفها و يعلن نهاية المباراة و لعبة مفتوحة بين طرفين متضادين لن يقبلا بنهاية اللعبة إلا بانتصار ساحق من هذا الطرف أو ذاك بمعنى أن كل هم أصدقاء سوريا هو تدمير بنيتها التحتية و إنهاك اقتصادها و تعطيل مسارها الحضاري في كل المجالات و إعطاء الوقت للوقت لمزيد تنفيذ هذا المشروع طالما كانت الأيادي التي تقوم بهذا العمل المشين هي أيــاد عربية متصهينة و المال الذي تستحقه هذه ” اليد العاملة” هو مال خليجي في حين أن سوريا لن تقبل بوقف لهذه الحرب إلا بشروط المنتصر.
لا مفر من التذكير بأن ما تشهده سوريا هو حرب متعددة الأبعاد و الأطراف و الأسباب و النتائج و التوقعات و لا مفر من القول أن هذه الحرب التي تختلف عن الحروب الكلاسيكية ليست حربا يمكن الانتصار فيها بسهولة لأي طرف من الطرفين و لذلك تعقدت المسألة مع الوقت بالنسبة للطرفين و شاهدنا كثيرا من التعثر في الأداء من هذا الجانب و من ذاك ولان النظام يملك العناصر اللازمة لمجاراة الأزمة و الصمود فيها من ولاء المؤسسة العسكرية التي انتظر منها الأعداء أن ترفع صوتها على الشرعية فضلا عن الشرعية الانتخابية للرئيس بشار الأسد و قناعة شعبية بأن هناك مؤامرة تحاك ضد سوريا كدولة ممانعة يضاف أن المثال العراقي قد مكن الوجدان السوري من الاطلاع بدقة متناهية على الأهداف الغربية الصهيونية من التدخل في الشؤون العربية فقد تمكنت سوريا من الصمود رغم الفاتورة الباهظة في حين سقط مخطط العدوان شيئا فشيئا و لم يعد في مقدوره تسويق هذه الكذبة المفضوحة المسماة “ثورة سورية”.
يقال أن الشهية تأتى مع الأكل و لان أعداء سوريا وجدوا سهولة لا متناهية في إسقاط أنظمة ما يسمى بدول الربيع العربي فقد تصوروا عملية إسقاط النظام السوري مجرد نزهة مدفوعة الأجر خليجيا و من يتذكر الزخم الإعلامي الذي صاحب بداية تنفيذ هذه الجريمة الأخلاقية و الإنسانية و السياسية ضد الشعب و النظام السوري و تلك المهلة القصيرة التي حددها العدوان لمغادرة الأسد و ذلك الوعيد بالويل و الثبور و عظائم الأمور إن لم يمتثل بالرحيل قبل تلك المهلة يجد الآن أن صمود سوريا هي معجزة ألاهية واضحة و انجاز خارق لشعب متعود على الانجازات الكبرى و لذلك تجد الأعداء في حيرة كبرى يبحثون عن مخرج لهذه الورطة مع أننا نعرف بداهة أنهم مكرهون على ترك المسرح دون تنفيذ مشروعهم في إسقاط آخر قلعة مناضلة مقاومة لم ترفع الراية البيضاء.
لقد أخرجت هذه الحرب العبثية كل ما في المواطن السوري من تمسك بوحدة تراب سوريا ومن رغبة في الدفاع عنها بتقديم كل التضحيات لأنه تفهم أنها مسألة حياة أو موت و إذا كان لا بد من الموت فالأهون أن تكون بشرف و في ميزان القوى المتصارعة فان من يدافع عن الأرض و العرض لم يسبق له تاريخا أن خسر معركة و بالنتيجة لا يستوي من يقف مع حقه و تاريخه و كرامته مع من يستقوى على وطنه و أهله بالصهاينة و الخيانة و العمالة لدول خليجية رضعت السقوط الأخلاقي مع لبن أمهاتها.
في تاريخ الرجال و كبار الساسة هناك لحظات فارقة يصنعون فيها التاريخ و الخلود في الأذهان و من يتذكر تلك الزيطة و الزمبليطة التي سبقت و صاحبت قدوم الأخضر الإبراهيمي إلى مسرح المؤامرة على سوريا ويقارن ” نتائج ” هذه الزيارات المكوكية المتباعدة منذ ذلك التاريخ إلى الآن سينتهي إلى أن هذا الرجل قد دنس تاريخه المهني الذي اشتبه فيه الكثيرون سابقا و فقد في سوريا ورقة التوت الأخيرة الساترة لعوراته الكثيرة مع أن المطلوب لم يكن مستحيلا و لا صعبا بل مجرد تقويم موضوعي صحيح لما يحدث في سوريا و تسمية المؤامرة عليها باسمها الأخلاقي و السياسي الصحيح و تصويب وجهة الاتهام لمن مول و سلح الإرهابيين و تحميل المسؤولية القانونية لكل من جاء إلى سوريا و داخلها لتنفيذ أجندة ماكرة لا علاقة لها إطلاقا بما يسمى مطالب شعبية سورية سلمية محقة.
الجديد في المسالة السورية دعوة الخطيب للحوار بشروط أهمها إطلاق سراح المعتقلين في ظرف وجيز و تنحى الأسد و تعيين من يتولى أمر التفاوض مع “المعارضة” ممن يرضى عليهم هذا الرجل و من يقفون وراءه و لان العفن الفكري قد بلغ مداه فان المطالبة بإطلاق سراح المعتقلين و في ظرف وجيز هي حالة هذيان ذهني لان هؤلاء المجرمين قد تم حبسهم و هم يستحقون الإعدام على كل حال بسبب “نشاطهم” الإرهابي و لا يجوز للنظام أخلاقيا على الأقل أن يطلق سراحهم أو أن يقبل هذا الشرط تحت أي عنوان إلا إذا كانت المصلحة العليا للوطن تتطلب هذا الأمر أو كانت ورقة ضغط و تفاوض تسهل عملية الحل النهائي للازمة.
أما عن التنحي و تقديم الأستاذ فاروق الشرع كمحاور لهذه المجموعة الإرهابية الصهيونية فقد كانت الإجابة إن لم نقل الصفعة واضحة بأن أكد الرئيس ترشحه للانتخابات القادمة و القبول بإرادة الشعب السوري فقط في تلك العملية الانتخابية أما عن السيد الشرع فمن الظاهر أن النظام لا يريد أن يحرمه من حالة التصوف و الاعتكاف المفاجأة المطولة و يشيله ” للعوزة ” كما يقال بالمصري.
لا بد أن نعترف بأن مجلس تصريف الأعمال الذي يمارس صلاحية رئاسة حكومة سورية في المنفى يتكون من جماعة في مرحلة الحضانة السياسية مكنتهم هذه المؤامرة من فرصة تعلم أبجديات السياسة و قوانين اللعبة السياسية العالمية و لكن من الواضح أن الخطيب و من شاكل لم يقتنع أن بقاءه قريبا من الشاطئ ليس دليلا على أنه بات يجيد السباحة و بالتالي فان طرحه لهذه المبادرة دون مغريات تقدم للنظام هو في حد ذاته نقيصة و دليل معبر عن حالة من الهواية السياسية في ملعب يحتاج إلى محترفين و لا تقام فيه مباريات إلا بين من صقلت الأحداث الكبيرة تجاربهم بحيث أنهم تعلموا أبجديات الحوار و هي تقديم مغريات للطرف الآخر حتى يتقدم إليك خطوة لذلك أزعم أن صديقنا الخطيب لم يفهم لحد الآن أن لغة التهديد ليست لغة سياسية بقدر بما هي صعلكة فكرية سياسية لا تزيد النظام إلا نفورا.
يبدو في مطلق الأحوال أن دعوة الخطيب للحوار لم تأت من فراغ بل هي نتاج طبيعي منتظر لحالة من التخبط و انسداد الأفق تعانى منه جوقة اسطنبول القطرية فضلا عن أن تخوف و تردد بعض الأطراف الغربية في تسليح “المعارضة” مع وجود تغيير في هرم الدبلوماسية الأمريكية و اقتناع أمريكي باستحالة انتزاع مجرد شبه انتصار يخلط الأوراق و يضغط به على النظام لتقديم التنازلات المطلوبة و لذلك نقول أن تواجد الأسطول الروسي و تعزيزه في المواني السورية في هذه اللحظة بالذات هي رسالة واضحة للسيد جون كيري ليبتعد نهائيا عن الحليف السوري و يبحث عن الطريق السياسية المؤدية للحل تحت رعاية الرئيس الأسد و من يريد غير ذلك فعليه أن يشرب من البحر.
سيد الخطيب يلزمك كثير من الدروس لتفهم من هي سوريا و لماذا يقف العالم على أبوابها و لماذا يتدافعون لاسقاطها…
احمد الحباسي | بانوراما الشرق الاوسط