مقالات وآراء

دبلوماسي غربي : أدهشتني سوريا .. أدهشني الأسد .. بقلم مفيد سرحال

لا ريب ان الروس غادروا مخدع العزلة والانكفاء القسري وسياسة التكور على الذات وبدأوا عملياً باستعادة هيبة الدور والمكانة عبر اقتحام المشهد الدولي من باب الحارة الدمشقية، وعاد «العقيد ابوشهاب بوتين» يتبختر مزهواً على مسرح النفوذ متسلحاً بملفات موجعة لاميركا وحلفائها الغربيين وظهيره نصف العام وعلى رأسه التنين الصيني، ويهز العصا في وجهها وهي المترنحة بازماتها الاقتصادية وحروبها الفاشلة ولا ننسى غضب الطبيعة.

لقد حكم الاميركيون العالم بسطوة القوة الاحادية استباحوا الدول والاقاليم وسيطروا على الثروات واستحكموا بمصائر الشعوب ومصالحها الحيوية بشكل فوقي دون ان يردعهم رادع ترجمة لنظرية نهاية التاريخ والانتصار الحتمي والدائم للنيوليبرالية الموغلة بالتوحش في حين كان الروس يلملمون شعث مجدهم الغابر تحت وطأة اختلال الوزن والتوازن والقيمة المادية والمعنوية.

لقد وجد الروس في الملف السوري والهجمة الكونية على النظام العلماني البعثي لاسقاطه بعد طرح الاسلام السياسي كبديل للانظمة القائمة في المنطقة لتتحول اجراماً في الفلك التركي، مسا صارخا بالمصالح الاستراتيجية الروسية في المنطقة سواء على المستوى الاقتصادي لا سيما لجهة تأمين قنوات آمنة للغاز الروسي او على المستوى الامني عبر مصادر روسيا من الجنوب بالجمهوريات الاسلامية ذات الجذور العرقية التركية بعد تحويل اوروبا الشرقية «بالديمقراطية» الاميركية الى شوكة في خاصرتهم وهي كانت المدى الحيوي للدب الروسي.

لا شك ان البرد القارس جعل من الروس اكثر قسوة وصلابة كما جعلهم اكثر صبراً وجلداً ومنحهم طول اناة في مقاربة القضايا الاستراتيجية ودأبهم التربص بالاميركيين لبلوغ اللحظة التاريخية التي تمكنهم من تكريس الندّية بعد شعور دام عقوداً بالدونية حجماً وقدرة وسيطرة وبالفعل استوى الروس مع الاميركيين بعد ان قوضوا الحراك اليهودي في روسيا واستفادوا من التراجعات الاميركية والهزائم والخسائر المعنوية والاقتصادية لا سيما في العراق وافغانستان كما شعروا بالنشوة عندما هزم الصاروخ الروسي بيد المقاومين اللبنانيين اعتى قوة عسكرية في المنطقة.

وتعلم الروس من الدرس الليبي ان الاسترخاء امام الغرب واميركا نتائجه الخسران والتهميش فجاء دور سوريا التي صمدت في وجه العاصفة الاميركية فرفعوا عصا الفيتو في وجه القوى الدولية العاملة على اسقاط آخر موطئ قدم للروس في المنطقة فبدا ان عالماً جديداً من التوازنات يعاد رسمه من باب توما والحميدية!!

صحيح ان الجيش السوري قلب المعادلة وصاغ مساراً مختلفاً للازمة السورية من خلال الفهم العميق المبني على خلفية عقائدية ثابتة للاهداف الحقيقية للحرب على سوريا بغية تغييرها هوية ودورا وموقعا لكن ايضا شكلت الخيمة الروسية ذلك الغطاء الذي احرج دعاة الحرب الذين اعدوا العدة لقلب النظام فاذا بهم حلفاء بقصد وعن غير قصد لتنظيم القاعدة ومن دون ان يستطيعوا المس بسيادة سوريا عبر التدخل الخارجي ميدانيا او بالضربات الجوية المنهكة لاي دولة مهما كانت قدرتها العسكرية.

