مقالات وآراء

سوريا .. الوضع العسكري .. بقلم ناصر قنديل

توزعت المواجهة العسكرية في سوريا على عدة مراحل :

1- المرحلة الأولى : الإستناد إلى بنى المعارضة وما تبعها من إنشقاقات في الجيش منذ حزيران 2011 حتى مطلع 2012 ، وقد ظهر منذ مطلع عام 2012 ان تشكيلات المعارضة المسلحة التي عجزت عن إستقطاب بنى أساسية من الجيش تستند بصورة أساسية إلى مجموعات الفوضى ، التي تتكون بأغلبها من رعاع المدن ومرتزقة الأرياف ومطاردي العدالة ومجموعة من الناشطين المدنيين الذي يتولون الظهور على وسائل الإعلام ونقل الأخبار المبرمجة ، وكان واضحا أن نجاح الجيش في حسم سريع في درعا وحماة في صيف وخريف 2011 هو الحد الفاصل مع هذ المرحلة .

2- إنتقلت المواجهة منذ كانون الثاني حتى نيسان 2012 إلى يد الإدارة القطرية السعودية المشتركة بمهمة محددة ، هي ضخ الأموال والسلاح بكثافة وتشغيل ماكينة الفتاوى و إستجلاب عناصر وقيادات القاعدة إلى سوريا ، و الإستناد إلى ما تتيحة الحدود اللبنانية من تهريب للسلاح والمسلحين ، وخوض معركة حمص كمحافظة ومدينة لتكون قلب السيطرة على سوريا، وتزامن ذلك مع تشكيل مجلس إسطمبول بقيادة الأخوان المسلمين برئاسة الحمصي برهان غليون ، لكن كل ذلك تلاشى عندما وضع الجيش خطة حسم حمص وكانت معركة بابا عمرو في نهاية آذار 2012 هي النهاية لهذه المرحلة .

3- منذ إستعادة الجيش لبابا عمرو بدا واضحا ان شحنة دفع كبيرة يحتاجها العمل المسلح للصمود ، وأن الدور التركي يجب أن يكون حاضرا بقوة وأن حلب قد تشكل الضالة المنشودة لتغيير قواعد اللعبة ، وأن حجم التدفق الجهادي سرا وبالتنقيط لم يعد كافيا ، وان صيغة كالتي يرويها قادة الأطلسي عن يوميات حرب يوغوسلافيا حول كيفية إستجلاب مئة الف متطوع من مناخ القاعدة يقودهم 3500 مقاتل محترف من الذين قاتلوا في حرب أفغانستان صارت ضرورة لمنع إنهيار الحرب على سوريا ، وما لبثت المرحلة الجهادية والقيادة التركية معا أن دخلتا المراوحة في المكان في مطلع الصيف ، وبدا أن الجيش قد تمكن من إمتصاص حيويتها وزخمها وإندفاعتها وبدأت تتحول إلى إستجلاب كراهية الناس ودفعهم للإلتفاف حول الدولة والجيش اكثر ، خصوصا في التجربة الحلبية ، عندما بدأ الجيش عملية تقسيم المدينة إلى مربعات ، وخوض معارك إسترداد الأحياء التي تمركزت فيها المجموعات المسلحة ، وكان لا بد من تغيير جوهري يستعيد المبادرة .

4- منذ حزيران تسلمت غرفة عمليات أضنة إدارة الدفة بحضور ممثلين لقطر والسعودية وفرنسا وبريطانيا وألمانيا وتركيا وإسرائيل ومجموعة الحريري بقيادة جنرال اميركي مقيم مستندة إلى خطة مركبة مكونة من عدة عناصر هي :

– عمليات مخابراتية نوعية تستهدف عصب القوات المسلحة لإضعاف منظومة القيادة والسيطرة وكانت أهمها عملية مكتب الأمن القومي بدمشق وإغتيال كبار الضباط فيها وهي من العمليات التي تفوق بكثير قدرات التنظيمات الجهادية والمجموعات المعارضة وتعتمد على تقنيات عالية التعقيد .

– تزويد الجسم العسكري للمعارضة بأجهزة وأسلحة متطورة للإتصالات ومواجهة الطيران والدروع ومعلومات إستخبارية عن تحركات وحدات الجيش بواسطة الأقمار الصناعية

– تركيز القتال على الحدود التركية السورية لتوسيع هوامش سيطرة المسلحين ومنح فكرة المنطقة العازلة اوسع الإحتمالات من الحسكة والقامشلي وصولا إلى دير الزور والرقة وحلب وإدلب .

– تصنيع اوسع عمليات فرار وإنشقاق متاحة يمكن ان تحدث دويا إعلاميا وازنا وكان أهمها الثلاثي رياض حجاب ومناف طلاس ونواف الفارس .

– تجميع وتوحيد مكونات المعارضة السياسية والعسكرية سواء عبر إئتلاف الدوحة او القيادة العسكرية المشتركة .

إستنفدت المرحلة قدراتها وسقطت مواعيدها المرتقبة للسيطرة على حلب أو إدلب او دمشق وصار واضحا أن الجيش قادر على التعايش مع هذه المرحلة والصمود وإلتقاط انفاسه مع كل صدمة لمعاودة ترتيب أموره والذهاب لهجوم معاكس جديد .

5- منذ شهر أيلول بات واضحا ان الرصيد العسكري لحراك المعارضة يراوح مكانه وأن لا إضافات جديدة يملك ضخها في آلة حربه وان الرهان بات على الحرب النفسية وتصنيع العلميات التكتيكية القابلة للتوظيف الإعلامي فسمعنا عن خطة حسم حلب الثانية في أيلول ودمشق الثانية في تشرين أول وحمص الثانية في تشرين الثاني وحماة الثانية في كانون اول والعمليات تنكشف عن فشل ذريع ، ولم تنجح الحرب بتحقيق شيئ يتعدى أهداف منعزلة للجيش مثل مدرسة المشاة في حلب ، التي إستعادها الجيش بالمناسبة ، وكتائب دفاع جوي موزعة في خريطة إنتشار لا علاقة لها بالقتال الداخلي ومقتضياته ، و تحريك وحدات منظمة للمشاغلة والإرباك قرب المطارات في دمشق وحلب البعيدة عادة عن المناطق السكنية والمحاطة بمناطق شاسعة من البساتين او المساحات المفتوحة ، و التقرب من معسكرات الجيش كوادي الضيف وسواها لكن في النهاية بقي الوضع على حاله من المراوحة .

6- منذ مطلع كانون الأول كما كان متوقعا بدأ الجيش خطته العسكرية الجديدة ، ويبدو أن المتابعة عبر الأقمار الصناعية تمكنت من رصد بعض إشارات الإستعداد لها ، فصارت الحملة الدولية تحت شعار خطر السلاح الكيميائي وقصف الأفران و صواريخ سكود والقنابل الفراغية ، ورغم ذلك واصل الجيش خطته فكانت قلعة التجميع والقيادة في داريا نقطة الهدف الأول ، وتحققت فيها نتائج تتجاوز 70% كما تقول مصادر المعارضة ، وفي درعا كانت بصر الحرير قلعة تجمع المعارضة المسلحة وهي قيد النهاية ، وفي حماة كانت حلفايا مركز التموضع الرئيسي ، وفي حمص كانت ديربعلبة وقد حسمت بسرعة وبشكل إعترفت به المعارضة علنا ، و في إدلب معرة النعمان وفي ريف حلب إعزاز وتل رفعت و وبستان الباشا وقصر الباشا في قلب المدينة .

سوريا  الوضع العسكري

– تصل التقارير إلى غرفة عمليات اضنة عن تضعضع الميدان وتسلم الدفة لجماعات القاعدة وإلتحاق المقاتلين بها وترتبك غرفة العمليات بين تصنيف النصرة كتنظيم إرهابي وبين الحاجة لها كقوة لا يمكن الإستغناء عنها في الميدان ، وبين الحاجة للإنخراط في التسوية والتفاوض وبين البحث عن ثمن معنوي لا يتوفر للبدء بالنزول عن الشجرة ، ويبدو واضحا ان ما بدا في كانون أول سيستمر في كانون الثاني ويحقق الجيش المزيد من الإختناق في البنية العسكرية التي تديرها غرفة اضنة .

– الحرب النفسية والإعلامية وتقارير صفوت الزيات وخرائطه المكررة والممجوجة صارت مدعاة للسخرية ، عن بشارة النصر كل يوم وكذبة الإقتراب من القصر الجمهوري والقتال على بعد أمتار ، والتفوق العبقري الإستراتيجي لجيشه الحر ، و لا غسان شبانة المستجلب من المخابرات الأميركية لتقديم قراءات ملفقة في السياسة والمعلومات عن مسارات الأزمة ، يغير من حقائق الميدان ،ويبدو كلام الإبراهيمي هذه المرة معبرا بدقة عن معادلة الحل السياسي تحت راية الرئيس الأسد او الجحيم وهم يسمعون .

إني خيرتك فإختاري يقول الإبراهيمي للمعارضة .

ناصر قنديل

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock