الاخبار : هكذا ستبدو الحرب المقبلة لاسرائيل مع حزب الله وسورية
بعد ست سنوات على نهاية الحرب الإسرائيلية على لبنان، ترى إسرائيل أن صورة ردعها تآكلت أمام حزب الله. ولم تتوقف إسرائيل عن استخلاص العبر من الحرب الماضية ورسم السيناريوات المفترضة للحرب المقبلة التي ستُحدث دماراً غير مسبوق في العمق الإسرائيلي
قدم موقع «يديعوت أحرونوت» أمس صورة نادرة عن طبيعة الحرب المقبلة بين حزب الله وإسرائيل وفقاً للتقديرات التي أعدتها الدوائر المختصة في جيش الاحتلال بالاستناد إلى خلاصات توصلت إليها بشأن «استراتيجية نصر الله» في المواجهة القادمة مع تل أبيب. وعلى خلفية التوتر القائم على الجبهة الشمالية، مع كل من لبنان سوريا، وخصوصاً في ظل الهجوم الإسرائيلي الأخير على سوريا واحتمالات الرد الذي تتحسب له تل أبيب في ضوء ما تعدّه تقوضاً في الردع إزاء حزب الله، كتب محلل الشؤون العسكرية في الموقع، رون بن يشاي، سلسلة من حلقتين خصصها لشرح الوضع القائم على الشق اللبناني من الجبهة لجهة وضعية حزب الله وما يعدّه للحرب المقبلة.
تطرق الكاتب في الحلقة الأولى إلى نقل الحزب انتشاره العسكري في أعقاب حرب تموز 2006 من الفلوات والأودية الجنوبية إلى داخل القرى ربطاً بالقرار الأممي 1701 وانتشار اليونيفيل في منطقة جنوبي الليطاني، فيما خصص الحلقة الثانية لما سماه «خطة نصر الله»، في إشارة إلى الخطة العسكرية التي أعدتها المقاومة لخوض الحرب المقبلة مع إسرائيل.
واستهل بن يشاي شرحه لهذه الخطة بالحديث عن الاهتمام الواسع الذي يوليه الأمين العام لحزب الله، السيد حسن نصر الله، لمواكبة ما يحصل في إسرائيل بشكل وثيق وعن «الدافع الكبير لديه لتعلم وفهم المنظومة السياسية في إسرائيل والقوى التي تحرك المجتمع الإسرائيلي». حتى إن الكاتب نقل عن مصدر أمني «أمضى جزءاً مهماً من عمره في دراسة حزب الله ومتابعته بنحو حميمي تقريباً»، أن اهتمام نصر الله بالشأن الإسرائيلي دفعه إلى تعلم اللغة العبرية «وعلى الأقل هو يقرأ بعض ما يُنشر في الصحافة الإسرائيلية بلغته الأصلية».
في تفاصيل خطة الحرب الخاصة بالحزب، أشار بن يشاي إلى وجود عدد من الخلاصات التي بلورها نصر الله للمواجهة المقبلة مع إسرائيل، التي قال إنه يمكن استنتاجها بالاستناد إلى تحليل بعض الخطابات التي ألقاها أخيراً. وأولى هذه الخلاصات «أن صليات الصواريخ على الضواحي لا تثير انطباع الإسرائيليين، وأن توجيه ضربة مدمرة إلى تل أبيب وغوش دان (منطقة وسط إسرائيل) أو استهداف منشآت بنى تحتية أساسية من شأنه أن ينزل ضربة معنوية قاسية على الرأي العام الإسرائيلي والعالمي وتمنحه صورة النصر التي يريدها». والخلاصة الثانية هي أن «الجمهور الإسرائيلي أكثر تحسساً تجاه الخسائر وسط الجنود المقاتلين على الجبهة من الخسائر في الجبهة الداخلية. وبناءً على ذلك، فإن تحقيق خسائر كبيرة في الأرواح وسط القوات المقاتلة ستمسّ الحصانة الداخلية واستعداد الجمهور الإسرائيلي للقتال». أما الخلاصة الثالثة، فتتمثل في أن «القدرة على إسقاط طائرات إسرائيلية ستمنحه مظلة تتيح له استهداف العمق الإسرائيلي بالحدّ الأقصى، وستحقق له أيضاً إنجازاً مهماً على مستوى الوعي وسط جمهوره. ومن شأن إغراق سفينة تابعة للبحرية الإسرائيلية أن يمنحه هذا الأمر أيضاً».
وبناءً على هذه الخلاصات وغيرها، رأى الكاتب أن نصر الله «بنى استراتيجيته التالية: في بداية الحرب المقبلة سيوجه ضربة صاروخية ثقيلة ودقيقة جداً إلى إسرائيل، وسيطلق الصواريخ (بعضها من طراز أم 600 حصل عليها من سوريا مزودة بأنظمة توجيه) باتجاه مدن غوش دان ومنشآت البنى التحتية، وربما باتجاه أهداف عسكرية بالوتيرة الأسرع والزخم الأكبر الذي يمكن أن يحققه رجاله. ضربة البداية هذه ستستمر عدة ساعات، وربما أكثر، إلى أن يحقق سلاح الجو الإسرائيلي لنفسه حرية عمل في سماء لبنان بنحو يمكنه من استهداف كل منصة شُخِّصت مسبقاً أو اكتُشفت خلال عملية الإطلاق».
ويمضي بن يشاي في شرح استراتيجية حزب الله، فيرى أنه يخطط، إضافة إلى استهداف عمق تل أبيب والبنى التحتية، «لإنزال خسائر بالجملة بالأرواح وسط جنود الجيش الذين سيدخلون إلى لبنان بهدف إسكات مصادر النيران القصيرة المدى في الجنوب. وسيقوم عناصره بذلك بواسطة آلاف الصواريخ الحديثة المضادة للدروع والعبوات الناسفة والراجمات الصاروخية التي نشرت في داخل القرى لقتل وجرح مئات الجنود من القوات الإسرائيلية المتوغلة. وهذه الخسائر، بالإضافة إلى عدم وجود القدرة لدى الجيش على إسكات الصواريخ حتى اللحظة الأخيرة من الحرب، من شأنها أن تحقق لنصر الله انتصاراً مادياً ومعنوياً لا سابق له، فضلاً عن تمكن حزب الله «في الطريق» من إسقاط طائرات أو إغراق سفن إسرائيلية.
ويتحدث الكاتب عن «مدماكٍ إضافي» لهذه الاستراتيجية؛ فنصر الله «يخطط لإرسال «قوات التدخل»، وهي الوحدات الخاصة لحزب الله، لتنفيذ عمليات اقتحام وسيطرة وقتل داخل الأراضي الإسرائيلية في البلدات ومحاور التنقل المحاذية أو القريبة من الحدود. وهو يرى أن عمليات كهذه ستضطر إسرائيل إلى توزيع اهتمامها وقواتها وستعوق حركة الجيش الإسرائيلي البرية الرامية إلى إسكات مصادر النيران داخل الأراضي اللبنانية. هذا بالإضافة إلى الضربة المعنوية التي ستحققها هذه العمليات».
ويوضح بن يشاي أن الجيش الإسرائيلي مطّلع على «استراتيجية نصر الله ويواكب بنحو يومي ووثيق الاستعدادات لتنفيذها، وهو يستعد في المقابل ويتدرب من دون توقف لمواجهة التهديد عندما يتحقق». وينقل عن مصدر أمني رفيع المستوى، قوله: «إننا سنضطر إلى العمل بسرعة وعدوانية منذ البداية، وينبغي أن نقول لأنفسنا وللعالم بنحو واضح ومسبق ألا يتفاجأ أحد. لبنان سيبصق النار علينا مباشرة منذ اللحظة الأولى، وبقوة لم نعهدها من قبل. ونحن سنضطر إلى إسكات هذه النار بأسرع ما يمكن وبكل الوسائل المتاحة». ويضيف المصدر: «حيث نستطيع، سنأخذ في الاعتبار السكان المدنيين، إلا أننا لن نكون قادرين على العمل بنحو انتقائي في كل الأماكن. سيكون هناك دمار كبير والكثير من الإصابات. إن نظريتنا تقوم على محاولة تفكيك التهديد من دون حرب، لكن عندما تحصل الحرب، يجب أن نفعل ما نستطيع أن نفعله».
ويشير الكاتب إلى خلاف لا يزال قائماً داخل الجيش بشأن طريقة التعامل مع حزب الله. وهذا الخلاف يدور حول «نقاش عنيد بين من يرون أن في الإمكان حسم المعركة مع حزب الله بواسطة كميات كبيرة من النيران الدقيقة، وعلى رأس هؤلاء يقف سلاح الجو، وبين من هو مقتنع بأنه من دون مناورة برية لن يكون هناك حسم. ومعظم الجنرالات، ومن ضمنهم قادة ميدانيون لوحدات برية، من قائد الذراع البرية ونزولاً، يؤيدون التوجه الثاني، رغم أنهم يدركون أيضاً أن الدخول البري إلى لبنان سيسبب إطالة أمد الحرب وسيكون مقترناً بعدد كبير من الخسائر البشرية».
ويوضح المصدر الأمني الإسرائيلي المتخصص بالشأن اللبناني أن «الدخول البري ضروري لإنجاز الحسم الواضح. وعندما يقال «حسم»، فالمقصود نتائج مادية على الأرض، أي مئات القتلى من عناصر حزب الله، بنى تحتية عملياتية مدمرة، سيطرة على مناطق إطلاق الصواريخ وما إلى ذلك». ويرى بن يشاي أنه «يمكن بالتأكيد أن نقدّر أن الجيش قادر اليوم على تحقيق هذه النتائج. أولاً، لأنه استخلص وطبّق العبر من الأخطاء التي ارتكبت في القتال البري إبان حرب لبنان الثانية، بما في ذلك التزود بمنظومة حمائية للدبابات من طراز «معطف الريح» التي تجعل الدبابات أقل عرضة للإصابة بصاروخ مضاد للدروع. وثانياً، لأن الجيش طوّر خلال العامين الأخيرين وسائل وأساليب لجمع المعلومات الاستخبارية خلال سير المعارك ومعالجتها. إضافة إلى ذلك، لدى الجيش اليوم منظومة قيادة وسيطرة محوسبة وجوالة يمكن بواسطتها نقل المعلومات الاستخبارية للقوات المقاتلة أثناء حركتها على الأرض. المشكلة هي أنه على ما يبدو، ليس كل الضباط الميدانيين متمرسين في استخدام هذه المنظومات الثورية، وسيتوجب على الجيش فعل شيء ما حيال هذا الأمر سريعاً».
وفي السياق، يشير الكاتب إلى «مشاكل أخرى داخل الجيش معروفة ومشخصة، مثل حقيقة أن نيران صاروخية بوتيرة كبيرة ستنزل على المطارات ومخازن الطوارئ التابعة لوحدات الاحتياط وعلى بيوت الجنود الذين هم في الجبهة وعلى الطرقات المؤدية إلى الجبهة وعلى مناطق تجميع وحدات الاحتياط. ولا يوجد احتمال بأن تتمكن «القبة الفولاذية» من توفير حماية جيدة لكل هذه الأماكن ولمنشآت البنى التحتية في مقابل 65 ألف صاروخ».
ويخلص بن يشاي إلى التشديد على أن كل ما طوره الجيش الإسرئيلي حتى الآن «لن يحول دون الخسائر والدمار في العمق المدني والعسكري». ويؤكد، نقلاً عن المصدر الأمني، ضرورة «أن نوضح ذلك للجمهور الإسرائيلي من الآن. فالحرب ليست برنامجاً في تلفزيون الواقع. سيكون هناك قتلى وإخفاقات. إلا أننا سنحقق الهدف، وسنحسم الحرب بنحو يعطل حزب الله مادياً ويردعه لأعوام طويلة».
رغم التقدير السائد في إسرائيل بأن الردع الذي حُقِّق قبالة حزب الله في أعقاب حرب لبنان الثانية قد تقوض، فإن الحزب لا يمتلك دافعية الآن للتورط في حرب مع إسرائيل، في ضوء الوضع الداخلي اللبناني المأزوم، بحسب المصادر التي يستند إليها الكاتب الإسرائيلي رون بن يشاي. إلا أنه مع ذلك، «يجب أن نشير إلى أن هناك احتمالاً آخر، هو أن يبادر الحزب إلى مهاجمة إسرائيل بكامل قوته إذا ما قدر أن إسرائيل تخطط للمبادرة بضربة استباقية ضده. وبقدر ما يبدو ذلك غريباً للأذن الإسرائيلية، فإن حزب الله يرى فينا جهة غدارة وغير متوقعة ومُهيّأة لتنفيذ ضربة استباقية بنحو مباغت. هكذا، على سبيل المثال، بعد الهجوم الأخير على قافلة السلاح في سوريا، التي نفذتها إسرائيل بحسب مصادر أجنبية، أعلن حزب الله الاستنفار في صفوف قواته خشية أن يهاجم الجيش الإسرائيلي أهدافاً داخل لبنان. وبعد عدة أيام خُفضت حالة الاستنفار هذه».
سيريان تلغراف