كارثة من كوارث طائفية وحيادية العرب .. بقلم هشام الشروفي
لا يخفى على أحد بعد اليوم ازدواجية المعايير عند الحكام العرب في كيفية تعاطيهم مع قضايا شعوبهم على امتداد تاريخهم , فاذا ما مررنا بمواقف العرب في أزمة معينة وشاهدنا بعدها كيف تعاطوا مع نفس الأزمة في مكان آخر بشكل دقيق مع الأخذ بكل معطياتها سنجد أن هناك تناقض فضيع لا يمكن أن يمر على عاقل او ملم في السياسة بعض الشيء , فاذا قارنّا كيف تعاطى الحكام العرب مع قضية معارضة الشعوب لحكامها مثلا فهو خير دليل على صحة ما نقول .
ففي الرجوع الى عام 2003 وبالتحديد حرب العراق وملاحظة كيفية تعاطي العرب بسياسييهم و إعلامهم مع هذه الحادثة سنجد أن هناك مجموعة كبيرة من العرب دافعت عن (صدام حسين) بكل وضوح وقوة مدعية أنه حامي البوابة الشرقية للعرب وزعيم الأمة العربية ورفضت التدخل الأجنبي في العراق ونسيت بل تناست كل ما فعله بالعراقيين من مقابر جماعية بمجرد التظاهر في جنوب العراق وما فعله بالأكراد في شماله من قصف بالأسلحة الكيماوية وقتل علماء دين لم يحملوا السلاح في وجهه يوما وكنا نقول أن هذه الدول لم تتطلع على ما فعله صدام بالعراقيين ولكننا اكتشفنا بقائها على موقفها التحريضي والداعم خاصة من خلال محطاتها الاعلامية المعروفة التي ظلت على موقفها حتى بعد كشف المستور من جرائم النظام العراقي وحرضت العراقيين على بعضهم البعض ووضعت من تضرر وعارض صدام في خانة العمالة للأمريكيين وحرضت فئات أخرى عليه وغذت التناحر والطائفية بين العراقيين , فتناست كل هذه المصائب فقط لأن سقوطه سيعتبر نصرا لإيران التي آوت غالبية المعارضة العراقية فلها علاقة جيدة معها وبالتالي سيكون القرار السياسي العراقي ملقح بالقرار السياسي الايراني لمصلحة البلدين وهذا ما لا يعجب الكثير من العرب لأسباب طائفية , في حين اليوم يعتبر ما يقوم به نظام بشار الأسد ضد من يحمل السلاح (الا بعض الأحداث التي تقع ضمن التفاصيل التي لا يمكن على أساسها في أي حال من الأحوال اتخاذ قرار يصل الى مرحلة إسقاط هذا النظام) يعتبر ظلما ودكتاتورية واستبدادا وتغلق كل قنوات التواصل والحوار مع الحكومة السورية وهي التي لا يمكن أن تقارن بحكومة البعث الصدامي من عاليها إلى أسفلها لأن الفرق كبير بين الرئيس السوري الدكتور بشار الأسد المتفهم لما يدور حوله بشكل كبير جدا وبين صدام حسين وباقي حكام العرب هو فرق كبير جدا بل لا يقبل المنطق أحيانا أن يقارن مع بعضهم لصغر حجمه القومي نتيجة لسلبيته الواضحة في التعاطي مع القضايا العربية المصيرية , ويهاجم كل هذا الهجوم فقط لأنه لم يوقع سلاما مع الكيان الغاصب المسمى “اسرائيل” , ولأن موقفه السياسي لا يخضع لأملائات خارجية وأمريكية بالتحديد وبالتالي أصبح صديقا استراتيجيا لإيران وهذا بديهيا بحكم مبدأ”عدو عدوي صديقي” وهذا ما لا يعجب البعض أيضا بالتالي ألا يدعو هذا الهجوم الشرس على نظام بهذه المواصفات إلى التساؤل والوقوف للتأمل قليلا ؟!.
ألم يلبي النظام مطالب المعارضة مبدئيا على الأقل واعترف بعدد من احزاب المعارضة وقبل بالحوار ورفض تغييرا باسلوب تفتيتي طائفي قد لا يفجر سوريا فقط وانما كل دول المنطقة التي تتركب مجتمعاتها من نفس مكونات المجتمع السوري بالتالي ألم يكن من اكثر الأنظمة العربية انفتاحا واعترافا بالآخر؟.
أليس من الطبيعي والانساني أن يقوم العرب باصلاح هذا النظام وترميمه ودمج مطالب شعبه المشروعة مع ضرورة بقاءه وانتاج شكل جديد يحتوي موقفه وأزمته لضمان سلامة السوريين وتجنبيهم الانقسام الذي استعملته المعارضة المسلحة كورقة لتحريض طائفة معينة ضد النظام وتصوير هذا النظام على انه نظاما طائفيا وبالتالي حشد أكبر عدد من طائفة معينة ضده لمكسب سياسي وهذا هو التفتيت بعينه وهذه هي الطائفية والحرب الأهلية التي يتخوف منها الكل؟.
طيب اذا كانوا قد دعموا النظام العراقي من باب مصلحة العرب وحماية قضاياهم كما يزعمون أليس النظام السوري في زمن حافظ الأسد سابقا وفي هذا الزمن هو النظام العربي الوحيد الذي قدم لأهم قضية عربية على الاطلاق وهي القضية الفلسطينية جهدا على المستوى التسليحي والدبلوماسي الذي مكنها على الأقل من الصمود بوجه عدو الأمة بالاجماع وهو الكيان الصهيوني المستمر بعدوانيته متى ما أراد ومتى ما اشتاق لأن يشم رائحة دماء العرب؟, وهذا الجهد الذي قد يظلم اذا ما قورن بجهود العرب منذ مجيء حافظ الأسد الى هذه اللحظة هو الجهد الأفضل على طول تاريخ الدول العربية تجاه قضيتهم المحورية التي يجب ان تكون بوصلتهم التي تجذب قومياتهم وأديانهم وتجمعها في جغرافية واحدة هي فلسطين المحتلة , إذاً أليس الأفضل هو معالجة أي مشكلة تواجه هذا النظام بشكل يقوي موقفه ويزيد من ثباته ليكون العرب بقوته أقوياء أم أن للعرب أخلاقا أخرى وضميرا آخر؟!.
هشام الشروفي
(المقالة تعبر عن راي الكاتب، وهيئة التحرير غير مسؤولة عن فحواها)