بلدنا اليوم

المسلحون ومعركة ريف دمشق .. 3 جبهات يسودها تخبط وسوء تسلح

بالأمس خرج المتظاهرون في ما تبقى من مناطق ما زالت هادئة نوعاً ما تحت شعار “لا لقوات حفظ السلام فوق أرض الشام”.

ويبدو الأمر أقرب لرفض أي تدخل دولي في الحراك الشعبي السوري، وخاصة بعد أن قرّر المسلحون أنهم لم يعودوا بحاجة لدعم عسكري خارجي في ظل ما يصفونه بـ”شراسة معاركهم” في ريف دمشق، والتي تمهد بحسب قولهم لاقتحام العاصمة وبالتالي إسقاط النظام.

حتى أن البعض وصل إلى حدّ ضرب موعد لذلك قبل نهاية العام الحالي، واعداً بأيام “حامية الوطيس” و”معارك طاحنة” في العاصمة بفضل الغنائم التي حصلوا عليها في الاشتباكات مع الجيش النظامي.

وتبدو المحصلة قتالاً مستمراً يميل لمصلحة النظام تارة والمسلحين تارة أخرى، تبعاً للقوة العسكرية.

وتبقى العاصمة كما هي في قبضة النظام وسط تخوف من معركة لن توفر شارعاً ولا حارة في الفيحاء، ومعها أنهار من دماء خمسة عشر مليون سوري مقيمين في العاصمة، ما يعني كلفة بشرية هائلة لن يحتملها أي طرف.

إذاً، بات الدمشقيون يستهلون نهارهم بأصوات القصف الصاروخي والجوي والاشتباكات على مختلف جبهات الريف الدمشقي، وتحديداً على ثلاث جبهات منه.

الأولى في داريا ومعضمية الشام حيث يقع مطار المزة العسكري، وهو أحد أهم مواقع النظام حساسية.

كما تقترب بساتين داريا من جارتها في كفرسوسة، التي لا تقل حساسية بوجود مقار مجلس الوزراء ووزارات الخارجية والداخلية والكهرباء ومبنى الأمن العسكري وأمن المنطقة.

أما الجبهة الثانية، فهي على محور الغوطة الشرقية التي تضم بلدات زملكا وكفربطنا وعربين وحمورية، وصولاً إلى دوما الحصن الأساسي للمسلحين، وحرستا التي لا يزال النظام يحتفظ فيها بمقار عسكرية وأمنية، وعمل منذ بداية الاشتباكات على تعزيز سلطته فيها، في وقت تعتبرها المعارضة قطعاً لخطوط الإمداد من الشمال إلى العاصمة.

وتدور اشتباكات الجبهة الثالثة على طريق مطار دمشق الدولي الذي يعلن المقاتلون المعارضون أنه بات هدفاً لنيرانهم مع حديثهم عن السيطرة على المطارات العسكرية المحيطة به وحديث النظام بدوره عن تعزيزات عسكرية تطوّق المطار بهدف حمايته.

وهناك جبهة الزبداني في نهاية طريق دمشق – بيروت، لكن الاشتباكات اليومية ليست بشراسة بقية المناطق.

وفي المحصلة، هناك ثلاث جبهات أساسية تحيط بالعاصمة وتجعل الدخول والخروج منها محفوفاً بالمخاطر، المترافقة مع اندلاع الاشتباكات في أي وقت، بعد أن جرت العادة على اندلاعها مع غروب الشمس.

وبالعودة إلى المقاتلين في الريف، فإن حالهم التنظيمي ومستوى التسلح يختلفان كثيراً عن حال أقرانهم في الشمال أو حتى في حمص.

فمن ناحية التسلح، تُعتبر “كتائب ريف الشام” الأضعف بحكم صعوبة إيصال السلاح لها لبعدها عن الحدود.

ورغم محاولة البعض إنشاء معامل لصنع السلاح الخفيف في بعض مناطق الغوطة، وحديثهم عن غنائم حصلوا عليها في مقرات النظام العسكرية في الغوطة الشرقية وامتلاكهم صواريخ مضادة للطائرات، لكن ذلك كله لا يرقى بطبيعة الحال للقدرة على المواجهة مع جيش نظامي يمتلك عشرة أضعاف القدرة التسليحية للمعارضة.

ويشتكي آخرون من غلبة الحماسة واللغة العاطفية الإنشائية حول أهمية الثورة والحرية على واقع ضعف التسليح و التخطيط العسكري، ما يثير مخاوف تكرار معارك الصيف التي انتهت بهزيمة ساحقة في مناطق دمشقية عدة.

ويخشى آخرون من تحول دمشق إلى حلب ثانية لجهة التخبط الحاصل وفوضى السلاح على الرغم من ضعف المقارنة بين العاصمة السياسية ونظيرتها الاقتصادية.

أما من ناحية التنظيم، فثمة اختلاف واسع أيضا، إذ تبدو سيطرة المجموعات السلفية ذات التنظيم العالي متراجعة، في مقابل تواجد كتائب ضعيفة التنظيم، باستثناء تلك المسيطرة في دوما التي ينشط فيها كل من “لواء الإسلام” السلفي و”لواء أحفاد الرسول” في محيط الغوطة الشرقية.

وتبقى “جبهة النصرة” خارج الحسابات بحكم انطوائها على نفسها وتنظيمها الدقيق وضعف حضورها في الريف الدمشقي، على الرغم من إقرار الجميع بضخامة عملياتها وابتعادها عن حرب الشوارع.

كما لا يمكن الحديث عن حاضنة شعبية للمسلحين لأنه ببساطة لم يعد هناك من مقيمين في ريف دمشق، باستثناء بعض المناطق التي تتمتع بهدوء نسبي إلى حد ما مثل جديدة عرطوز وصحنايا ومناطق جبال القلمون.

أما بقية المجموعات فتعاني تخبطا شديدا وصل إلى حد الخلاف على جدية معركة ريف دمشق، ومدى اعتبارها معركة حقيقية تعني دخولهم العاصمة على شاكلة ثوار ليبيا ودخولهم طرابلس، ومدى اعتبارها فخاً نصبه النظام السوري لاستدراج المسلحين وتجميعهم، وبالتالي القضاء عليهم.

وفي المواقع الثلاثة السابقة الذكر، يكاد يوجد إجماع على أن الدمار الذي لحق بالريف الدمشقي سيصبح أضعافا مضاعفة في حال دخولهم للعاصمة، بعد أن نجح النظام بتحسين مواقعه في قلب المدينة وتقسيمها لمربعات صغيرة يسهل عليه التحكم بها.

أضف إلى ذلك نصبه عشرات منصات المدفعية والصواريخ على جبل قاسيون المطل على المدينة وما حولها.

ويبقى الأهم وهو الكلفة البشرية الهائلة، إذ تشير التقديرات إلى خمسة ملايين سوري يقيمون اليوم بشكل أو بآخر في العاصمة، وهؤلاء نازحون من الريف في المقام الأول، تليه حمص وحلب ودير الزور، ما يضاعف عدد سكان الشام إلى خمسة عشر مليون نسمة (ثلثي سكان سوريا)، ويعني صعوبة خوض أي شكل من أشكال حرب الشوارع في المناطق الضيقة أصلا والمكتظة بالسكان، والمحاطة كذلك بمقار حكومية مدنية وعسكرية.

وهو ما يرسم صورة لمعركة إن طالت سهامها دمشق فلن تبقي ولن تذر، خاصة أن معظم الطرق المحيطة بالمنطقة سالكة بصعوبة، وبالتالي لا مجال للنزوح خارج دمشق حتى عبر الأجواء.

في سياق متصل، يقرّ بعض المسلحين بمشكلة اختراقهم من قبل النظام، بل إن بعض الناشطين وجهوا علناً، عبر مواقع التواصل الاجتماعي، نداء للناطقين باسم “الجيش الحر” للتوقف عن نشر خططه العسكرية عبر المحطات، كما فعل أحدهم على قناة “العربية” حين تحدث عن نشر قناصة في داريا، وآخر شرح بإسهاب مخطط الدخول لدمشق، بينما تنشط في المقلب الآخر شائعة استخدام النظام السلاح الكيميائي أو الجرثومي، وهو ما أصبح يتكرر مع كل نبأ عن الاشتباكات في محيط دمشق.

وقد ذهب أحدهم ليعلن بالفعل عن قصف بالسلاح الكيميائي في مناطق خارج دمشق كداريا وفي باب هود في حمص، وهو ما نفاه بشدة أغلب الناشطين والعارفين بتقنيات الغازات التي لن تبقى في مكانها، وانتشارها بالهواء هو أمر طبيعي وبالتالي ستصيب أعدادا كبيرة من السكان بمن فيهم من مناطق مجاورة.

من هنا فإن استخدامها هو خيار انتحاري لا مصلحة لأحد باللجوء إليه، بقدر ما هو حرب نفسية، الغرض منها إظهار نوع من التهويل بهدف زيادة الضغط الغربي على النظام، كما يفسرها بعض الناشطين في دمشق وحمص.

وفي النتيجة النهائية، لا تشبه معارك ريف دمشق معارك الشمال.

فهنا ثمة قدر عال من التخبط وسوء التنظيم العسكري والتسلح مشحوناً بكميات من اللغة العاطفية والنيات، التي ربما فات البعض أنها لا تكفي.

في وقت يشير أكثر ناشطي المعارضة تفاؤلاً إلى إمكان انتهاء المسألة عند حدود الريف وحدوث معجزة تنقذ دمشق من معركة قد تدمّر عاصمة الأمويين بما فيها.

سيريان تلغراف | طارق العبد – عربي برس

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock