ذي تايمز : نهب متزايد لآثار العصور القديمة في سوريا من المواقع التاريخية والمتاحف
نشرت صحيفة “ذي تايمز” تقريرا اعده مراسلها مارتن فليتشر في بلدة معرة النعمان السورية وساهمت في اعداده رنا صباغ في عمان، تناول الاضرار الجسيمة التي لحقت بمتحف تلك البلدة السورية نتيجة القصف من ناحية وسطو اللصوص على ما خف حمله وغلا ثمنه من الاثريات التي كانت في هذا المتحف وغيره من المواقع الاثرية.
وفي ما يأتي نص المقال:”كانت مدينة معرة النعمان قبل الانتفاضة السورية تزهو بمتحف رائع يضم قصرا أنيقا يعود تاريخه الى القرن السابع عشر ويزخر باعمال الموزاييك الرائعة التي تعود الى العصر البيزنطي.غير ان علماء الاثار يذرفون الدمع على ما آل اليه المتحف اليوم. فالجيش السوري استخدمه قاعده له الى ان دحر الثوار الجيش من المدينة في تشرين الاول (اكتوبر) الماضي.وتراكمت الحجارة في الساحة الكبيرة المركزية في اعقاب اشهر من القصف العنيف. وانتشرت قطع القدور الطينية العتيقة والحجارة المنحوتة المزخرفة.
وقد نجت اعمال الموزاييك الى حد كبير، الا ان العديد منها اصابته الشظايا والكثير تحجبه المخلفات.واكثر ما يثير الاسى ان جميع صناديق العرض تحطمت والمحتويات اختفت. وليس هناك شيء من التماثيل والاشكال والقدور والنقود والزجاجيات البيزنطية والرومانية التي لا تقدر بثمن. ويقول الثوار المقاتلون ان جنود النظام نهبوا تلك الكنوز.
ومع دخول الصراع في سوريا شهره الثالث والعشرين فان هناك ما يثير القلق بشأن التراث الثقافي والاثري الفريد الذي حفظته البلاد لاكثر من اربعة الاف عام. وعلى قائمة “اراضي المدنية” هناك ستة مواقع تراثية عالمية حسب منظمة الـ”يونيسكو”. وتفتخر دمشق وحلب بانهما اقدم المدن التي ظلت مسكونة باهاليها من دون انقطاع في العالم. وليس هناك دولة يمكنها ان تفاخر بمثل هذا التركيز في الموجودات منذ العصر البرونزي وما قبل الاسلام والروماني اليوناني والبيزنطي والعصر الوسيط. اما سوق حلب القديمة التي يعود تاريخ انشائها الى عدة قرون فقد التهمته النيران.
كما ان معظم المدينة القديمة فيها تحولت الى رماد ولحقت بجامع امية الكبير اضرار سواء في الداخل او الخارج، في الوقت الذي تتعارك قوات النظام مع قوات الثوار من قلعتها التي يعود تاريخها الى الف عام.والى الجنوب هناك قلعة الفرسان، وهي اقدم واجمل قلعة صليبية في العالم، وقد اصابتها القذائف. وكذلك الحال بالنسبة الى المباني القديمة في بصرى، حيث توجد بعض اروع المسارح الرومانية في العالم وعدد من المساجد والاديرة القديمة. وتقول هيئة تمارس نشاطا تحت اسم “تراث الاثار السورية في خطر” ان النظام دفع بدباباته واسلحته الثقيلة وسط الاثار الرومانية في تدمر، وظهر الجنود على شريط فيديو التقط العام الماضي وهم يحملون حجارة القبور المنحوتة.وما يثير المزيد من الاهتمام هو ان سرقة الاثار من متاحف سوريا العديدة ومن الاف المواقع الاثرية، مثيلة بعمليات نهب كنوز العراق بعد الغزو الاميركي في العام 2003. فالمصنوعات اليدوية يمكن بيعها بمبالغ كبيرة في اسواق العالم. ويسهل الى حد ما تهريبها بسبب الحدود السورية الطويلة المفتوحة وتدفق 5 الاف لاجئ الان يوميا على الاردن ولبنان وتركيا والعراق.
ويقول الخبراء ان 12 متحفا رئيسيا على الاقل من اصل 36 متحفا في سوريا تعرضت للنهب، وان كانت المديرية العامة للاثار والمتاحف تخالف هذا القول. الا انها مع ذلك تعترف ان “اللصوص اصبحوا اكثر نشاطا في المواقع الاثرية النائية، مستفيدين من الصعوبة في تأمين الحماية وقلة عدد الحراس”.ويصعب تقدير مدى ما تعرض للسرقة نظرا لاستحالة الوصول الى معظم انحاء البلاد، الا ان تلك العمليات آخذة من دون ريب في التصاعد، ويقول مأمون عبد الكريم، رئيس الاثريات في سوريا، ان تلك الاعمال تتراوح بين سرقة القبور الى سرقة الموزاييك كله في أفاميا. وقد احتجزت السلطات الاردنية يوم السبت الفائت 40 قطعة اثرية سورية خلال عملية اقتحام لشقة في مدينة الرمثا، وهي اكبر كمية عثر عليها في الاردن.
ويقول المدير العام المساعد للشؤون الثقافية في منظمة الـ”يونيسكو” فرانسيسكو بندارين ان “بعض الاثار السورية بدأت تظهر في الاسواق”.ويوجه عبد الكريم اللوم الى “المافيا” – الشبكة الاجرامية التي كانت تنشط في سوريا حتى قبل الثورة. فيما قالت مصادر سورية اخرى ان من المحتمل ان يكون افراد في النظام هم الذين انتهزوا الفرصة لاثراء انفسهم.
الا ان مسؤولين في الامم المتحدة والدول الغربية يعتقدون ان المقاتلين الثوار يبيعون القطع الاثرية المسروقة لتمويل عملياتهم القتالية.ويبدو ان واحداً من الثوار السوريين يخضع للعلاج الطبي في الاردن يؤكد ذلك.
فهو يقول ان مقاتلين من زملائه يسرقون المواد التي يسهل نقلها من القبور وحفريات الاثار.وقال ان “بعض زملائي من الذين جاءوا الى هنا احضروا معهم عملات فضية وتماثيل صغيرة لبيعها مقابل بضعة الاف دولار.
كما يسهل اخراج القطع الاهم مثل رؤوس التماثيل البيزنطية والابواب الرومانية ورؤوس الاعمدة اليونانية من المناطق الحدودية التي تخضع لسيطرة الثوار في تركيا والعراق ولبنان”.وكلما طال امد القتال كلما تحولت عمليات النهب الى الاسوأ. وقد صرح نايف الفايز، وزير السياحة والاثار الاردني، لصحيفة “واشنطن بوست” بانه “في كل مكان يكون هناك قصور في الامن، تكون المواقع الاثرية من اوائل الضحايا، وهو ما بدأنا نشاهده في سوريا ونتوقع ان نشهده على نطاق اوسع كثيرا”.
سيريان تلغراف