الصحف العربية
المنار : واشنطن وفرنسا وبريطانيا واسرائيل تبحث في تركيا سيناريوهات تدمير الدولة السورية
فيما يلي تقريرا خاصا لما يدور داخل أروقة الجهات والدول المشاركة في المؤامرة على الشعب السوري، ويتضمن التقرير طروحات وسيناريوهات تدرس بسرية تامة، في مشاورات تدور بين فرنسا واسرائيل وأمريكا وتركيا وبريطانيا في العاصمة التركية، واللافت في هذا التقرير استبعاد السعودية وقطر، ودخول اسرائيل المباشر والعلني على خط الأزمة السورية.
عنوان التقرير “فرنسا واسرائيل والولايات المتحدة وتركيا وبريطانيا في جلسات تشاور ونقاش مكثفة في انقرة لبحث سيناريوهات تدمير الدولة السورية واسقاط النظام القائم” وما يميز هذه الاتصالات عن اتصالات اخرى سبقتها واستضافتها تركيا ايضا أنها تأتي في ظل ظروف سياسية وميدانية مختلفة.
هذه النقاشات التي تم استبعاد قطر والسعودية وقيادات العصابات والمعارضة المحتضنة من الدول المسماة بأصدقاء سوريا، تأتي في ظل اجماع العديد من الاطراف على أن سوريا بدأت تغرق في حرب أهلية واقتتال داخلي خطير، وأيضا تأتي بعد الانتخابات الامريكية وفوز اوباما، وبدء ادارته بالتحضير لخطواتها الحاسمة في الملف السوري، كما جاء في التقرير المذكور.
التدخل الاسرائيلي مباشر وقوي
يقول التقرير أن اسرائيل التي كان تدخلها في الازمة السورية حتى منتصف العام 2012 تدخلا سطحيا وخجولا بعض الشيء ويقتصر على فتح المجال امام شركات السلاح الاسرائيلية لعقد الصفقات مع الدول الممولة للعصابات المسلحة وهي قطر والسعودية، انتقلت منذ منتصف هذا العام الى العمل بوتيرة متصاعدة تأخذ العديد من الاشكال وعبر أساليب مختلفة، واصبحت تتعمق اكثر في ميدان القتال داخل الساحة السورية.
لقد أدركت اسرائيل أن هناك قرارا أمريكيا قد اتخذ بالفعل بضرورة ضرب الدولة السورية واسقاط النظام السوري، وأن الاوضاع في الداخل آخذة في التوتر، ولأن الاوضاع في الساحة السورية باتت خارج سيطرة وتحكم النظام، وأنه لم يعد بالامكان اعادة العجلة الى الوراء، واسرائيل تتمنى أن يستمر القتال في سوريا لأطول فترة ممكنة بين الجيش السوري والمجموعات المسلحة، من أجل استنزاف قدرة الدولة السورية بشكل نهائي، وحتى لا تشكل خطرا على اسرائيل لعشرات السنوات القادمة.
لقاءات ومشاورات متواصلة
في ظل هذه الامنيات الاسرائيلية باخراج سوريا نهائيا من قائمة التهديدات على أمن اسرائيل الى ما يدور من النقاش حاليا في العاصمة التركية ، هذه اللقاءات التي تشارك فيها كبار القيادات الامنية والاستخبارية من الدول التي اشرنا اليها، متواصلة منذ عدة اسابيع، ومن المتوقع أن تعود جلساتها الى الانعقاد بعد انتهاء فترة الاعياد المسيحية أي في النصف الثاني من الشهر المقبل، اللقاءات المذكورة وصفها التقرير بلقاءات التفكير الاستراتيجي، وتهدف الى توقع السيناريو الافضل لمرحلة ما بعد تدمير الدولة السورية وسقوط النظام، ويحاول كل طرف اقناع الطرف الاخر المشارك بأهمية رأيه وسلامة موقفه ووجهة نظره، وعلى سبيل المثال: تخشى تركيا من تفكك الدولة السورية ، لعدة اسباب ، وبشكل خاص تلك التي تتعلق بتماسكها الداخلي ، حيث تخشى أنقرة من انتقال عدوى الحكم الذاتي الى الاقليات داخل تركيا، وهي التي تعاني منذ زمن بعيد من الرغبات الانفصالية الكردية، خاصة وأن التربة الاجتماعية التركية مليئة بالاقليات التي تشعر بالاضطهاد وترغب بالانفصال عن الحكم المركزي في انقرة.
