من السادات إلى حمد .. عمالة حتى النخاع .. بقلم احمد الحباسي
بعد أن كان شعار ” لا صوت يعلو على صوت المعركة” هو شعار العرب جاء الرئيس السادات بشعار ” لا صوت يعلو على صوت كامب ديفيد” و حينها تفنن خبراء صنع الوهم ليجعلوا من حرب أكتوبر 1973 بكل إخفاقاتها و ما حف بها من أخطاء إستراتيجية نشرها على الملأ الفريق سعد الدين الشاذلي في مذكراته الحرب التي أتت ببذرة السلام بين العرب و الصهاينة و بأن تلك الحرب هي الحرب الأخيرة و بأن الحقوق العربية قد عادت إلى أصحابها أو تكاد و بان القائد ” المؤمن” قد فتح باب السلام على مصراعيه بين الغاصب و المغتصب- بفتح ص – .
من عايش تلك الفترة القاتمة كان يدرك أن عصر الانفتاح الذي جاء بمجرد إمضاء اتفاقية كامب ديفيد و دخلت معه مصر عصرها ” الذهبي” الذي أنتج فيما بعد شلة أحمد عز المتاجرة بدماء الغلابة و برغيف عيش المواطن المصري ليس الربيع المصري كما سوقت له كل الطبول الإعلامية المنافقة و بعض محطاتها في الخليج و لندن بل بداية خريف مقفر موحش و بداية نفق مظلم لن تخرج منه مصر إلا بعد أن تفقد هيبتها السياسية و قدرتها المعنوية و كثيرا من تأثيـــرها الديبلوماسى فــي المحافـل الدولية و خاصة في محيطها الإقليمي و الإفريقي.
في منطقة يولد تاريخ الأحداث و الأشخاص مزورا و يكتب فيها التاريخ بأيادي ملطخة بالدماء و بأقلام آسنة ملوثة بالنفاق يصعب الحكم بموضوعية كاملة على “خريف” السادات كما جاء بكتب محمد حسنين هيكل ” خريف الغضب” و يندر أن نجد مقالا موضوعيا محتكما للوقائع الثابتة و لكن هذا الأمر لا يعفينا من الاشتباه في تلك المرحلة التي مثلت فترة مفصلية في تاريخ الصراع العربي الصهيوني و الانتهاء إلى أن الرئيس السادات قد مارس كثيرا من الأنانية و ابتعد بموقفه الأحادي الجانب عن الإجماع العربي الذي نطق به مؤتمر قمة بغداد بل لنقل بصراحة تامة أن خيار السلام الذي ذهب إليه الرئيس الراحل لم يكن خيارا مصريا بل خيارا دفعت إليه بعض الأطراف الدولية دفعا لتخرج مصر من دائرة الصراع العربي الإسرائيلي و هنا نتساءل عن كل تلك المعلومات المتواترة و التسريبات الصحفية المتعددة التي تحدثت عن عمالة الرجل إلى وكالة المخابرات المركزية الأمريكية.
مسألة العلاقة الرابطة بين المخابرات الأمريكية و السادات لم تكن مزحة بليدة بل هي وقائع ثابتة نشرها الصحفي الأمريكي الشهير بوب وودوارد بتاريخ 25 فيفرى 1976 في صحيفة الواشنطن بوست و محتوى عديد الكتب التي تلت تلك المرحلة “الأمريكية” في علاقة السادات بالأمريكان و إذا كان الحديث عنها الآن فإنما لربطها بسياق الأحداث المصرية العربية التي تلتها خاصة و أن الرئيس حسنى مبارك لم يكن أقل عمالة من سابقه بحيث أطلقت عليه المخابرات الأمريكية الاسم الحركي ” رجل الشنطة”.
الشنطة ” الأمريكية” لم تكن تحوى قناني عطور فاخرة و لا سيجار كوبي بل كانت حقائب مكدسة بملايين الدولار و أن هذه الملايين ساعدت السادات و مبارك على تكوين ثروات ضخمة لاحقا و المعلومات لم تكن شطحات جرائد صفراء بل معلومات مقدمة من عملاء مهمين في وكالة الاستخبارات الأمريكية هما توماس كلينس واديوين ويلسن.
لعله من المفيد الإشارة إلى العلاقة الحميمة التي كانت تربط السادات و من بعده مبارك بالأمير بندر بن سلطان رئيس المخابرات السعودية حاليا و السفير السعودي في أمريكا سابقا و إذا انتبهنا إلى العلاقة المتينة بين هذا الأخير و الأمريكان و الصهاينة سننتهي طبعا إلى فهم أشياء كثيرة في طبيعة هذه العلاقة و مدى تأثيرها في سلوك الرجلين بحيث كان مبارك مثلا الرئيس الأقرب إلى الصهاينة من بعض القادة العرب العملاء المحيطين بإسرائيل و كان السادات بموجب هذه العلاقة و ما وفرته من أرضية حوار سرى بين مصر و إسرائيل الأقرب لتنفيذ الرغبات الأمريكية في التطبيع مع إسرائيل مقابل الغذاء.
عندما نسترجع حوادث التاريخ ندرك أن محمود عباس قد ولد من رحم المفاوضات السرية بين إسرائيل و بعض من رأوا في هذه المفاوضات من بارونات الفساد في منظمة فتح الطريق التي ستدفع بثرواتهم الملهوفة من المنح الدولية للشعب الفلسطيني إلى السقف الأعلى و عندما نستعيد ما قدمه هذا الرجل من تنازلات بدون مقابل للكيان الصهيوني ندرك أن رياح الخيانة و العمالة لم تكن شأنا خاصا لحركة حماس و خالد مشعل فقط بل هي ظاهرة قبيحة أضرت بالقضية الفلسطينية و دفعتها إلى مؤخرة عناوين الأحداث.
هل نحتاج شيئا من التذكير بالماضي للحديث عن العائلة الهاشمية و هل تركت الصحافة العالمية شيئا لم تقله و هل تركت العائلة لغيرها شيئا مما لم تفعله لمساعدة الكيان الصهيوني بكل الطرق و هل يحتاج الشعب الأردني الشهم المقاوم إلى أن نستذكر معه تاريخ العائلة من الألف إلى الياء ؟.
في مملكة آل سعود سطرت العائلة التاريخ الأسود لحالة التردي الهائلة و السقوط العربي المدوي و هناك خطط الجميع لمستقبل مرعب للأمة العربية و هناك فتحت الخزائن لتمويل الحملة الانتخابية للرئيس جورج بوش الابن الذي هدم البوابة الشرقية للأمة العربية دولة العراق بكل ثقلها و تاريخها و هناك قدم بندر بوش النصائح الثمينة للأسرة الحاكمة لتجعل من سوريا الضلع العربي الأخير الآيل للسقوط..
على بعد أمتار من القصر الملكي السعودي نفخت أموال النفط بطن حمد بن خليفة و منها طغى أكسيد الكربون و انقطع الهواء النقي على الصدور العربية العارية لتلاقى مصيرا قاتلا حدده أمير يعانى من علل فكرية و أخلاقية كثيرة إن لم نقل أنه بلا فكر و لا أخلاق و من قطر تلك المساحة التي تزيد على مساحة مقهى في باريس تسرب إشعاع الخيانة القاتل إلى كل الأمة العربية و لم تنفع معه كل الأقنعة المضادة للخيانة و العمالة بحيث تناثرت الجثث و لطخت الدماء البريئة الساحات العربية في مشهد سوريالى يفوق ما حصل في هيروشيما بعد مرور أول قنبلة نووية أمريكية دفع بها الإجرام الأمريكي إلى اليابان..
لن نتحدث عن سعد الحريري و تيار العملاء و لن نتحدث عمن يطعنون الأمة العربية في الظهر من “صغار” العملاء و لن نلتفت إلى بعض الأقزام الصحفية الإعلامية التي تنطق بلسان عبري و لن ننبه إلى عمالة الإخوان و لن نفتح النار على عقول الكهنوت الديني التي تسير بالمنطقة العربية وعقول شبابها المهمش إلى الخراب و التصرف لان هذه المساحة لا تحتمل المزيد و لكن نكتفي بالقول أن من يقفون اليوم مع المبادئ الأخلاقية يشعرون بأن التاريخ لن يرحم هؤلاء العملاء و أن عملية الفرز التلقائي ستصنع التاريخ المشرق للأمة العربية كلفنا ما كلفنا
احمد الحباسي | بانوراما الشرق الاوسط