المعركة أيها السادة بين الوطن وأعدائه .. بقلم ايهاب زكي
جهدٌ مضنٍ ذاك الذي بذلته القوارض في زنازين الإنتظار لخطاب الأسد،فقد أجهدت نفسها بالتمنيات بسقوط أي قطعة جبنٍ أثناء الخطاب تغنيها عن جوع عشرين شهراً ،فتسد رمقها وتمنحها القدرة على مواصلة القضم،وبعد إنتهاء الخطاب تيقنوا أن ما ينتظرهم من جهدٍ في إنتظار الخطاب ماقبل الأخير وما بعد الإنتصار سيكون أشد رهقآ وأقسى نصَّبآ.
كان خطاب الرئيس الاسد في هذا اليوم وبعيداً عن ثِقل وقعِه على نفوس المتربصين بسوريا شراً،فهو بجدارة خطاب تمهيدي لإعلان الإنتصار،وهو بجدارة خطاب النسف لعِجل بني معارضة وبني مؤامرة، وهو باستحقاق خطاب السقف العالي إستباقاً لحوار أمريكي روسي مرتقب،وهو بامتياز خطاب مكتسبات الجيش العربي السوري على أرض الميدان،وهو في الأصل خطاب سوري وصناعة محلية مئة بالمئة،وهذا ما يجعل فهمه مستحيلاً على غير الناطقين بالعربية وغير العالمين باللهجة السورية،والدليل أن الأسد إستثناهم من مبادرته إلا أنهم أول من إنتشروا على كل الفضائيات ليعلنوا رفضهم،فلم تسعفهم هجائن لغاتهم ليفهموا أنهم غير مدعوّين وغير مُستشارَين.
فمبادرة الرئيس السوري وخارطة الطريق التي طرحها،جعلت من كل المبادرات السابقة مجرد عصف فكري،أو نصائح غير ملزمة على أفضل تقدير،وتحت هذا السقف ستكون روسيا مفاوضِة كوسيطٍ لمنتصر وأمريكا مفاوضة كطرف مهزوم،مهزوم يرزح تحت ثقل العجز المطلق في الميدان،وثقل الهاوية المالية والأزمة الإقتصادية،وثقل الهواجس المخيفة على مصير الأدوات الأعرابية،خصوصاً وأن الرئيس الأسد قد وعد هذه الأدوات بعدم النسيان ،وكذلك فإن الرئيس الأسد قد نسف الفكرة التي حاولت ماكينة الحرب الإعلامية زراعتها في الوجدان الجمعي للجماهير ، بان الحسم العسكري لأي من الطرفين هو مستبعد،فقطع بالقول إن القضاء على الإرهاب ليس مستحيلاً، وبالتالي فإن التعويل على الإرهاب والإرهابيين لتحقيق المآرب هو رهان خاسر.
وهناك أمر يدعو للتأمل في موقف من استثناهم الرئيس من مبادرته،الذين لايفهمون لغة الوطن أو ما يُرمزإليهم بالإئتلاف السوري،فقد برروا رفضهم للمبادرة بأنها قطعٌ للطريق على الجهود الدبلوماسية للحل،ولا أعتقد أن هناك جهوداً غير جهود الأخضر الإبراهيمي،وهم من ملأوا الفضاء عويلاً لرفض جهود الأخضر،وهم من تمترسوا خلف اللاءات الجوفاء والمفروضة،فكيف أصبحت قتيلتهم الجهود الأخضرية الدبلوماسية محل عويلٍ وبكاء،والواضح أنهم سرعان ما يشعرون بشديد الندم على ما ضيعوا من فرص قد تخطاها الواقع،ويبدو كذلك أن الأخضر الإبراهيمي قد كشف عن جزرةٍ لحسن عبدالعظيم حيث منَّاهُ برئاسة حكومة للمناع فتمسك بها حتى الرمق الأخير،واصبح الأخضر عجله الجديد،وتصور نفسه مع هذه الحكومة غنوشي تونس أو بديع مصر فاستطاب الأمر لدرجة اللوثة.
وعلى ما يبدو فإن الولايات المتحدة لم تجد أوراقاً لتستبق بها التفاوض الموعود مع روسيا سوى باستعمال الأدوات الأوربية الأكثر لمعاناً من أدوات الصحراء العربية،فتشنجت أوروبا وطالبت برحيل الأسد كرد فعل على الخطاب وهذا كالواقف بعرفة بعد النحر،وكذلك هي حنجوريات (الموكوس) أوغلو،الذي تفتقت جرائده عن مواهب جديدة ،فقد تحول محرروها ومحللوها إلى ضاربين بالودع وقارئين للمندل ،وعلى إتصال دائم بعالم الأرواح التي أخبرتهم أن الرئيس الأسد طلب اللجوء إلى كل دول العالم ،وهو يعد حقائبه للسفر،فاكتشفوا بعد الخطاب أن التضليل لم يعد مقصصوراً على بني البشر بل امتد إلى عالم الأرواح،فحتى الأرواح تآمرت على اردوغان وضللته بقرب رحيل الأسد،ويبدو أن النظام السوري قد جيَّر الأرواح لصالحه وهو المسؤول عن إفساد ذمتها.
وأخيراً يبدو أن الخطاب كان خطاب ألمٍ وغضب وإصرار ،ألمٌ على وطن ينزف شهداءاً،وألم على غدر بعض أبنائه وعلى حجم الخيانات الغريبة والقريبة،وغضبٌ على كل من سولت له نفسه بالتطاول على حضارة آلاف السنين،ودولة العروبة وعرينها،وإصرار على الصمود وإصرار على الإنتصار،حتي ينتصر الوطن على أعدائه.
ايهاب زكي | بانوراما الشرق الاوسط