الموقف التركي
الموقف التركي في النقاشات المذكورة، يدعو الى الحفاظ على الجيش السوري، وعدم تفكيكه والاكتفاء باضعافه وتحويله الى قوة شرطية لحفظ الحكم للنظام الاسلامي القادم، على أن يتم تطهير هذا الجيش من بعض العناصر وبشكل يتلاءم مع طبيعة الحكم القادم، وأن تستطيع هذه القوة العسكرية استيعاب المجموعات المسلحة البعيدة عن تنظيم القاعدة، وأن تكون مهمة الجيش المحافظة على الحدود مع البلدان المجاورة.
هذا الموقف التركي شهد صعودا وهبوطا طوال الازمة السورية، لكنه، لم يبتعد عن أهمية الخروج بما يجري في سوريا، وبعد اسقاط النظام بحكم مستقر على حدودها، لأن أي توتر سيكون له انعكاسات خطيرة على الداخل التركي، كما أن تركيا تسعى الى اعادة مد خيوط التعاون الاقتصادي مع الحكم القادم والعمل على تعويض ما خسره الاقتصاد التركي منذ بداية الازمة في سوريا، لكن، الموقف التركي ليس هو موقف الاغلبية في المشاورات التي تستضيفها انقرة، فانقرة التي ترغب في أن تصبح المتحكم بما يجري في سوريا والممسك بخيوط الحكم من وراء الكواليس خلف القيادات الاسلامية ، تتشابه مع حزب العدالة والحرية التركي، فالاتجاهات المشاركة الاخرى ترى بأن المستقبل في سوريا لا يمكن أن يكون ما كان عليه قبل اندلاع الازمة، وأن عملية اصلاح نسيج المجتمع السوري اصبح مستحيلا، وسيكون الدفع باتجاه تفكيكه الى شظايا دول، وحتى اذا حدثت حالة تقسيم، فهي لا تعني انتهاء القتال داخل سوريا، وانما الفوضى الشاملة مستقبلا.
تقسيم سوريا .. الموقف الامريكي الاسرائيلي
وهذا التقسيم تراه اسرائيل وامريكا الحل الوحيد للازمة السورية، فبالنسبة لاسرائيل فان سوريا تقترب من الخروج من قائمة الدول التي تهدد اسرائيل استراتيجيا وامنيا، وهي الدول الثانية بعد العراق التي ستخرج من دائرة التهديد الثانية المعادية لاسرائيل، وتحييد مصر عبر معاهدة كامب ديفيد وخروجها من دائرة الصراع، يأتي دور اسقاط الدولة السورية من قائمة التهديد الاستراتيجي على حدود اسرائيل، لذلك، تأمل اسرائيل من خلال هذه المشاورات الاستراتيجية المشاركة في تطبيق السيناريو الذي يتفق عليه لضمان استقرار الاوضاع على الحدود بين اسرائيل وسوريا، وبناء علاقات افضل مع النظام كأقصى التمنيات والتوقعات وهناك في اسرائيل من يرى أن المستقبل في سوريا هو عبارة عن اقتتال داخلي ومواصلة تفكك مؤسسات الحكم المركزي، وأنه كلما طالت مدة الاقتتال الداخلي كلما اصبحت مهمة هذه الاطراف في رسم المستقبل الذي يتم الاتفاق عليه حول سوريا مهمة سهلة، أي لن تكون هناك جهات قادرة على المواجهة، كما أن اسرائيل ترى بأن استمرار القتال سيفقد سوريا مهما كان شكلها الجيوغرافي في المرحلة المقبلة وبعد سقوط النظام الحالي، القدرة على أن تكون خصما حقيقيا لاسرائيل.
