انقلاب في تجمع أنصار الاسلام يطيح بمدبر عملية مكتب الأمن القومي
شهدت الأيام الماضية حرب بيانات ضروس بين أبو معاذ الآغا القيادي والناطق باسم تجمع أنصار الاسلام من جهة وبين لواء الاسلام بقيادة زهران علوش من جهة ثانية. وكشفت هذه الحرب عن قيام أبو معاذ الآغا بتنفيذ ما يشبه الانقلاب الأبيض داخل قيادة تجمع الاسلام حيث استطاع الآغا أن يعزل أبو عدنان قائد كتيبة حمزة بن عبد المطلب وحليف زهران علوش من منصبه في قيادة التجمع، وليس هذا وحسب بل كانت المفاجأة الكبيرة باتخاذ أبو معاذ الآغا قراراً جريئاً بطرد لواء الاسلام وقائده زهران علوش من عضوية التجمع نهائياً، علماً أن زهران علوش وأبو عدنان هما من أوائل مؤسسي تجمع أنصار الاسلام.
ففي خطوة مباغتة ظهر أبو معاذ لأول مرة بصفته رئيس، ما سماه، مجلس تجمع أنصار الاسلام، وهو منصب لم يكن معروفاً من قبل، ولكن يبدو أن الآغا وبالاتفاق مع بعض الألوية والكتائب مثل كتائب الصحابة ولواء الفرقان ولواء الحبيب المصطفى وكتائب درع الشام، قام بتأسيس هذا المجلس بهدف تنفيذ انقلابه وإخراج كل من كتيبة حمزة بن عبدالمطلب ولواء الاسلام من التجمع وبالتالي السيطرة عليه والهيمنة على قراراته ومكاتبه وأهمها المكتب المالي الذي كان محل تنازع طويل بين أفرقاء التجمع.
وفي هذا الظهور أعلن أبو معاذ، وهو محاط بعدد كبير من مقاتلي الكتائب السابقة، قرار مجلس قياد التجمع: أولاً بعزل أبو عدنان من منصبه أو الأدق كما جاء في البيان ” إنهاءُ تكليفِ الأخِ المُجاهدِ أبو عدنان قائدُ كتيبةِ حمزةَ بن عبد المطلب من قيادةِ التّجمع” وثانياً طرد لواء الاسلام من عضوية التجمع أو الأدق “الموافقة على انسحاب لواء الاسلام من التجمع”.
والغريب ومما له دلالته على عمق الخلاف بين حلفاء الأمس/ أعداء اليوم أن أبو معاذ الآغا استهل بيانه بآية قرآنية تستخدم عادة بهدف شحن النفوس وتحضيرها للحرب والمواجهة العسكرية وهي قوله تعالي: ( الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ).
وإضافة إلى كل ما سبق فقد أصر أبو معاذ الآغا أن يوجه صفعة معنوية كبيرة إلى لواء الاسلام وكتيبة حمزة وقائديهما وذلك عندما أشار صراحة إلى أن قراراته السابقة جاءت نتيجة الظروف الدقيقة التي تمر بها ثورة الشام والتي تتطلب تخطيطاً عسكرياً دقيقاً وشاملاً، وكأنه يريد القول أن “ابو عدنان” و”زهران علوش” لا خبرة لديهما بالشؤون العسكرية وبأمور التخطيط، علماً أن زهران علوش اشتهر إعلامياً على أنه هو مدبر تفجير مكتب الأمن القومي الذي أودى بحياة أربعة من كبار القادة العسكريين السوريين.
بعد يومين من صدور هذا البيان أي في 22 من الشهر الحالي أصدر لواء الاسلام بياناً توضيحياً جاءت لهجته منخفضة ونبرته خافتة، مماعزز الشكوك بأن زهران علوش قائد لواء الاسلام قد فقد الكثير من نفوذه وقوته وخاصة بعد الضربات الموجعة التي تلقاها لواءه في مدينة دوما بريف دمشق اثناء المواجهات مع الجيش السوري، مما جعله عاجزاً حتى عن الدفاع عن مكانه في التجمع الذي قام بتأسيسه. وقد اكتفى بيان لواء الاسلام بالتعبير عن مفاجأته بالبيان الذي أصدره “ابو معاذ” ورفاقه، هكذا دون ذكر أي ألقاب خاصة بالرجل كالأخ أو المجاهد أوغيرها، وأكد البيان التوضيحي على: ((اولا: ان مجلس القيادة المذكور غير معروف من قبل الكتل التي اسست التجمع وهي لواء الاسلام وكتيبة حمزة بن عبد المطلب ولم يكن هذا المجلس موجودا قبل اصدار هذا البيان (أي بيان أبو معاذ).
ثانيا: اننا في لواء الاسلام لم نقدم طلبا بالانسحاب من التجمع لا شفهيا ولا خطيا)).
ومما يؤكد الطبيعة “الرخوة” لبيان زهران علوش خلافاً لبيان أبو معاذ الحربي، أن علوش استهل بيانه بالآية القرآنية “واعتصموا بحبل الله جميعاً” وهي بعيدة كل البعد عن دلالات الآية الحربية التي استشهد بها الآغا وكأن علوش أدرك ضعفه ويريد أن يطالب بإبقائه ضمن التجمع إلا أنَّ ما تبقى من كرامته تمنعه من المجاهرة بذلك. وهنا لا بد أن نذكر أن زهران علوش هذا تتحدث الكثير من التقارير الإعلامية عن علاقته القوية بريئس وزراء لبنان السابق سعد الحريري وبأنه يتلقى منه معظم تمويله.
وأخيراً لا بد من الإشارة إلى أن الخلافات بين أبو معاذ وزهران علوش ظهرت للمرة الأولى على الإعلام بعد إعلان لواء الاسلام مشاركته في تشكيل جبهة تحرير سورية مع كتائب أخرى منها كتائب الفاروق وألوية صقور الشام ومجلس ثوار محافظة دير الزور ولواء عمرو بن العاص في حلــب وعشرات الكتائب الأخرى. وقد أعلن لواء الاسلام أنذاك مشاركته في هذه الجبهة ليس بصفته الفردية وإنما بصفته يمثل تجمع أنصار الاسلام كله. فسارع أبو المكتب الإعلامي لتجمع أنصار الاسلام الذي يتولى الإشراف عليه أبو معاذ الآغا بإصدار بيان استهجن فيه ما سماه الاسراع في الإعلان عن انضمام تجمع الاسلام إلى جبهة تحرير سوريا واستنكر إدراج اسمه دون موافقة منه.
ويبدو أن الخلافات بدأت تتصاعد انطلاقاً من هنا، دون أن يكون واضحاً لدينا حتى الآن، لماذا رفض أبو معاذ ومعه كتائب وألوية كبيرة مثل كتائب الصحابة وألوية الحبيب المصطفى وألوية الفرقان التي تشكل مع لواء الاسلام وكتيبة حمزة تجمع أنصار الاسلام، لماذا رفض الانضمام إلى جبهة تحرير سوريا!!
ولكن أصبح من شبه المؤكد أن انضمام لواء الاسلام إلى جبهة تحرير سوريا هو سبب الخلاف بين الفريقين وتتعزز هذه القناعة عندما نلاحظ أن قرار أبو معاذ بعزل أبو عدنان من منصبه في قيادة التجمع جاء مباشرة بعد انضمام كتيبة حمزة بن عبدالمطلب التي يقودها ابو عدنان، إلى الجبهة الاسلامية السورية التي تشكلت مؤخراً.
هذه الوقائع أعلاه تؤكد دون شك، أن ثمة اصطفافاً جديداً يجري بين الكتائب والألوية المسلحة الناشطة على الأراضي السورية، وما هذه الجبهات والتجمعات التي يتم تشكيلها بين حين وآخر إلا تعبيراً حقيقياً عن هذا الاضطفاف الذي فرضته على ما يبدو عدة عوامل: أولاً تطورات الميدان العسكرية وثانياً طبيعة الايديولوجيا والأهداف التي تغلب على كل كتيبة ولواء، وثالثاً التنافسات الشخصية وصراع المصالح بين قادة هذه الكتائب والألوية ولهاث كل منهم للحصول على أكبر حصة ممكنة من كعكة التمويل والتسليح.
سيريان تلغراف | عبدالله علي – عربي برس