القيادة السوريّة نجحت باللعب على عامل الوقت واستردت أوراقها التي خسرتها
لعبت سوريا على عامل الوقت ونجحت في ادارة أزمتها واستعادت معظم الاوراق التي خسرتها في 15 اذار 2011. وترجم ذلك في بداية تغيير اقليمي ودولي بالنظرة الى الازمة السورية وبدأت تترجم على ارض الواقع عبر استعادة قوات الجيش للمبادرة على الارض في معظم المناطق واعتماد «تكتيكات» جديدة أدت الى خسائر جسيمة في صفوف المسلحين الذين اعترفوا بأنفسهم بخسارة 273 قتيلا امس الاول كانوا متوجهين من ادلب الى حلب، حيث لم تترجم انتصارات الجزيرة العسكرية على الشاشة، فقط بتحولات ميدانية على الارض، واثبتت الوقائع العملية فشل اقتحام حلب وقبلها دمشق حيث عمليات المسلحين للاستعراض فقط عبر التركيز على سقوط قذيفتين قرب قصر تشرين الرئاسي لا يغيران شيئاً في وقائع الامور على الارض، اما التركيز الاعلامي على دخول حزب الله على خط العمليات المباشرة، «فنكتة» لا يصدقها احد من المتابعين للملف السوري خصوصاً ان الجميع يعرف ان ثلث سكان القصير السورية هم من الطائفة الشيعية وهم مواطنون سوريون ومن حق هؤلاء الدفاع عن انفسهم عندما تهاجمهم جحافل المسلحين وتريد قتل عائلاتهم، علماً ان مخابرات الدول الاجنبية العاملة في سوريا تعرف هذه الوقائع وتعرف ايضا قوة جبهة النصرة والقاعدة وان التقارير الديبلوماسية والمخابراتية الدولية من داخل سوريا عن قوة جبهة النصرة والقاعدة وتحويلها سوريا الى ملجأ لهؤلاء، ساهمت في تغيير مواقف الدول الكبيرة من الاحداث في سوريا، وظهرت قطر معزولة في الدرجة الاولى وبعدها تركيا، اما السعودية فموقفها مخالف جدا، وخطوط التواصل عادت بين البلدين سياسيا عبر نجل الملك السعودي الامير عبد العزيز وامنيا عبر اجتماعات في الاردن وتبادل معلومات، وظهر ذلك عبر كلام سعودي جديد ابلغ للسوريين ولم يترجم في الاعلام بعد، يقابله كلام سوري بتجنب اي هجوم على السعودية.
مراقبون يتابعون الملف السوري عن قرب يؤكدون «ان التبدلات تعود بالدرجـة الاولى الى صمود الجيش السوري والدولة السورية بكل مؤسساتها الديبلوماسية والادارية والعسكرية والامنية، وقدرة الرئيس الأسـد على ادارة الازمة والثبات على مواقفه مهـما كلف الامر، ورفض رسائل «الاغراء» التي وصلته من قادة دول تتمنى عليه «التخفيـف من علاقته مع ايران وحزب الله» مقابل ان «يأخذ ما يدهش اخصامه» فرفض واصر على مواقفه لانه ربما كان يدرك الارضية الذي يقف عليها، واصر على التفاوض مع الجميع بشروطه.
هذه المواقف اذهلت الصحافي الاميركي توماس فريدمان ونقلها الى الرئيس اوباما متسائلاً على ماذا يعتمد الاسد وعلى ماذا يراهن في تمسكه بمواقفه الى النهاية، انه فعلا شخص يثير الاعجاب».
ويتابع المراقبون، ان بداية التحولات يمكن رؤيتها بالنقاط الاتية:
1- بداية خلاف تركي قطري من جهة مع السعودية ويتمثل بالنقزة السعودية والخليجية من ظاهرة الاخوان المسلمين.
2- بداية خلاف جذري تركي سعودي حول زعامة العالم الاسلامي، والتقدم التركي أزعج السعودية جداً.
3- تجفيف السعودية دعمها للمسلحين مقابل بداية انفتاح خجول على النظام، وهذا ما اعلنه المسلحون بأنفسهم.
4- الموقف الاردني الداعم للنظام السوري في المحافل العربية والدولية حيث قال الملك عبدالله الثاني للرئيس اوباما «اذا سقط الاسد سيحكم المتطرفون والمعادون لأميركا والديموقراطية العالم العربي وبعد سوريا سيسقط الاردن بأيديهم وكذلك قطاع غزة والضفة.
5- الموقف العراقي والجزائري والسوداني الداعم للنظام كذلك الاماراتي والعماني.
