بريطانيا تودع الفلكي الأشهر بعد ما يزيد عن نصف قرن من العطاء في “بي بي سي”
أفادت وسائل الإعلام البريطانية بأن الفلكي المعروف سير باتريك مور توفي في منزله في مقاطعة ساسيكس. ويعتبر مور أحد أشهر الفلكيين بالمملكة المتحدة وخارجها.
وقد خلّد اسمه كصاحب الرقم القياسي في تقديم برنامح واحد على القناة نفسها، هو “السماء ليلاً” على “بي بي سي”، وذلك ابتداءً من 24 ابريل/نيسان 1957، حتى آخر حلقة قدمها قبل حوالي أسبوع.
وبدأ شغف باتريك مور بالفضاء والفلك منذ الطفولة بعد ان أهدته والدته نسخة من كتاب “جي. إف. تشامبرز” حول المجموعة الشمسية، مما حدد رغبته ومن ثم خياره للمهنة التي يرغب بمزاولتها. كان باتريك الصغير يعاني من مرض القلب الأمر الذي أجبره على مواصلة تحصيله العلمي في البيت، فأصبح يقبل على الكتب برغبة شديدة ليصبح قارئاً نهماً.
لم تقتصر علاقة الفلكي الراحل بعلم الفلك على قراءة الكتب فحسب فقد ألّف العشرات منها، كما كان لأبحاثه صدىً وأثرا قويين في البرامج الفضائية في الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة.
بعد ان أمضى سير باتريك مور فترة محددة في المستشفى للعلاج من مرض القلب، تبين انه لا حاجة لبقائه هناك، وانه من الأفضل ان يعود الى منزله دون مواصلة علاج لم يكن ليؤثر في صحته إيجاباً، مكتفياً بجهاز منظم ضربات القلب الذي بدأ باستخدامه قبل 6 سنوات.
طلب مور ان يمضي ما تبقى من حياته في بيته محاطاً بأصدقائه والمشرفين على العناية به وقطته. ظل الفلكي الشهير يواظب على عمله ويزاول العمل على كتبه وبحماس كبير، في محاولة منه لتحدي المرض حتى وافته المنية.
ترك باتريك ألفريد كالدويل المولود في 4 مارس/آذار 1923 مدرجات جامعة كمبردج ليلتحق بصفوف القوات البحرية الملكية، للمشاركة في الحرب العالمية الثانية، مما مهد لحصوله على رتبة ضابط. وفقد الشاب باتريك خطيبته أثناء الحرب، وذلك بعد تعرض سيارة إسعاف كانت تقودها الى القصف بقنبلة، فظل وفياً لذكراها ولم يتزوج أبداً.
كان باتريك مور عضواً في حزب “الاستقلال” البريطاني، كما كان عضو شرف في الجمعية الفلكية الملكية. حصل على جائزة الـ “بافتا” الرفيعة مقابل خدماته في التلفزيون، كما مُنح لقب “فارس” في عام 2001.
تحدث أصدقاء باتريك مور عنه بأوصاف يبدو انها تعكس شخصيته الحقيقية، استناداً لما كان يراه مشاهدو “السماء ليلاً” في غضون أكثر من 50 عاماً. فالرجل بحسب أحد أصدقائه كان “غريب الأطوار الى حد مخيف” ومتميزاً في عاداته ويظهر في برنامجه بعدسة مفردة على عينه.
وتجلت غرابة الأطوار على الشاشة بحواجبه العالية وشعره الأشعث وثيابه غير المنسّقة، بحسب وصف قول بالاب غوش مراسل “بي بي سي” للشؤون العلمية ، الذي يقول انه “يجسد الفوضى المنظمة” وان طموحه كان بلا حدود وكان على استعداد لأن يتحدث دون توقف.
وممن أشاد بالفلكي الراحل عضو فرقة “كوين” البريطانية الشهيرة، عازف الغيتار برايان ماي وزميله في تأليف كتاب حول الفلك، الذي وصف باتريك مور بأنه صديق حميم وانه كان بالنسبة له كأب. ويضيف ان باتريك مور “لا يُعوض ولن يكون له مثيل. اننا محظوظون بأن يكون لنا باتريك واحد”.
أما برايان كوكس مقدم البرامج، والعالم في الفيزياء فعبر بمشاركة في “تويتر” عن حزنه، مشيراً الى ان مور كان السبب ببداية اهتمامه بمجال الفلك. واعتبرتيم دايفي مدير عام “بي بي سي” المؤقت ان إنجازات الفلكي الراحل فريدة من نوعها، وان جمهور باتريك مور الذي لا يُحصى سوف يفتقده.
وعبر زعيم حزب “الاستقلال” أيضاً عن مشاعره بالقول: “منذ أن إلتقيت السير باتريك لأول مرة، في مهرجان للحزب، وهو صديق وملهم لي، ليس في الحزب فحسب، وإنما في كل البلاد وعبر العالم. لقد فقدنا اليوم رجلا إنجليزيا عظيما”.
أما الدكتور ماراك كاكولا الفلكي في المرصد الملكي فوصف زميله الراحل بالإنسان اللبق والكريم الى أقصى الحدود، مضيفاً انه “عندما تقصده في بيته يحرص ان يوفر لك ما يكفيك من طعام وشراب. وكان أيضا مصدر مرح وتسلية”. ويتابع كاكولا قائلاً: “ان عدداً كبيراً من الفلكيين المحترفين مثلي، يعود اهتمامهم بالفلك إلى مشاهدتهم باتريك على التلفزيون، فتأثيره في عالم الفلك المحترف وبين الهواة لا يضاهى”.
وسوف يجتمع أصدقاء السير باتريك مور مرة أخرى في 24 مارس/آذار القادم، الذي سيصادف الذكرى التسعين لميلاده، وذلك بناءً على رغبته لاحتفاء المقربين منه وإعداد تأبين بسيط له.
سيريان تلغراف | بي بي سي