الأرض مدوّرة .. بقلم رائد كشكية
وبعد لفّ ودوران طويل يعود كثيرون إلى الاتفاق الذي تم التوصل إليه في جنيف في حزيران/يونيو 2012، فالامين العام للامم المتحدة بان كي مون وموفده الى سوريا الاخضر الابراهيمي اعربا عن “خيبة املهما من غياب موقف دولي موحد يقود الى مرحلة انتقالية” سياسية كما ينص اتفاق جنيف. وبقدرة قادر باتت المنظمة الدولية تستطيع انتقاد أطراف في الأزمة السورية كان التعرض لها ممنوعا حتى وقت قريب، حيث اعلن المتحدث باسم الامم المتحدة مارتن نيسيركي ان بان والابراهيمي “اعربا عن الخيبة والقلق امام اتساع عمليات الرعب والمجازر والتدمير التي تقوم بها الحكومة والمعارضة وتغذيها القوى الخارجية التي تقدم السلاح للطرفين” . وإن لم يكن مستغربا من الأمم المتحدة التي يسيطر عليها القرار الأمريكي أن تنتقد الحكومة السورية وحلفاءها، فالجديد في الأمر هو الاعتراف بضرورة وقف تسليح المعارضة مع تحميلها جزءا من المسؤولية عن المجازر المرتكبة بحق الشعب السوري.
هذا التغيير الذي يذكّر بالأنظمة الشمولية، حين يضطر مسؤولو الدرجة الثانية للالتزام بخط الحزب والميل معه حين يميل، ظهر أيضا وإن بخجل في حديث الامين العام للجامعة العربية نبيل العربي الاثنين امام قمة اقتصادية في الرياض، فاعتبر ضروريا دعوة مجلس الامن لاجتماع يصدر قرارا ملزما بوقف اطلاق النار. كما دعا الى “انتشار قوة مراقبة دولية للتحقق من توقف القتال”. جامعة الدول العربية ولأول مرة لا تطالب بتنحي الأسد ولاتصرّ على إدانة سورية. لماذا ؟ أمينها العام كشف السرّ، وهو يكمن في أنه لا توجد حتى الان “اي بارقة امل” بنجاح مهمة الموفد الدولي والعربي الى سوريا الاخضر الابراهيمي. رغم وجود تقدم كبير في تقريب وجهات النظر بين دول كثيرة لها وزنها من مسألة اعتماد الحلّ على اتفاق جنيف، إلا أن مهمة الابراهيمي فشلت، بالطبع من وجهة نظر ممولي الثورة في سورية.
في هذه الأثناء استقبلت اسطنبول اجتماع الائتلاف السوري المعارض المخصص لتشكيل حكومة انتقالية، لكن يبدو أن ثوار المجالس التي تشكلها كلينتون هم آخر من يعلم بالانعطافات في نهج “معلمهم”، فلا يشعرون إلا حين تبدأ الموارد بالنضوب، وبدل الحكومة الانتقالية قام رئيس الائتلاف الوطني السوري المعارض احمد معاذ الخطيب بزيارة خاطفة الى قطر، وقال المتحدث باسم الائتلاف ان هذه الزيارة “ستنعكس ايجابا على قرار تشكيل حكومة انتقالية لان اطرافا في الائتلاف ليسوا موافقين على تشكيل مثل هذه الحكومة قبل انشاء صندوق دولي مكلف بدعمها”. وكما يبدو لم تعد الدولارات النفطية تتدفق كالسابق، لذلك شكّل المجلس لجنة “لاجراء المشاورات مع قوى الثورة والمعارضة والجيش الحر والدول الصديقة والشقيقة لاستكشاف آراء الاطراف حول تشكيل الحكومة الموقتة ومدى الوفاء بالالتزامات الضرورية لعملها ماديا وسياسيا”.
المعارضة المسلحة في الداخل تحولت منذ شهور إلى تكثيف عمليات الاختطاف والحصول على الفدية تعويضا للموارد التي لم تصلها، رغم ما في ذلك من إقرار بتحولها النهائي إلى عصابات إرهابية. والائتلاف المعارض في الخارج يبحث عن مصادر تمويل أخرى فقرر التحرك دبلوماسيا والضغط على الأمم المتحدة بغرض إيقاف تسليم المؤسسات الرسمية السورية أي معونات انسانية، وطبعا إذا كان الائتلاف هو الممثل الوحيد للشعب فلماذا لايحصل هو على هذه المساعدات. علما أن الامم المتحدة كانت قد وجهت نداء في 2012 لجمع تبرعات للشعب السوري بقيمة 835 مليون دولار بينها 348 مليونا للموجودين داخل سوريا تم الحصول على نصفها، و487 مليونا للاجئين في الخارج تم الحصول على 70% منها. واطلقت الامم المتحدة الشهر الماضي نداء لجمع مبلغ 1,5 مليار دولار للسنة الحالية.
في الوقت الذي يجري فيه توزيع وإعادة توزيع الأرباح الناجمة عن ذبح الشعب السوري بدأ هذا الشعب يعي ذاته، ويدرك الأهمية القصوى لإرادته. وانطلاقا من فهم النظام السوري لهذه العملية التي تضع المقدمات للتغيير قرر إشراك المدنيين في الدفاع عن أنفسهم وأهلهم وبلدهم، بتوسيع اللجان الشعبية وتوحيدها في جيش للدفاع الوطني.
الشعب السوري قادر على فرض إرادته وهو يريد الكثير. يريد أن يطعم أطفاله ويعلمهم في المدارس ويريد أن يعيش الإنسان في بيته لا في معسكرات اللاجئين. يريد أن ينظر إليه باحترام كما ينظر هو إلى الآخرين، ويريد قضاء عادلا حضاريا لا حكم قادة ميدان ليبيين بلحى من القرون الوسطى. والشعب السوري يريد أن يمارس حقه في الاختيار فقد تعب من الإشفاق على من نصّبهم الغرباء ممثلين له.
رائد كشكية
(المقالة تعبر عن رأي الكاتب، وهيئة التحرير غير مسؤولة عن فحواها)