عربيمحلي

“النفير” إلى سوريا .. شرط نظام آل سعود لإطلاق سراح الجهاديين

لم يعد خافياً أن الحركات السلفية الجهادية، في كافة بلدان المنطقة، أعلنت “النفير العام” بين صفوف أنصارها للجهاد في أرض الشام، وقد قدمت بناءً على هذا النفير حشود “المجاهدين” من تونس وليبيا ومصر والسعودية ولبنان وكوسوفو والسويد وبريطانيا وفرنسا والبلقان وغيرها من الدول والمناطق، إلى الأراضي السورية كي تقوم بفرض الجهاد ضد نظام “الحكم الكافر والمرتدّ” بحسب أدبيات هذه الحركات.

ورغم أنه من الصعب التصديق أن التنقلات الكثيفة لعناصر الحركات السلفية الجهادية عبر الحدود، بغية الوصول من بلدان إقامتهم إلى سورية، تجري بعيداً عن أعين السلطات في تلك البلدان، أو دون تسهيلات، أو على الأقل دون غض النظر من قبلها على نحوٍ يتيح لهؤلاء حرية الحركة باتجاه واحد يوصلهم حصراً إلى داخل الأراضي السورية. فإنه لا يوجد، حتى الآن، دليل واحد يثبت تواطؤ السلطات في هذه الدول مع الجهاديين، أو أنها تسمح لهم قصداً بحرية السفر إلى سوريا، ونعني بشكل خاص تلك الدول التي تجاهر علناً برغبتها في إسقاط النظام السوري. ولا شك أن إثبات مثل هذا الأمر لا يخلو من تعقيد كبير يجعله في أغلب الأحيان شبه مستحيل لأن أجهزة المخابرات التي تتولى إدارة هذه الأمور والعمليات تحرص على عدم ترك أية أدلة أو قرائن يمكن أن تشير إلى تورطها فيها، وهي تتقن بشكل بارع اتباع الأساليب التي تسمح لها بالتنصل من أي اتهام قد يوجه إليها.

لذلك فإن التحدي سيكون كبيراً جداً أمام أي صحافي يسعى إلى البحث عن ثغرة يمكن أن يصل من خلالها إلى ما يثبت وجود علاقة تواطؤ بين سلطات الدول وبين الجهاديين الذين يخرجون منها نحو سورية. ولم يكن وارداً في ذهني أنني يمكن أن أخوض غمار هذا التحدي لولا أنني وقعت على بعض المعطيات الجدية التي شكلت رأس الخيط الذي خولني الوصول إلى ما أعتقد أنه قرائن جدية تشير إلى وجود تواطؤ بين السلطات السعودية وبين السلفيين الجهاديين، وأن بينهما ما يشبه الصفقة التي تقوم على أساس أن توافق السلطات السعودية على إطلاق سراح المعتقلين في سجونها مقابل شرط واحد، هو أن ينفر هؤلاء الذين أطلق سراحهم إلى الجهاد في أرض الشام.

كانت البداية عندما أبلغتنا مصادر خاصة في المعارضة السعودية عن قلقها من تزايد أعداد السعوديين الذين يهاجرون إلى سوريا، وسبب القلق حسب المصادر، أن العديد من هؤلاء المهاجرين هم من الناشطين في المظاهرات والاعتصامات التي تشهدها المملكة منذ حوالي عامين، وأن هجرتهم تؤثر سلباً على نشاط المعارضة في الداخل السعودي، وأعربت المصادر في المعارضة السعودية، عن شكوكها في احتمال أن تكون السلطات السعودية تقف وراء تشجيع هذه الهجرة للناشطين وذلك بهدف التخلص منهم الأمر الذي قد يساعدها في القضاء على الحراك الشعبي المتنامي ضدها في عدة مدن سعودية.

وقد تطلب الأمر متابعة حثيثة، من قبلنا، لكافة الأخبار المتعلقة بأشخاص سعوديين تكون ذات صلة بما يجري في سورية من أحداث، وذلك بغية الوصول إلى قاسم مشترك يمكن الاعتماد عليه لإثبات ما أبلغتنا مصادر المعارضة السعودية عن شكوكها فيه.

السعودية

وطوال أسابيع حاولت جمع معلومات عن كل سعودي علمت أنه نفر إلى الشام أو قتل فيها أو عاد منها وهم كثر وأكثر مما يظن بعض حسني النية، وتجمعت لدي معلومات كثيرة حول عدد كبير من هؤلاء الجهاديين السعوديين، ولكن بقيت هذه المعلومات مفككة ولا يمكن الاعتماد عليها لإثبات ما أسعى إليه.

وبقي الأمر كذلك حتى سمعت بخبر مقتل السعودي “رشيد الفلاج” وما استوقفني عند سماعي بخبر مقتله هو المعلومة التي وردت في بيان نعوته والتي ذكرت أنه كان من المشاركين في اعتصام “الطرفية” الذي قام به نشطاء من أهالي المعتقلين وأصدقائهم، في الشهر التاسع من العام الماضي حيث تظاهروا أمام سجن الطرفية في مدينة القصيم السعودية للمطالبة بإطلاق سراح المعتقلين. وقد اعتقلت السلطات السعودية آنذاك العشرات من الناشطين المعتصمين وكان من بينهم “رشيد الفلاج” الذي خرج إلى سوريا مباشرةً بعد إطلاق سراحه من قبل السلطات السعودية.

وتوقفي عند هذه المعلومة سببه أنني من خلال متابعتي كنت أعلم بمقتل السعودي “محمد الطلق” في منتصف كانون الأول الماضي، والذي كان أيضاً من بين الناشطين المعتقلين على خلفية اعتصام “الطرفية” وأن نفيره إلى سوريا جاء بعد أيام من إطلاق سراحه آنذاك.

هذا ما دفعني إلى البحث عن أسماء المعتقلين السعوديين على خلفية اعتصام “الطرفية” وقد تمكنت من الحصول على صورة وثيقة رسمية تتضمن قرار الإفراج عن تسعة عشر شخصاً ممن شاركوا في ذلك الاعتصام مع ذكر أسمائهم (الصورة مرفقة).

وعند البحث اكتشفت أن العديد من الأسماء الواردة في قرار الإفراج قد نفر أصحابها إلى أرض الشام بعد إطلاق سراحهم.

منهم، بالإضافة إلى من ذكرناهم أعلاه (محمد الطلق ورشيد الفلاج)، المدعو مروان البقيشي وعبدالرحمن العمر ممن استخدموا أسماءهم الحقيقية ولم يتخفوا وراء أسماء مستعارة كما يفعل أغلب من ينفرون للجهاد.

ومن أصحاب الأسماء المستعارة ممن نرجح أنهم من ضمن قائمة معتقلي اعتصام الطرفية هناك “قرين الكلاش” الشهير و”براء” و”أبو بكر العمر” و”تركي الأشعري” وجميع هؤلاء موجودون في سورية ويشاركون في المعارك الدائرة. وسبب ترجيحنا أن هؤلاء من ضمن قائمة المعتقلين العلاقة التي تربط بينهم في سورية وحرصهم على التواصل ومتابعة أخبار بعضهم البعض.

ولكن لنغض الطرف عن أصحاب الأسماء المستعارة، فهل من الطبيعي والعادي أن ينفر أربعة اشخاص من أصل تسعة عشر، بعد إطلاق سراحهم من قبل السلطات السعودية؟ ألا يحق لنا أن نتساءل لماذا يهاجر عدد من الناشطين ضد نظام بلادهم من أجل الجهاد ضد نظام في بلد آخر؟ ولماذا أتت هذه الهجرة بعد تعرضهم للاعتقال ومن ثم إطلاق سراحهم لينفروا بعده مباشرة خارج المملكة وتحديداً إلى سوريا التي يراهن النظام السعودي على إسقاط نظام الحكم فيها؟.

ومع توسيع دائرة البحث، وجدنا اسماء العديد من السعوديين ممن كانوا معتقلين في بلادهم لسنوات طويلة ولكن جرى إطلاق سراحهم خلال السنتين الماضيتين لينفروا بعده مباشرة إلى الحهاد في سوريا، فهل هذه أيضاً محص مصادفة أم وراءها ما وراءها؟

ومن هذه الأسماء “خالد السويد” و”عبدالله الزريقي أو الزريفي” الذي كان مضى على اعتقاله حوالي سبع سنوات وخرج من ثم إلى سورية و”فهد العجمي أبو وضحى” الذي فجر نفسه بسيارة مفخخة على حاجز الأمن العسكري في سعسع منذ أسابيع قليلة، ومنهم أيضاً “ابراهيم الغيث” و”عقاب ممدوح المرزوقي” شاعر ابن شاعر وهو ابن الشاعر ممدوح المرزوقي وكان كلاهما معتقلاً، وقد نفر الشاعر الابن إلى سوريا بعد إطلاق سراحه، فلماذا يهاجر شاعر إلى أرض المعركة بعد إطلاق سراحه وليس معروفاً عنه حمل السلاح من قبل؟ ومنهم كذلك “سراقة” وهو من الجهاديين في أفغانستان وكان معتقلاً في السعودية وأفرج عنه مع “صالح القرعاوي” الذي كان زعيم تنظيم القاعدة في بلاد الشام عام 2007 ولكنه بعد إطلاق سراحه ذهب إلى أفغانستان وليس سوريا وهو من النادرين ممن لم يقصدوا سوريا ولكنه أصيب في أفغانستان وعاد إلى بلاده مقطوع الأطراف جراء إصابته بغارة جوية، ومنهم “الغريب المهاجر القحطاني” و”انغماسي موحد” و”عبدالحكيم موحد”.

هذه عينة هامة من أسماء المعتقلين في السجون السعودية ممن نفروا للجهاد في سورية بعد إطلاق سراحهم، علماً أن إطلاق السراح لأغلب الأسماء جرى خلال الأشهر السابقة وقد تسارعت وتيرة النفير من بلاد الحرمين إلى سوريا في أواخر العام الماضي وبداية هذا العام.

وهنا معطيات لا بدَّ من ذكرها: أولاً، أغلب المفرج عنهم كانوا ممنوعين من السفر بموجب قرار من السلطات الأمنية في السعودية، ومع ذلك تمكن هذا العدد الذي لا يستهان به منهم من الخروج من الأراضي السعودية، علماً أن بعض المفرج عنهم حاول السفر إلى اليمن التي تربطها مع السعودية حدود طويلة ومع ذلك لم يتمكن بسبب تشديد السلطات السعودية في مراقبتهم، فكيف تمكنوا من السفر إلى تركيا ومنها إلى سوريا؟ هل يعقل أن يفشلوا في الهرب إلى اليمن ثم ينجحوا فيه إلى سورية لولا رغبة سلطات المملكة في نجاحه؟.

ثانياً، هؤلاء النشطاء وخاصة نشطاء اعتصام الطرفية هم من المعارضين للنظام السعودي ويعتبرونه في أدبياتهم بأنه نظام احتلال ويجب إسقاطه لإقامة نظام الخلافة، ومعظمهم من أصحاب الفكر السلفي الجهادي، فلماذا تركوا الحراك في السعودية وجاؤوا إلى سوريا رغم أنهم قبل اعتقالهم كانوا ينشطون في المظاهرات والاعتصامات فإذا بهم بعد اعتقالهم لأسابيع قليلة يقررون الهجرة وترك كل ما يجري في المملكة وراء ظهورهم بدل أن يحثهم الاعتقال والظلم إلى الاستمرار في العمل لإسقاط النظام الذي اعتقلهم وظلمهم، أليست مفارقة تستدعي التوقف عندها؟. ثالثاً، عدد من هؤلاء ليس لديه خبرة قتالية ولم يسبق لهم القتال ولا الاستعداد له، وهذا ما أدى إلى مقتل بعضهم بسرعة كبيرة، فعلي سبيل المثال فإن “محمد الطلق” لقي مصرعه قبل أن يكمل أسبوعه الأول في سوريا مما يشير إلى انعدام خبرته القتالية، فلماذا يتسرع أمثال هؤلاء في النفير للجهاد دون تدريب واستعداد؟ والأهم لماذا لم يفكروا في القتال ضد سلطات بلادهم؟ الأرجح لأنهم لم يكونوا يفكرون في القتال ضد أحد ولكن أثناء اعتقالهم حدث انقلاب جذري علينا أن نسأل السلطات السعودية عنه، نحن هنا نتحدث عن نشطاء الطرفية ممن أثبتوا طوال أشهر أنهم متمسكون بسلمية الحراك ضد سلطات بلادهم ولم يلجأوا إلى العنف رغم القمع الذي كانوا يتعرضون له كل مرة.

ما ذكرناه سابقاً قد لا يشكل دليلاً قطعياً على تواطؤ السلطات السعودية وموافقتها على إرسال الجهاديين إلى سوريا (رغم أن الكثيرين يعتبرون التواطؤ أوضح من أن يحتاج إلى دليل) لكنه بكل تأكيد يرقى إلى درجة أن يشكل قرائن قوية ترجح بنسبة كبيرة وجود هذا التواطؤ.

سيريان تلغراف | عربي برس

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock