مقالات وآراء

” الثورة ” تستلحق فرانس فانون وتعيـّن سلطانا تركيا قائدا لها .. بقلم خليل قانصو

لعلّ السمة الصادمة والمُنفـِّرة للسجال حول الأزمة السورية هي إنكار المشاركين فيه للحقائق والوقائع و المعطيات التي لا يشق غبارها . أقتضب لاقول هنا ، أن مرد هذا الموقف في رأيي، إلى الذهنية القبلية التي تجيز الغش و النفاق و الخداع و الظلم و ونكْثَ العهود ، من أجل التغلب على الخصم . و هي الذهنية التي حاول الإسلام كفاحها . و لكنها عادت و ظهرت بعد و فاة النبي العربي . وهي لا تختلف من وجهة نظري عن الذهنية التي تملي على المستعمرين ، الإستيطانيين منهم على وجه الخصوص ، تصرفاتهم و تقودهم إلى أرتكاب المقتلات . على قاعدة قناعتهم بأن الأجناس البشرية ليست متساوية ، وان الأصلانيين في البلاد التي يستمعرونها أنما وجدوا من أجل خدمة و رفاهية “الرجل الأبيض” الأعلى مرتبة . لا شك أن مشتركا فاشيستيا يربط بين القبلية والإستعمار .
وجملة القول أنه في الوقت الذي تعلو فيه الأصوات ضجيجا و صخبا ، يغرق الناسُ في بلاد الشام في بحر من الدماء . يموتون تحت ركام منازلهم أو يعانون الأمريين بحثا عن مكان يلجؤون إليه . و في هذا السياق ، لا أظن أن المؤشرات التي يلتقطها المراقب ، من خلال وسائل الإعلام العربية والغربية ، تدلُّ على أن الأمور تنحو منحى أيجابيا . على العكس أخشى ما يـُخشى أن تكون الغاية هي القتل و التدمير . فأغلب الظن أنه ، إذا أنتصرت الجماعات التي يجيّشها امراء النفط والحكومة التركية وتدعمها دول حلف الناتو ، أنهارت الدولة في سورية و أقتسم ترابها الوطني ، الطغاة و الولاة والوكلاء . بتعبير أكثر صراحة ووضوحا ، الخوف هو من خصصة العيش اليومي ،وإفساح مجال “الإكتتاب ” لشراء أسهم من الطغيان و الفساد و” الحرية و الديمقراطية “، أمام الذين يجيدون التملّق ،و يحوزون الأموال حصرا . من يعرف طبيعة الإستعمار ، لا يُقيّم الدول الغربية إستنادا إلى خطاب قادتها ، و لكن بعد النظر إلى مواقفها و سياساتها . فمن يدعم و يبرر ، الإستعمار الإستيطاني الإسرائيلي ليس بالقطع نصيرا للعدالة ومدافعا عن حقوق الناس .
أردت بهذه التوطئة أن أمهد لموضوع جعلني منذ بداية الأزمة في سوريا ، أمور في حيرة . أعني الأوصاف و النعوت التي تتضمنها سردية الأحداث بلسان و أقلام المتعاطفين مع جماعات المتمردين من جهة واولئك الذين يتشككون في أمر هذه الجماعات , و أنا منهم ، فينفون عن حراكها صفة الثورة من أجل تحرر الفرد و حقه بالمشاركة الديمقراطية في إدارة شؤون المجتمع الذي ينتمي إليه .
و ما يستوقفني في المقام الأول ، هو الزعم بأن سوريا يحتلها نظام الحكم و الفئات التي تتصدى لمقاومة المتمردين . فالقائلون بهذا يعتبرون أن السوريين يعيشون تحت سلطة المستعمرين .هذا ما حدا بأحد الكتاب السوريين الذين برعوا على الدوام ، بتوظيف المذهبية شحنا و تحريضا على المضي في القتل و التدمير ، مؤخرا على أستحضار أفكار فرانس فانون ، عن المواجهة العنيفة بين المستعمِر والمستعمَر .يفتضِح أمر أصحاب هذا الزعم عندما يذهبون ألى حد أشتراط تولية رئاسة الجمهورية إلى نائب الرئيس كمدخل للبحث عن حل للأزمة . رغم أن لا فرق بين الرئيس و نائبه ، سوى أن هذا يُصنّف بحسب المتمردين ، في مذهب و ذاك في مذهب آخر .
و من المرجح أن العصبية المذهبية هي التي أجازت للبعض تفرقة السوريين على اساس الديانات و المذاهب فضلا عن نبذ أقوام منهم و تكفيرها و قتالها بقصد الإنفصال عنها و” التحرر من إستعمارها “. تجدر الإشارة في هذا السياق إلى التماهي الملحوظ مع الحاكم التركي و الإصطفاف جهارا نهارا تحت رايته . أين الوطن سوريا ، أين العروبة ، في هذا ؟ الم تتعمد وحدة السوريين وأنتماؤهم للوطن سوريا ، بدماء آلاف الشهداء من أبنائهم ، في حزيران 1967 و في تشرين 1973 ؟ من هم الذين وقفوا معهم و من هم الذين أيدوا عدوهم ؟
وبالمقابل ، تثبت المعطيات يوميا ، صدْق الإدعاء بان سوريا تتعرض لحرب تشنها قوى أجنبية . لست هنا بصدد تبيان الغاية التي تصبو إليها دول حلف الناتو ، عن طريق الإستعانة بمشيخات النفط و الحكومة التركية ذات ” الطابع الديني” . فما أود التأكيد عليه في الواقع ، هو حقيقة الغزو . و إعتمادي هنا على ما تناهى و تنامى إلى سمع و علم ، الإنسان العادي ، من خلال و سائل الإعلام . ليس من حاجة للبسط و التوسع في تحليل أسباب تضخم الدور القطري أو تضخيمه ، و كيف كان الأمير القطري يجـرُّ أمين عام جامعة الدول العربية من مؤتمر يعقده ” أصدقاء الشعب السوري ” إلى إحتماع طارئ لمجلس الأمن الدولي أملا بأستصدار قرار يجيز للطيران الحربي الأطلسي تكرار النموذجين العراقي و الليبي ، والهجوم على سوريا . فالحصار المضروب حول سوريا ، و إقفال المجال الجوي امام طائراتها المدنية ، هما بحسب إعتقادي مؤشرات على بدء الغزو و الإستعداد لتصعيد وتيرته و تحيـّن الفرصة الملائمة لذلك . راجع تجربة العراق في الفترة التي سبقت الهجوم على الأبراج في نيويورك !
و لعل أبلغ الدلالات على حقيقة الغزو ، تلك التي يمكن أستنتاجها من وجود أعداد كبيرة من المقاتلين الأجانب في صفوف المتمردين ، جاؤوا إلى سوريا تحت ذريعة الدفاع عن المسلمين ، ضد المرتدين و الكفرة . راجع الحرب ضد الملحدين و الشيوعيين في أفغانستان ! بالإضافة إلى ذلك خذ أليك المناورات العسكرية التي تتابع تارة على الحدود الأردنية السورية و تارة أخرى على الحدود التركية السورية ، ناهيك عن أنواع السلاح و القذائف التي حصل عليها المتمردون . و أخيرا يكفي لكي نبدد الشك باليقين في مسألة الغزو، أن نذكر ما نقل عن ضابط سوري من أن المخابرات الفرنسية ساعدته عل الفرار من بلاده . ليس سرا ، بحسب وسائل الإعلام الغربية عل الأقل ، أن رجالا من مخابرات دول أوروبية ، يعملون و ينشطون على حدود سوريا مع الدول المحيطة بها (راجع حرب الكونترا) .
خلاصة القول أن الأمور تبدو منقلبة في بلاد العرب . أعلاها أسفلها . المستعمرون الإسرائيليون يزعمون أن الفلسطينيين محتلون ومشايخ النفط أوكلوا للسلطان التركي قيادة حرب الردة في سوريا ، و دول حلف الناتو تحشد عسكرها لتحرير سوريا من المستعمرين ” السوريين “، ومثقفون فاشيستيون ، لانهم قبليون متمذهبون ، يعلنون عن تنكر فرانس فانون “للمعذبين في الأرض” و لحق الشعوب في في تقرير مصيرها دون نصح و مساعدة من المستعمرين !

خليل قانصو

(المقالة تعبر عن رأي الكاتب، وهيئة التحرير غير مسؤولة عن فحواها)

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock