باحثون سوريون يطورون بحثا حول عزل خلايا ثديية جذعية سرطانية من سرطانات ثدي أولية وتكثيرها وتنميطها
تمكن فريق علمي من باحثين من هيئات تعليمية وبحثية وطنية من إنجاز مشروع بحثي حول عزل خلايا ثديية جذعية سرطانية من سرطانات ثدي أولية وتكثيرها وتنميطها من شانه الاسهام في وضع الأساس الذي يمكن البناء عليه مستقبلا في توطين تقانات طبية وصيدلانية حيوية ذات تطبيقات وثيقة الصلة بتطوير الرعاية الصحية واختبار أدوية سرطانية ومنتجات صيدلانية منتجة محليا.
وتنطوي المحصلات غير المباشرة للبحث الذي تناول ( تأسيس نموذج لتقييم الاستجابة لأدوية المعالجة الكيميائية) على مكون آخر هام يتجلى ببناء القدرات لدى فئة الشباب من خريجي جامعاتنا وطلاب الدراسات العليا في كليات الصيدلة والطب والعلوم والهندسات الطبية والتقانة الحيوية الذين يشكلون كمونا معرفيا يمكن في حال تدريبه وتأهيله الوصول به إلى انطلاقة حقيقية في البحوث الطبية الحيوية الوطنية.
واستطاع كل من الدكتور مجد الجمالي والدكتورة لمى يوسف من كلية الصيدلة بجامعة دمشق والدكتور عصام قاسم من الهيئة العامة للتقانة الحيوية والدكتور ماهر سلمون من مشفى البيروني الجامعي عزل خلايا أورام أولية محضرة من نسج ورمية مستأصلة جراحيا من مريضات سرطان الثدي في المستشفى قبل ان يقوموا بتنميط الخلايا السرطانية الجذعية وغير الجذعية اعتمادا على الواسمات السطحية المعبر عنها بشكل تفاضلي بين كل من جمهرتي الخلايا وكذلك عن طريق قياس التعبير الجيني التفاضلي لمورثات نوعية، وتبع ذلك دراسة استجابة كل من الخلايا الأولية المحضرة لبروتوكولات دوائية مختلفة نوعية وتوليفية.
وبحسب الدكتور الجمالي في تصريح لـ سانا فإنه رغم بطء انقسام الخلايا الجذعية السرطانية وتضاعفها استطاع فريق العمل إكثار نسائل من هذه الخلايا اعتمادا على عمليات الزرع المتتالي اضافة إلى تجميد أعداد كافية من هذه الخلايا وحفظها في الآزوت السائل واثبات قدرتها على الحياة والتكاثر بعد عملية التجميد ما يفتح الباب أمام إمكانية تحويلها إلى خط خلوي ثابت وهو أمر قد يستغرق وقتا أطول وتقييما مستمرا لإثبات محافظتها على خصائص الخلايا الأولية معربا عن أمله في أن يتم تعظيم الاستفادة من بروتوكولات العزل والتنميط والعلاج المستخدمة في هذه الدراسة لتشمل أوراما أخرى غير سرطان الثدي.
وبين الجمالي أن أهمية هذا العمل تكمن في تطويره نموذجا بحثيا يسمح مستقبلا بدراسة استجابة الخلايا الجذعية لبروتوكولات دوائية نوعية وتوليفية جديدة كما يمكن لمحصلات هذا العمل أن تمهد الطريق لإمكانية عزل وزرع الخلايا السرطانية الجذعية الأولية المحضرة من النسج الورمية المأخوذة من مريضات حديثات التشخيص ومن ثم تحديد البروتوكول العلاجي الأكثر نجاعة في القضاء على الخلايا السرطانية الجذعية وغير الجذعية وفق آلية تشبه اختبارات الحساسية على المضادات الحيوية والتي يتم إجراوءها بعد أخذ عينات من المرضى بهدف اختيار المضاد الحيوي الأكثر فعالية وقدرةً على قتل الجراثيم الممرضة.
أما الدكتورة يوسف فاعتبرت أن من شأن هذا البحث أن يدعم القرار السريري لاختيار البروتوكول الدوائي التوليفي الأفضل لمعالجة مرضى السرطانات مشيرة في هذا الإطار إلى التوجهات العلاجية الحديثة التي تقوم على أمثلة العلاج على مستوى المريض والتي تأخذ بالاعتبار الخصوصية المرضية الفردية لكل مريض ووجود تباين في استجابة الأفراد للمعالجات الدوائية والجرعات المستعملة بحيث يتلقى المريض البروتوكول العلاجي الأنسب والأكثر فعالية وبما يحقق المحصلات العلاجية المستهدفة.
واعتبرت يوسف أن هذا البحث مثال حي على أن البحث العلمي يأتي نتيجة تضافر جهود فرق عمل بحثية قد ينتمي باحثوها إلى جهات أكاديمية وبحثية وطنية مختلفة الجامعات والهيئات البحثية وتتزايد الحاجة لمثل هذا التعاون في ضوء الظروف الحالية التي تمر بها سورية نظرا لمحدودية الموارد المتاحة لكل جهة على حدة وما تتطلبه هذه النوعية من البحوث عالية المحتوى التقاني من تجهيزات ومعدات حديثة وكوادر بشرية عالية التأهيل.
ولفتت الى ان انجاز البحث كان ثمرة للتعاون بين كلية الصيدلة بجامعة دمشق والهيئة العامة للتقانة الحيوية التي وفرت البنى التحتية والتجهيزات والكواشف بدعم مالي من وزارة التعليم العالي إضافة إلى منحة بحثية داعمة من الهيئة العليا للبحث العلمي كما تم تأمين العينات من مستشفى البيروني الذي تقدم كوادره خدمات الرعاية الصحية والعلاجات المجانية لآلاف من مرضى السرطان.
وفي هذا الإطار يأمل الباحثون أن تتسع دائرة الدعم لمثل هذه البحوث بحيث لا تقتصر على الجهات الحكومية بل تتعداها لتشمل المؤسسات الخاصة المهتمة بتطوير الصناعات الدوائية والرعاية الصحية والتي قطعت أشواطا هامة في إنتاج العديد من الزمر والأصناف الدوائية محليا وأثبتت جودة عالية استطاعت من خلالها تغطية احتياجات السوق السورية وتجاوزتها إلى التصدير للعديد من البلدان.
وتجدر الإشارة إلى أن البحث كان من بين الأبحاث الفائزة بالجوائز التشجيعية لمسابقة جائزة باسل الأسد للبحث العلمي لعام 2011 إذ نال أعلى علامة بنتيجة تحكيم البحوث المقدمة إلى المسابقة حيث تمنح هذه الجائزة لأفضل بحث علمي يتميز بالأصالة والإبداع ينجزه أعضاء الهيئة التدريسية في الجامعات.
وتم قبول البحث في عدد من المؤتمرات الدولية المرموقة مثل مؤتمر الجمعية الأوروبية لطب الأورام والمؤتمر الأوروبي لصيدلة الأورام وقدمت نتائجه في مؤتمرات وندوات محلية بجامعتي دمشق وتشرين كما انه سينشر في مجلة العلوم الصيدلانية التي تصدرها الجمعية العلمية لكليات الصيدلة بالوطن العربي.
وبحسب المعنيين في قطاعي التعليم العالي والصحة هناك ضرورة لإجراء المزيد من البحوث لتطوير بروتوكولات علاجية لمرضى السرطان رغم التوصل خلال العقود الماضية إلى تطوير العديد منها واثبات جدواها في علاج مرضى السرطانات المختلفة بما يشمل العلاجات الجراحية والكيميائية والشعاعية ونقل نقي العظام إلا أن عودة المرض أو النكس بعد تطبيق تلك المعالجات هو أمر شائع وعادة ما يؤدي إلى تردي حالة المريض الصحية وقد ينتهي به إلى الموت.
وتشير تقارير حديثة صادرة عن وزارة الصحة الى أن مرض السرطان يحتل المركز الثالث في سورية من حيث التسبب بالوفيات بعد أمراض القلب والتنفس ويعد واحدا من أكبر التحديات التي تواجه منظومة الرعاية الصحية في سورية نظرا لانتشاره والتكاليف المرتفعة للعلاجات والأدوية المقدمة إلى المرضى والتي تشكل عبئا اقتصاديا كبيرا على كاهل الحكومة التي تتكفل بتوفيرها مجانا.
سيريان تلغراف