أميركا تخسر في سورية وأجندة جديدة بعد قمّة شباط .. بقلم هتاف دهام
مرّ العام 2012 ولم تسقط الدولة في سورية. نحو 22 شهراً مضت وكلّ الرهانات الخليجية والتركية والغربية على سقوط النظام وتنحّي الرئيس بشار الأسد فشلت، وذهبت في مهبّ الريح.
في العام 2012 طرحت مبادرات عدّة لحلّ الأزمة السورية، من المبادرة العربية، إلى مؤتمر جنيف، إلى المبادرة المصرية، الى المبادرة الإيرانية.. إلا أنّ أياً من هذه المبادرات لم يدخل حيّز التنفيذ حتى الساعة، بسبب الاعتقاد الخاطئ لدى الجهات الدولية التي تشنّ الحرب ضدّ سورية أنها تستطيع إخضاع سورية بالضغط والتصعيد، ودفع ما يسمّى اليوم «الائتلاف السوري المعارض» إلى رفض الحوار السوري الداخلي، ودعم المجموعات المسلحة بالمال والسلاح.
وبحسب مصادر إيرانية فإنّ نحو 1300 تنظيم مسلح يوجدون في سورية، غالبيّتهم من المجموعات الإرهابية المتطرفة، ما يشكل خطراً كبيراً على سورية وعلى كلّ دول الجوار، وهذا ما كانت حذرت منه منذ بداية الأزمة كلّ من طهران وموسكو وبكين، وكذلك المبعوثان الأمميان السابق كوفي أنان والحالي الأخضر الابراهيمي.
ليس ما تتعرّض له سورية يستهدفها فحسب، بل يستهدف كلّ دول وقوى الممانعة والمقاومة، خصوصاً أنّ الأميركيين طلبوا من الرئيس بشار الأسد مراراً أن يفك تحالفه مع إيران ليأخد بعدها «ما يدهش العالم». وبحسب ما كان يقول الرئيس الفرنسي الأسبق جاك شيراك، فإنّ «المثلث السني» (القاهرة – أنقرة والرياض) يجب أن يقف في وجه التمدّد الشيعي، وهنا يأتي اختراق دمشق، فالفرنسيون والأميركيون حاولوا كثيراً عبر إغراءات مذهلة لعب دور لإقناع الرئيس بشار الأسد بقطع العلاقة مع طهران والحدّ من العلاقة مع الروس، لكن كلّ هذه الدعوات مع كلّ ما رافقها من عروض وإغراءات لم تلقَ في سورية آذاناً صاغية، ولم يكن لها أي صدى على الإطلاق، لأنّ السياسة في سورية أرسيت على المبادئ والثوابت الوطنية والقومية، التي بيّنت كلّ التجارب والأحداث منذ نحو نصف قرن أنها سياسة لا يمكن أن تتغيّر، لا تحت الضغط والترهيب ولا بالعروض والإغراءات.
وأمام ذلك، فإنّ إيران ووفق مصادر دبلوماسية، لن تألوَ جهداً لإيجاد حلّ للأزمة في سورية، ولن تسمح بفرض حلول أجنبية، وتؤكد على مبادرتها التي تقوم على الحوار بمشاركة كلّ الأطراف من المعارضة والموالاة وممثلي الحكومة (باستثناء المتورّطين بالإرهاب وبسفك الدم السوري) وبالتنسيق مع المبعوث الأممي الأخضر الابراهيمي في كلّ المراحل، سواء في الحوار الذي يعقبه تأليف لجنة مصالحة وطنية وتمهيد الأرض من أجل إجراء انتخابات برلمانية، على ان يعقب الانتخابات تأليف حكومة انتقالية يكون من أولى وظائفها التمهيد لإجراء تعديلات دستورية يتفق عليها المتحاورون، والتحضير لإتمام الانتخابات الرئاسية في موعدها سنة 2014.
وإذا كانت الولايات المتحدة تبعث برسائل سرية إلى إيران، للمساعدة في إيجاد حلّ للوضع السوري، فإن طهران تؤكد ما مفاده أنّ على أميركا أن تطلب ذلك في العلن، خصوصاً أنها تصرّح في الإعلام عبر خارجيّتها أنّ التحالف السوري ـ الإيراني هو أحد أبرز المسبّبات للأزمة في سورية.
لقد شاركت إيران في محادثات لم تكن ثنائية مع الأميركيين للبحث في الوضع العراقي في العام 2010، إلا انها لم ولن تجلس ثنائياً إلى الأميركي الذي يطلب منها ذلك، فهي لا تثق بالنوايا الأميركية التفاوضية، فإيران اليوم قوية وتقف عثرة أمام النفوذ الأميركي الذي يبدأ من الشرق الأوسط ويمتدّ إلى حدود الصين، وتعتبر واشنطن أنّ العلاقة المتينة بين طهران وبكين والآخذة بالتصاعد والتنامي على كلّ المستويات السياسية والاقتصادية، تسمح بتوسّع النفوذ الصيني في منطقة الشرق الأوسط، وهو ما يُمثل تهديداً للمصالح الأميركية.
اليوم، وعلى رغم المحاولات والمساعي الأميركية الحثيثة، وعلى رغم تأليبها مجموعة كبيرة من الدول الأوروبية والإقليمية والعربية ضدّ سورية، فإنّ الولايات المتحدة بدأت تتراجع عن شروطها التفاوضية لحلّ الأزمة السورية، وها هي تتخلى أولاً عن فكرة تنحّي الرئيس بشار الأسد، لأنّ مشروعها لم ينجح كما كان مخططاً له، ولأنّ سورية الدولة والقيادة والجيش والشعب استطاعت الصمود في وجه المؤامرة رغم هذا الحجم الكبير من التضحيات والخسائر.
ويبقى الأكيد أنّ القمة الروسية ـ الأميركية المرتقبة بين الرئيسين فلاديمير بوتين وباراك أوباما في شباط المقبل، ستكون المحطة المفصلية في إعادة ترتيب الأجندة، رغم الخشية المتزايدة من تصاعد الحركات الأصولية المتطرفة في سورية وفي المنطقة، وهو ما لا تريده الدول الكبرى، لا سيما أميركا التي عانت كثيراً من تجربتها السابقة مع تنظيم «القاعدة» الذي دعمته وقوّته ثمّ انقلب عليها وحاربها في عقر دارها.
أما الروسي فهو لن يتخلى عن هذه المنطقة، وإذا كان انهيار الاتحاد السوفياتي قد أعاد روسيا 300 سنة الى الوراء، إلى عهد بطرس الأكبر، فإنّ سقوط سورية سيُعيد روسيا 1000 سنة الى الوراء، وهذا ما لن تسمح به روسيا إطلاقاً.
هتاف دهام | البناء