في ضوء ذلك، ان خير تعبير عن الموقف الروسي وموقع روسيا المتقدم تفاوضياً مع اميركا والغرب جاء على لسان دبلوماسي غربي في جلسة «بيروتية» تجاوز فيها الدبلوماسي المحظورات واباح بالمكنونات ومما قاله: الروسي يهزأون بنا وبالاميركيين عندما يقولون لنا اذهبوا وتفاوضوا مع الاسد. ان كنتم تسعون لرحيله وهذا الكلام ان دلّ على شيء فعلى ان النظام باق والروس في موقع متقدم ومن خلال سوريا يريدون تقاسم العالم معنا بكل عجرفة وكبرياء ويتابع المصدر: ان مناوراتهم على شاطئ المتوسط ودعمهم للجيش السوري بأحدث الاسلحة وبكميات كبيرة من الذخائر ليس مجرد عمل تكتيكي بقدر ما هو توطئة لقفزات نوعية في دعم النظام ومنع سقوطه لا بل اعادة ترتيب كل المنطقة وها هم الروس يعلنون عن اعادة اطلاق طائراتهم الاستراتيجية في العالم للمرة الاولى منذ سقوط الاتحاد السوفياتي في حين تعرض الصين على اليونان سداد كامل ديونها مقابل اقامة قاعدة صينية في اليونان في وقت نرى وزير الدفاع الاميركي يدعو جيشه للتقشف واوروبا تشحذ الغاز من الروس وتبحث عن مخرج لصنعتها في دعم الاسلاميين بالوصول الى السلطة حيث انقلب هذا الدعم الى وبال على الاوروبيين.

بعدما ظنوا ان الدول الاسلامية المستحدثة ستمتص الجاليات الاسلامية التي تثقل كاهل اوروبا.

ويفصح الديبلوماسي الغربي عن كلام وصفه بالخطير: نعم ان الروس لا يلهون فهم جديون الى اقصى الحدود وقد ابلغوا حكومات الغرب واميركا ان اسقاط نظام الرئيس الاسد بالقوة يعني حربا عالمية ثالثة وهذه الرسالة ابلغتها روسيا لمن يعنيه الامر بالقنوات الديبلوماسية واللقاءات المباشرة بين الروس والاميركيين والاوروبيين.

1

ويتابع المصدر: ومن الرسائل الدقيقة والواضحة التي ابلغتها روسيا للدول الاوروبية بأن تسليم السفارات السورية التابعة للنظام السوري الى جماعة الثورة السورية ستكون عواقبه وخيمة جدا وسيؤدي الى قطع روسيا لعلاقاتها الاقتصادية والتجارية والديبلوماسية مع الاوروبيين الاميركيين وبديل ان فرنسا قبلت سفيرا للائتلاف دون ان تقارب كينونة ووجودية السفارة السورية في باريس او تبحث مسألة ترحيل او اقصاء طاقم السفارة لصالح سفير الثورة.

ويقول الديبلوماسي الغربي: الاسرائىليون مذعورون من ان الاسد لن يترك اسرائىل تتنعّم بخراب سوريا وسينتقم حتما بضربات موجعة لدولة اسرائىل وعندها ستدخل كل المنطقة في اتون حرب مدمّرة كما ان اوروبا المستعجلة لاسقاط النظام بأية وسيلة حتى لو كان ذلك عبر القاعدة تفاجأت بالتريث الاميركي الذي تقوم استراتجيته على حسابات خاصة لا تأخذ بعين الاعتبار الدور الاوروبي والاميركيون بدأوا بالحديث عن ضرورة تجفيف منابع الدعم للثوار لأن السلاح والمال يذهب للقاعدة ودول الخليج وتركيا تلقوا تنبيهات وتحذيرات اميركية، صارمة من الاميركيين في هذا الشأن والاهم من ذلك ان الاميركيين باتوا على يقين بأن النظام من الصعوبة بمكان اسقاطه خاصة وانه بعد سنتين من الصراع الدموي يزداد عدد المتطوعين في الجيش وخاصة من المدن الكبرى والارياف وهذا دليل على ان الحاضنة الشعبية للجيش السوري والنظام لا زالت موجودة خلافا لكل التعبيرات الإنشائىة في الفضائىات وغيرها.

ويختم الديبلوماسي الغربي وعلى طريقة كيسنجر «لقد ادهشتني سوريا جيشا وشعبا… لقد ادهشني الاسد».

مفيد سرحال

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock