لماذا قررت الرياض إعادة فتح القناة الأمنية مع دمشق؟ .. بقلم داوود رمال
لم تكن قوى وشخصيات لبنانية بعيدة عن خطاب الرئيس السوري بشار الأسد، لا بل اطلع بعضها على بعض عناصره والأهم على معطيات عسكرية كانت تشي بأن لا كلام يصدر عن القيادة السورية قبل حسم معركة داريا على الأرض… وهذا ما حصل على مسافة ساعات قليلة جدا من الخطاب الرئاسي السوري.
ويشير تقرير ديبلوماسي الى أنه كان لافتا للانتباه في خطاب الاسد أنه لم يأت على ذكر السعودية برغم حديثه عن الدول التي تموّل وتسلّح وتدعم المسلحين، ويربط التقرير ذلك بالموقف السعودي والمصري الذي عبّر عنه وزيرا خارجيتي البلدين والداعي الى حل الازمة السورية سياسيا، ويعتبره «بمثابة تحول في مسار مقاربة البلدين للاحداث في سوريا».
لماذا تجنّب الاسد ذكر اي من الدول وليس فقط السعودية؟يكشف ديبلوماسي عريق على تواصل دائم مع السفراء العرب والاجانب في لبنان لـ«السفير»، أن الاتصالات السعودية بالعاصمة السورية لم تتوقف ويستند الى معلومات وتقارير ديبلوماسية اشارت اكثر من مرّة الى ذلك، فضلا عن قيام وفد من الاستخبارات المصرية بزيارة دمشق في الآونة الأخيرة.
ويوضح المصدر الديبلوماسي «ان الذي دفع القيادة السعودية الى اعادة فتح قنوات الاتصال مع القيادة السورية على المستوى الامني، هو استشعار السعوديين بسقوط رهانهم على سقوط النظام السوري، وبالتالي هم يخشون أن ترتد الجماعات الاصولية المتطرفة التي موّلوها وسلّحوها لإسقاط الاسد ونظامه، على الداخل السعودي، خاصة بعد الانفجار الذي وقع قرب وزارة الداخلية في العاصمة السعودية، اضافة الى بروز مجموعة دول داخل مجلس التعاون الخليجي تقودها الامارات العربية المتحدة اعلنت صراحة ما يشبه الحرب على «الإخوان المسلمين» وصولا الى ملاحقة خلاياهم، من دون اغفال الموقف الايجابي لسلطنة عمان فضلا عن تطور الموقف الكويتي لمصلحة رفض أن تحتل بعض المجموعات السورية المتطرفة صدارة موقف المعارضة السورية».
ويقول المصدر «ان كل ذلك دفع الرياض الى اعادة التواصل مع دمشق، باشراف نجل العاهل السعودي الأمير عبد العزيز بن عبد الله حيث أوكلت المهمة الى مسؤولين امنيين سعوديين»، ويضيف ان اللقاءات المذكورة تجري في الاردن بحضور ضباط من المخابرات الاردنية.
ويشير المصدر الى أن الموقف الذي ابلغه الجانب السوري في اللقاءات الى الجانب السعودي، بان القيادة السورية لا تقبل بالحديث عن اي تسوية مع السعودية او غيرها قبل وقف تمويل وتسليح المتطرفين وسحبهم من كل الاراضي السورية، «لان الدولة السورية مصممة على القضاء على كل الخلايا الارهابية السلفية، وهذا الموقف السوري يلقى تعاطفا من عدة دول عربية لم تقطع تواصلها غير المعلن مع القيادة السورية».
ويتوقف المصدر نفسه عند الدور الأمني والسياسي الذي يقوم به الأردن، حتى أن القيادة الأردنية لم تخف صراحة في الآونة الأخيرة انحيازها الى ما تقوم به القيادة السورية، في ظل ارتفاع منسوب المخاوف من أن يؤدي سقوط النظام السوري الى تقدم المشروع «الأخواني» في الأردن بدعم من أوساط خليجية (قطر تحديدا)، مع ما يمكن أن يشكله ذلك من خطر على العرش الهاشمي.
ويشير المصدر الى ان «الموقف السعودي بفتح قنوات أمنية للتواصل مع القيادة السورية جاء نتيجة عوامل عدة وهي:
ـ صمود الاسد وجيشه على مدى 22 شهرا.
ـ تنامي دور القوى السلفية في سوريا والخوف من امتدادها الى السعودية وغيرها من الدول.
ـ موقف عدد من دول الخليج وخاصة الامارات في مواجهة تقدم ظاهرة «الإخوان».
ـ الموقف الاميركي بعد التجديد للرئيس باراك اوباما، حيث رشّح جون كيري لتولي وزارة الخارجية خلفا للوزيرة هيلاري كلينتون وهو المعروف بصداقته للأسد، وتزامن ذلك مع موقف بريطاني متميز اذ ابدت الحكومة البريطانية تخوفها من تنامي جيل جديد من التيار السلفي ـ القاعدي في سوريا والخشية من تسربه الى الدول الاوروبية وقيامه بأعمال ارهابية.
ـ كلام وزير خارجية روسيا سيرغي لافروف الذي اعلن ان الغرب يصلي كي تظل روسيا والصين تمارسان حق النقض «الفيتو» ضد اي قرار بالتدخل الغربي في سوريا، وقد ادركت السعودية ان لافروف ما كان ليقول هذا الكلام لو لم يكن متأكدا من عدم قدرة الدول الغربية على التدخل عسكريا في سوريا، وبالتالي اصرار الغرب على التسوية السياسية وليس الحسم العسكري.
ـ ما كان الاسد يدعو لإجراء انتخابات نيابية مبكرة لو لم يكن واثقا بأن جيشه يسيطر على النسبة الأكبر من الارض السورية، وخاصة المدن، وهو يعرف تماما أن شريحة من الشعب السوري التي كانت تتعاطف مع المعارضة السورية بدأت تبتعد عنها نتيجة الممارسات السلفية وخاصة «جبهة النصّرة» المنبثقة عن تنظيم «القاعدة» والتي تتجه لتكريس إمارة اسلامية في بعض مناطق ريف حلب».
ويستدرك المصدر بالقول «يكفي التمعن في مضمون خطاب الاسد لتبيان امساك النظام بالواقع الميداني بنسبة كبيرة»، ويشير الى أن مقاربة ميدانية جديدة باتت تحكم سلوك النظام قوامها تقليص مساحة الانتشار العسكري لمصلحة الامساك بالمدن وتقليل حجم الانتشار في الأرياف وصولا الى بناء ما يشبه الحزام الأمني حول دمشق لمنع اقتراب المعارضين منها.
داوود رمال | السفير