مقالات وآراء

الأزمة السورية والحرب الباردة الجديدة .. بقلم باتريك سيل

لم تعد الأزمة السورية مسألة سورية بحتة، فقد أخذت أبعادها الأوسع في 4 شباط (فبراير) حين استخدمت روسيا والصين حقّ النقض (الفيتو) في مجلس الأمن في الأمم المتحدة بهدف إحباط تمرير قرار عربي يحظى بدعم غربي يدعو الرئيس بشار الأسد إلى التنحي. فجأة، لم يعد النقاش يدور حول الصراع الداخلي على السلطة في سورية، بل بدلاً من ذلك، أشارت كلّ من موسكو وبكين من خلال استخدام حقّ الفيتو، أنهما تملكان أيضاً مصالح في الشرق الأوسط، وأنهما عازمتان على حمايتها. لم تعد المنطقة بعد الآن محمية غربية حصرية تقع تحت هيمنة الولايات المتحدة وحلفائها.

تملك روسيا مصالح منذ عقود طويلة في الشرق الأوسط، وفي سورية بالتحديد، ولا توافق الصين التي تعَدّ مستورداً أساسياً للنفط الإيراني، على العقوبات الغربية التي فُرضت على طهران، كما أنها غير راضية عن محاولات الولايات المتحدة الحفاظ على نفوذها في منطقة آسيا والمحيط الهادي. ويلوح في الأفق إمكان إعادة إحياء حرب باردة.

كانت الأزمة السورية منذ البداية شأناً داخلياً ودولياً على حدّ سواء. فعلى المستوى الداخلي، هدفت الاحتجاجات  إلى الإطاحة بالنظام، تماماً كما حصل في تونس ومصر وليبيا واليمن. وارتكب الطرفان، أي الحكومة والمعارضة ..يكمن خطأ المعارضة في اللجوء إلى السلاح حتى تتحوّل إلى تنظيم عسكري، على شكل «الجيش السوري الحر» المؤلّف منبعض الفارين عن قوات الأمن فضلاً عن مقاتلين أحرار وإسلاميين متشدّدين. كما أنها شنّت هجمات كرّ وفرّ على أهداف وأشخاص حكومية . وتتألف قيادة المعارضة المنفية من عدد من المجموعات المشتتة والمتخاصمة أحياناً، أهمّها «المجلس الوطني» السوري. وداخل هذا المجلس، تعتبر جماعة «الإخوان المسلمين» العنصرالأكثر تنظيماً وتمويلاً في المعارضة. وتبدو هذه الجماعة متعطشة الى الثأر…

أما المستوى الثاني من التنافس، فيجري على الساحة الدولية، حيث تتحدى روسيا والصين بدعم من القوى الناشئة الأخرى مثل الهند والبرازيل هيمنة أميركا في الشرق الأوسط. وبدا غضب واشنطن من هذا التحدي واضحاً حين وصفت وزيرة الخارحية الأميركية هيلاري كلينتون الفيتو الروسي والصيني بـ «المهزلة». وصعّدت الأزمة من خلال الدعوة إلى تشكيل ائتلاف دولي بغية دعم المعارضة السورية  . كما شجّعت على تشكيل مجموعة «أصدقاء سورية» بهدف نقل الأموال والأسلحة إلى خصوم النظام السوري .

وفي قلب هذا الحراك الدولي، هناك محاولة جدية من الولايات المتحدة وحلفائها للإطاحة بالنظامين الحاكمين في كلّ من إيران وسورية. إذ تكمن «جريمة» إيران في رفض الخضوع للهيمنة الأميركية في منطقة الخليج الغنية بالنفط وفي التحدي الذي يبدو أنها تفرضه من خلال برنامجها النووي على احتكار إسرائيل للأسلحة النووية في المنطقة. في الوقت نفسه، نجح كلّ من إيران وسورية و«حزب الله»، وهم شركاء على مرّ العقود الثلاثة الماضية، في تقويض هيمنة إسرائيل العسكرية. فشكّلوا في السنوات الأخيرة العقبة الأكبر في وجه الهيمنة الإقليمية الأميركية-الإسرائيلية.