6- سقوط مصر وتونس وليبيا في المشاكل الداخلية، تحديداً مصر، مما اضعف صورة الاخوان المسلمين في العالم الـعربي والاسـلامي واثّر سلباً على الاخوان المسلمين في سوريا.
7- بروز قوى ديموقراطية علمانية واسعة في معظم الدول العربية ولها علاقات بالغرب واميركا تدافع عن الرئيس السوري وبأنه يقاتل التكفيريين واستطاعت تشكيل لوبي داخل اميركا واوروبا.
8- بدأت معركة الانتخابات الفعلية في تركيا والتي ستجري اوائل عام 2014، ومعركة حزب العدالة والتنمية صعبة للغاية، خصوصاً ان مواقف حزب العدالة والتنمية حركت الشعور الديني للعلويين في سوريا، حتى ان بعض القوى السياسية في منطقة الاسكندرون عادت تجاهر بهويتها العربية هذا بالاضافة الى الازمة الكردية.
9- استحقاقات انتخابية في معظم الجمهوريات الاسلامية التي كانت ضمن الاتحاد السوفياتي وتشكل الداعم الاساسي للاخوان المسلمين في العالم العربي.
10- ازمة اقتصادية حادة تعيشها الدول الاوروبية وتترجم بعدم استقرار سياسي، وبالتالي سقوط حكومات، والازمات تتوالى من بلغاريا الى البرتغال واليونان واسبانيا وغيرها.
11- ازمة اقتصادية تعصف بأميركا مقابل توجه اميركي بالانكفاء خارجياً والتركيز داخليا، ولاول مرة في تاريخ اميركا فان اوباما انتخب لبرنامجه الاقتصادي ولقراره بالانسحاب من العراق وافغانستان، كما ان لجوء اوباما لابعاد رموز الحرب من ادارته المجيء بجون كيري لوزارة الخارجية يعني ابتعاد واشنطن عن خيار الحرب.
12- عودة روسيا كلاعب اساسي الى المسرح الدولي، وكذلك الصين وقوة دول «البريكس» الاقتصادية مقابل تراجع في المحور الاخر ووهجه.
13- قوة ايران واستقرارها الداخلي في اخطر منطقة توتر في العالم حيث النفوذ الايراني يتصاعد بقوة لافتة، فيما الرهانات الخارجية على حزب العدالة والتنمية اثبتت انها غير اقعية.
14- تراجع الدور الاقليمي لاسرائيل التي باتت معزولة وغير قادرة على فعل اي شيء.
15- اغراق فرنسا في وحول مالي وافريقيا وبالتالي ابتعادها عن الملف السوري خصوصا ان فرنسا كانت من اكثر المتحمسين للعمل العسكري في سوريا، ويبدو ان روسيا سترد على فرنسا وما ارتكبته في ليبيا عبر تعميق الازمة الفرنسية في مالي، وان الاميركيين ليسوا منزعجين للامر، واميركا تفضل الف اتفاق مع روسيا على اتفاق واحد مع الفرنسيين.
كل هذه العوامل الدولية والاقليمية تصب لمصلحة سوريا، وهذا هو الاساس اما «التطبـيل والتزمير» القطري – التركي عن سقوط مطار وثكنة عسكرية في سوريـا لا يغـير في واقع الامور، لان العالم يعرف ان سوريا تعج بالثكنات العسكرية والمطارات، علماً ان المعارضة لم تتمكن من الحفاظ عليـهما، رغم الحشـود التي قـام بـها المسلحون للاحتفاظ بمنطقـة وتحقـيق خـطوات عسكرية على الارض قبل بدء المفاوضات التي باءت بالفشل كليا، وبالتالي لا امكانية لتغيير الواقـع الميداني الـذي يصـب لمصلـحة النـظام، والنتائج ستظهر قريبا بعد عدة اشهر فقط.
اما لبنان فهو خارج الحسابات الدوليـة كلـياً ان حصلت انتخابات او تأجـلت لان مسـار التطورات فيه مرتبط بما سيحصل في سوريا، وربما التمديد للواقع الحالي يرضي الجميع حاليا بانتظار الوضع السوري وهـذا هو الاساس لاجل غير مسمى. لكن الوقائع اثبتت ان سوريا تجيد قراءة الوقائع الدولية وتراهن على عامل الوقت فهل تنجح رغم انها تجاوزت اخطر الحلقات في ازمتها الاخيرة والحلقات الباقية ليست في خطورة الحلقات الاولى.
رضوان الذيب | البناء