مخيم الزعتري .. طاحونة معاناة .. بقلم مواطن فضل عدم ذكر اسمه
هذه القصة المأساوية التي يرد ذكرها ادناه رواها احد الاشخاص الذي فضل عدم ذكر اسمه لاسباب خاصة به والذي زار مخيم “الزعتري” للاجئين السوريين في الاردن وكتب إلى “روسيا اليوم” مايلي :
“دفعتنا ظروفنا الصعبة إلى الهرب من الوطن سورية ، بحثاً عن مكان آمن يجمع شمل العائلة. رحلة الخروج وعبور الحدود كانت طويلة وقاسية. وجهتنا كانت الأردن كونها البلد الأقرب لنا. ورغم إدراك العائلة بأن هذه الرحلة ستكون محفوفة بالمخاطر، لكنها قررت النجاة والقيام بها، بحثاً عن أمان بات مفتقدا في بلدتنا الصغيرة وبلدنا الكبير. لكننا لم نكن نعتقد بأي حال من الأحوال أن ما ينتظرنا هو أصعب بكثير مما نحن فيه. مع وصولنا الحدود الأردنية، وضعنا في مخيم الزعتري، مكان أشبه بمنفى وسط صحراء قاحلة، ناهيك عن سوء الخدمات والمعاملة غير الإنسانية التي تعرضنا لها. واتضح لنا أننا هربنا من الموت قنصا إلى الموت قهرا. وانتهاك كرامتنا الإنسانية جعلتنا نشعر أننا أخطأنا العنوان عندما جئنا الى هنا”.
هذا ما قاله لي أحد اللاجئين السوريين في مخيم الزعتري بالأردن، وبمرارة بالغة سرد لي تفاصيل وجوده وإقامته في هذا المخيم… قال: “انشققت عن الجيش، وهربت إلى الأردن، وليتني لم أقدم على ذلك. فبمجرد وصولي إلى هنا شعرت أنني فقدت كرامتي وحريتي، والشعور بالذل يلازمنا طوال الوقت، والسلطات هنا تعاملنا كمشردين”.
يمكن ان تقيس حجم الألم الذي يشعر به السوريون في هذا المخيم،فهم يعاملون كمعتقلين، و هذا المكان لا يمكن أن يصلح كمخيم لإيواء اللاجئين بل هو معتقل يحجز فيه رهائن. خلال تجوالي في المخيم نقل لي أحد المقيمين فيه الصورة التالية: قال لي “مصائب قوم عند قوم فوائد، فالأردن يحصل على مساعدات مالية كبيرة من الدول العربية والأجنبية، لكن لايصل لنا منها سوى عشرة بالمئة، والباقي تستولي عليه الحكومة، لقد وضعتنا السلطات الأردنية هنا وأخذت تتسول علينا، إنها تستغلنا للحصول على أموال كثيرة”.
لاجىء آخر انضم للحديث، وكان غاضبا جداً، قال لي: “لقد مر علينا فصل الصيف الحار بسلام، وينتظرنا الآن فصل الشتاء. وكما ترون فإن المخيم يقع وسط صحراء، والبرد سيكون قارساً جداً، وحتى الآن ورغم برودة الجو، لم نحصل على أي شكل من أشكال التدفئة، فقط البطانيات فهل تقينا من صقيع الصحراء. لا نعرف ماذا ينتظرنا…”.
جحيم مخيم الزعتري يتجاوز مقيميه إلى كل من يفكر بالقدوم إليه ولو للزيارة. لقد أخبرنا أحد الزوار عن الصعوبات التي يواجهها لزيارة أقرباء له مقيمين في المخيم. يقول هذا الزائر: ” يأتي المقيمون في دول الخليج لزيارة أهلهم ، الزيارة مخصصة هنا يومي الثلاثاء والجمعة فقط، ومن يأتي ربما يدخل وربما لا، والسبب هو كثرة الإجراءات الأمنية المشددة، كأنك تزور سجناً أو معتقلا، ناهيك عن سوء التنظيم من قبل الجهات المشرفة عليه”.