واعتبرت إسرائيل على مدى سنوات، أنّ برنامج إيران النووي يشكّل خطراً «وجودياً» عليها وخطراً على العالم برمته، مهدّدة مراراً بمهاجمتها. وأدّت تصريحاتها النارية إلى ممارسة الضغوط، أو على حدّ تعبير البعض إلى ابتزاز الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ودفعهما إلى فرض عقوبات ادت الى شلل صادرات إيران النفطية وأثرت على ودائع بنكها المركزي.

غير أنّ المسألة الحقيقية تتعلّق بالهيمنة الإقليمية. ولا يشكل برنامج إيران النووي خطراً على إسرائيل، إذ تملك إسرائيل بفضل ترسانتها النووية الكبيرة وسائل كثيرة تخوّلها ردع أي هجوم محتمل. ولا ترغب إيران في المخاطرة بالدخول في نزاع نووي، مع مخاطره التدميرية عليها، إلا أنّ حصولها على القدرة النووية، حتى لو لم تتوصل الى صنع قنبلة، سوف يحدّ من حرية إسرائيل في التصرف، لا سيما حريتها في ضرب الدول المجاورة عندما يحلو لها.

وتسعى إسرائيل إلى استعادة هيمنتها الإقليمية التي تقوّضت أخيراً. فقد أخفقت في القضاء على «حزب الله» حين شنّت هجوماً على لبنان عام 2006، كما أخفقت في تدمير حركة «حماس» حين شنّت هجوماً على قطاع غزة في نهاية عام 2008 وبداية عام 2009. والأسوأ من وجهة نظر إسرائيل أنّ هذه الحرب واجهت معارضة دولية وأضرت بعلاقات إسرائيل بتركيا. وهدّد بروز جماعة «الإخوان المسلمين» في مصر معاهدة السلام التي أبرمت بين إسرائيل ومصر عام 1979 والتي كرّست الهيمنة الإسرائيلية على مدى 30 عاماً من خلال إبعاد أقوى بلد عن الصف العربي.

وتقوم إستراتيجية إسرائيل الحالية على حمل الولايات المتحدّة على شلّ إيران بالنيابة عنها، تماماً كما دفع المحافظون الجدد الولايات المتحدة إلى شنّ حرب على العراق وهو البلد الذي اعتبرت إسرائيل أنه يمثل خطراً عليها.

كما واجهت الولايات المتحدة تبعات خطيرة في المنطقة مثل الحرب الكارثية التي شنتها في العراق ونزاعها المفتوح في أفغانستان والعداء العنيف الذي تواجهه في العالم الإسلامي، لا سيما في باكستان واليمن والقرن الأفريقي. كما أنها تسعى إلى الحفاظ على نفوذها في منطقة الخليج الغنية بالنفط. ويظنّ بعض الصقور في واشنطن أنّ الإطاحة بنظام الملالي في طهران سيضع الولايات المتحدة وحليفتها اسرائيل في المقدمة.

وسمحت دول الخليج العربي لنفسها بالانجرار إلى هذا النزاع بسبب قلقها من إيران. ويبدو أنها تخشى أن تهدّد إيران النظام السياسي القائم من خلال تحريك الاقلية” الشيعية” ، فقد حذت دول الخليج حذو الولايات المتحدة وإسرائيل في هجومها على دمشق وطهران. لكن، بعد أن أدركت متأخرة أنّ اندلاع حرب إقليمية سيشكّل كارثة عليها، برزت إشارات على أنها تعيد التفكير في الموضوع.

وفي نهاية عطلة الأسبوع الماضي، أعلن وزير الدولة القطري للشؤون الخارجية خالد العطية في مؤتمر حول الأمن في مدينة ميونيخ، أنّ شن هجوم على إيران «ليس حلاًّ، وأنّ تشديد الحظر سيزيد السيناريو سوءاً. أظن أنه يجب اللجوء إلى الحوار». ويعد ذلك صوت العقل.

باتريك سيل  – كاتب بريطاني مختص في شؤون الشرق الاوسط

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock