حين تضطر العمارة لدفع ثمن الحماقة
بعد عدة حوادث مؤسفة لطلابٍ من جامعة نيويورك (NYU) قفزوا ليلقوا حتفهم في الفراغ الداخلي لمكتبة بوبست (Bobst) في نيويورك, والتي صممها المعماري المعروف فيليب جونسون في نهاية السبعينيات, قامت الجامعة باتخاذ خطواتٍ سريعة لمعالجة مسألة أمان المبنى.
في البداية قاموا بتركيب جدران من مادة البليكسيغلاس بارتفاع ثمانية طوابق على طول الشرفات الداخلية للردهة الداخلية في المكتبة كحلٍ مؤقت.
ولكن عندما فشل النظام في منع حالة انتحار إضافية من الحدوث عام 2009, قامت الجامعة بالعودة إلى هيئة الرسوم في بحثٍ عن حلٍّ دائم.
وقد جاء الحل على هيئة شاشة أنيقة من الألمنيوم تحاكي القماش المخرم صممها فريق جويل ساندرس (Joel Sanders Architect), والتي من المقرر الانتهاء من العمل عليها هذا الأسبوع.
حيث أن ما قامت به ساندرس لا يعالج مسألة الأمان بشكلٍ نهائي وحسب, مع العلم أنها تشكّل تحدياً كبيراً من خلال ارتفاع جدرانها البالغ 20 قدم, بل إنه أيضاً عملٌ حساس معمارياً لفراغ الردهة الموجود أصلاً, والذي يصفه ناقد العمارة في نيويورك بول غولدبيرغ على أنه: “أحد أروع التجارب المعمارية في نيويورك.”
كما يقول الناطق باسم جامعة نيويورك جون بيكمان: “تم توجيه التصميم من خلال هدفين مزدوجين؛ خلق غشاء أمان جذاب يكون آمناً ومع ذلك نفوذاً بصرياً, وبنفس الوقت يكون متناغماً مع الردهة الموجودة والتي صممها جونسون عام 1968.”
ففي مبنىً “معماري” بهذه الروعة تكون المسؤولية كبيرة والتحدي ليس بسهل. فحتماً لم يخطر ببال فيليب جونسون, حين صمم هذا الفراغ الجامع وهذه الأدراج المتتالية والمطلة جميعها على جميع الفراغات في المكتبة, ولو للحظة أن يترك سكان نيويورك وطلابها المثقفون جميع جسورها وأسطح أبراجها ليأتوا إلى عمله الفني ويرتكبوا فيه أكبر حماقاتهم.
ولا يمكن إنكار مدى فنية وذكاء الحل المعماري البديل الذي قامت به ساندرس, فهي لم تحرم هذا المبنى قدرته على بث الهيبة والهدوء في نفس زواره, كما أنها لم تسلبه إبهاره.
ولكن أساس رؤية جونسون كانت تدور حول هذا الانفتاح والتواصل, والإحساس بانعدام الحواجز في فراغٍ ثقافي مهيب.
أما المبنى بحلته الجديدة فعلى روعته وحسن أدائه إلا أنه تحوًل رغماً عنه إلى سجنٍ جميل.
فشخصية المبنى حتماً تغيرت, ولا مشكلة في ذلك لولا أن السبب كان جنون البعض واستهتاره, بحيث أرغم المكتبة إلى اتخاذ إجراءات ما كانت لتتخذها إلا المصحات العقلية؛ فلم يتبقى إلا أن يكون المطلوب إكساء الجدران والأرضيات بالمطاط والإسفنج لمنع الطلاب من تحطيم رؤوسهم!
سيريان تلغراف