واصلت تجوالي في المخيم، وبالقرب من البوابة التقيت بشخص يهم بالمغادرة. وعندما سألته عن لقائه بأهله أجاب والدموع تنهمر من عينيه، “جئت من السعودية لزيارة والدتي المسنة وبعض أقاربي الموجودين في المخيم، إلتزمت بجميع التعليمات المطلوبة، وجاء الفرج بعد ساعتين من الانتظار حيث وصلت إلى شباك التسجيل، ولكن هناك قام الموظف المختص بطردي لأن مزاجه تغير بعد إنهائه لمكالمة هاتفية خاصة، وطلب من رجال الدرك طردي وإخراجي أنا وعائلتي التي كانت معي إلى خارج المخيم، فحرمت من رؤية أمي وأقاربي، وسأضطر للعودة لاحقاً فربما مزاج ذلك الشخص يتحسن” .. ويتابع كلامه .. “عندما تزور مجرماً في السجن تعامل معاملةً أفضل من المعاملة هنا، يبدو أن الناس الموجودة داخل المخيم تعيش في معتقل كبير… هل هم إرهابيون حتى تجري معاملتهم على هذا النحو؟ أم أننا نحن المجرمون لمطالبتنا بالحرية التي قادتنا إلى هنا.
زائر أخر يروي لنا تفاصيل معاناته هنا في المخيم، يقول: “لقد أتيت من الكويت لرؤية أهلي، أرغب في إخراجهم فوراً من هنا، وهناك الكثيرون ممن يرغبون في أجلاء أهلهم من الزعتري للعيش في شقق بعيداً عن المخيم ولكن ذلك يحتاج إلى كفيل اردني، لكن من يقبل بذلك من الأردنيين؟ وكما تشاهدون المخيم محاط بأسلاك شائكة، وحراسة أمنية مشددة وكأن هذا المخيم معتقل كبير يضم إرهابيين كالذين في سجن غوانتنامو الأمريكي الشهير. بينما هم عائلات من طبقات اجتماعية مختلفه قادها الوضع المتأزم في سورية إلى هذا القدر”.
اللاجئون هنا يحتجون وباستمرار عن ظروف معيشتهم القاسية، الكثير منهم خرجوا في مظاهرات، لكن قوات الدرك الأردنية واجهتهم بقنابل الغاز المسيلة للدموع، فيما عمد آخرون إلى إحراق خيمهم احتجاجاً على الظروف اللإنسانية التي يعانون منها. أحد اللاجئين في المخيم قال لي (نار بشار ولا جنة الأردن). سألت الموجودين إن كان أحد غادر المخيم، فأجابوا بأن هناك عدد من العائلات غادرت وعادت إلى سورية. وعند الاستفسار عن إجراءات العودة تبين أن كل من يرغب في مغادرة المخيم يستطيع ذلك ولكن إلى وجهة واحده، وهي إلى سورية، وبنفس الطريقة التي أتى بها إلى الاردن، أي بشكل غير شرعي، ما يعني تعرضه للخطر. ورغم ذلك فضل عدد من اللاجئين العودة إلى بلدهم بدلا من البقاء في الزعتري، ، ووفقاً للحدود الدنيا، فهو غير صالح لحياة البشر رغم التحسينات الطفيفة التي أدخلت عليه، ومنها الكرافانات التي لا تتسع إلا لعدد محدود جداً من اللاجئين، بل إن أقرب وصف له هو الجحيم الحقيقي فقد اصبح عنوانا لمظاهر القسوة التي تلاحق الشعب السوري عندما يطارده الموت داخل بلاده وخارجها.
أكملنا تجوالنا في المخيم وكان باستطاعتنا رؤية نظرات اللاجئين هنا، أن تزور الزعتري يعني أن تقف على نقيض الحياة ما بين عيون تبكي وعيون تدمع وأخرى تتذكر ديارها، ومن أوصلها إلى هنا!
يقول أحد اللاجئين في المخيم: “هربنا من سورية لأننا طالبنا بالحرية، ولكن تبين لنا أننا هربنا الى المعتقل.
مواطن فضل عدم ذكر اسمه
(المقالة تعبر عن راي الكاتب، وهيئة التحرير غير مسؤولة عن فحواها)