الازمة تجاوزت السقف الزمني
وتدرك هذه الجهات أن الأزمة السورية قد طالت وتجاوزت السقف الزمني الذي كانت الاطراف هذه قد حددته لهذه الازمة، وفي اطار الرغبة في اغلاق هذا الملف تصاعدت في الاونة الاخيرة العمليات العسكرية حول العاصمة السورية وفي داخلها بهدف زعزعة النظام واشغاله في مركز قيادته، وتم الدفع بعناصر ومجموعات مسلحة مختلفة نحو دمشق بهدف اثارة حالة من الفوضى والتأثير على الدائرة المحيطة بالرئيس الاسد، وتنفيذ تفجيرات ضد المؤسسات السيادية التابعة للدولة وتتمنى هذه الأطراف أن تطفو على السطح مجموعة من داخل النظام تقرر حسم مصير الرئيس السوري وتصفيته، وطوال الفترة الماضية تمنت الولايات المتحدة ومن معها أن يوافق الرئيس السوري على العروض التي القيت على بابه حتى ينسحب هو وعائلته والمقربون منه ومغادرة سوريا، لكن، هذه الامنيات لم تتحقق، وأصبح هناك دفع قوي باتجاه الحسم العسكري باستخدام المجموعات المسلحة وتزويدها باسلحة متطورة.
استحالة توحيد المجموعات المسلحة
وبالاشارة الى هذه المجموعات تجمع الأطراف المشاركة في نقاشات انقرة بأن مهمة توحيد صفوفها هو أمر مستحيل، فليس هناك أي رابط او ايديولوجية يمكن أن تجمعها، وهناك مجموعات مختارة من جانب الادارة الامريكية والجهات الاخرى الداعمة لضرب الدولة واسقاط النظام القائم ـ وهي جهات أصابها اليأس بسقوط النظام ـ أخذت تضع خططا لتزويد المسلحين بافكار للسيطرة على أماكن حيوية في دمشق، وهذا بالتأكيد يشكل الوسيلة التي دفعت المسلحين الى تحقيق بعض الانجازات على مشارف العاصمة السورية.
لكن، بعض المشاركين متخوفين من مستقبل الازمة السورية، على المدى البعيد، وتكرار ما حدث في العراق بعد الاحتلال الامريكي له، أو أن تتكرر الحالة الليبية في المدن السورية، وهذا سيكون مليئا بالمخاطر بالنسبة لاسرائيل، فالمجموعات المسلحة لن يكون بالامكان السيطرة عليها، وقد تقدم مجموعات منها متعطشة للقتال الى البحث عن ساحات اخرى، وأن تجد من يوجهها نحو الحدود مع اسرائيل، أو أن تتمكن بعض هذه المجموعات من السيطرة على الاسلحة غير التقليدية الموجودة في سوريا، وللتعامل مع هذا التحدي الكبير تسعى اسرائيل الى وضع استراتيجية مشتركة مع الولايات المتحدة للتعامل السريع فور سقوط النظام مع مخابىء السلاح حيث نجحت خلايا سرية اسرائيلية امريكية في الاونة الاخيرة من تحديد هذه المواقع، حيث تمتلك سوريا أضخم ترسانة غير تقليدية وليست نووية في منطقة الشرق الاوسط، وسوريا تعتبر هذا السلاح رادعا استراتيجيا في مواجهة الترسانة الاسرائيلية.
النظام القادم.. اخواني متزن
وهناك جهات غربية تحاول طمأنة اسرائيل، وهذه التطمينات لمستها اسرائيل أكثر من مرة خلال المشاورات الاستراتيجية الثنائية بينها وبين امريكا التي أكدت لها أن النظام القادم في سوريا سيكون بالتأكيد نظاما اسلاميا تابعا لجماعة الاخوان المسلمين، ومتزنا، وسيكون أكثر واقعية ورغبة في الاستقرار، وسوف تستفيد منه اسرائيل كثيرا، وهو نظام سيحاول أن يثبت للغرب ولامريكا تحديدا بأنه جدير بحكم البلاد وادارة شؤون الدولة، فمن جهة سيكرر ما قام به نظام الاخوان في مصر الذي سارع الى مواصلة السير على خطى مبارك في التعامل مع اسرائيل، ومن ناحية اخرى سيقوم هذا النظام بمنع أي احتكاك على الحدود، وأن الولايات المتحدة ترى أن الاخوان قوة عقلانية متزنة، قادرة على مواجهة اطراف اسلامية متطرفة بمساعدة الغرب، بالضبط كما يحدث حاليا في مصر من مواجهة بين الجيش المصري وبين قوى الجهاد العالمي في شبه جزيرة سيناء.
لكن، رغم كل هذه التطمينات الامريكية من أن الحكم الاسلامي سيكون أفضل من الحكم العسكري الذي ارتدى لباس المدنية لسنوات طويلة في الدول العربية، وأن هذا الطرف الجديد الذي يرغب في الحكم وادارة شؤون البلاد في المحيط الشرق اوسطي، سيكون اكثر انفتاحا نحو التعامل مع الغرب، وايضا سيساهم في قطع اذرع “الاخطبوط الايراني” في المنطقة، رغم كل هذه التطمينات الا ان اسرائيل كانت تتمنى اضعاف الدولة السورية عسكريا، ومحاصرتها سياسيا واقتصاديا، لكن، في ظل بقاء الاسد رئيسا قادرا على فرض اية تفاهمات يتم التوصل بشأنها معه، ومع كل ما يدور، الا أن تل أبيب ترى أن الاوضاع، ما زالت ضبابية، وحتى الولايات المتحدة رغم الجهود والوقت والمتابعة، لما يحدث في سوريا الا أنها ما زالت غير واثقة بأن المستقبل في سوريا سيكون مريحا مستقبلا، فما يحدث ويجري في سوريا مختلف تماما عما حدث في مصر وتونس، ففي هذين البلدين تمكنت قوى داخلية من مهادنة امريكا ومساندتها في خطط لتسليم الحكم للاسلام السياسي. وما حدث في ليبيا وما يحدث في سوريا هو انقلاب وتمرد عسكري بتمويل مالي أجنبي وضخ للسلاح في محاولة لتغيير نظام قائم بالقوة.
وكانت أمريكا تأمل أن تنجح في تحقيق ذلك بالسرعة الممكنة، الا أنها في سوريا لم تنجح في ايجاد أطراف في الدولة قادرة على التعاون لفترة محدودة، وتسليم السلطة الى حلفاء الغرب الجدد، واسرائيل في ظل هذا الواقع تفكر هي الاخرى بوسائل دفاعية وقائية كاقامة منطقة عازلة داخل العمق السوري بدعم غربي ومن الهيئة الدولية خاصة اذا تبين أن سيناريو الفوضى والاقتتال الداخلي هو الذي سيلازم الواقع السوري لأشهر طويلة قادمة.
تعدد الاقليات
هناك في اسرائيل من يفضل سيناريو تعدد الاقليات في الشرق الاوسط، فاسرائيل تعتبر نفسها قادرة على التعايش مع الاقليات ، وهي حاولت في الماضي العزف على هذا الوتر، وتأمل في نشوء وظهور كيانات من الاقليات تمد اسرائيل لها يد العون طمعا في صداقة معها،لذلك، تبحث اسرائيل في هذه الايام عن أرضية خصبة وعن جهات راغبة في التعامل معها من الاقليات في المعارضة السورية، لمدها بالسلاح.
ويقول التقرير أن الخاسر الاكبر من سقوط النظام السوري هو حزب الله وايران، وما تتمناه اسرائيل هو أن تطول مدة الفترة الانتقالية بين الفوضى والاستقرار التي تعيشها منطقة الشرق الاوسط، وأن لا تصل هذه الدول الى مرحلة الهدوء التام، وأن تواصل طهران عملية البحث عن حلمها النووي لأن استقرار الاوضاع في المنطقة العربية والتوصل الى اتفاق بين الولايات المتحدة وايران حول الملف الايراني يعني فقدان اسرائيل القدرة على “النحيب” والصراخ على أمنها، وخوفها من المستقبل، وعندها ستضطر الى التعامل مع تسويات تفرض عليها، وهذا يعني نهاية فصل الصراع بين اسرائيل والعرب.
سيريان تلغراف