الاخبار : قصة أبو الحسام الذي ارسلته حماس ليقاتل في سوريا
أوردت صحيفة الأخبار اللبنانية قصة عدد من المقاتلين السلفيين في الوافدين للمخيمات الفلسطينية بلبنان والذين يأتون إليها قبل المغادرة إلى سوريا للقتال فيها، مشيرة إلى احتمال ضلوع حركة حماس بإرسال هؤلاء.
وقال تقرير الصحيفة:
مرّ رجل ملتحٍ بالقرب من مجموعة فتيات محجبات في أحد أزقة مخيم برج البراجنة. يغطي الرجل عينيه بيده، يدير وجهه باتجاه الحائط، ويكمل سيره مسرعاً كي لا ينظر إليهن. تتبادل الفتيات نظرات الاستغراب: «هو ليس ابن المخيم حتماً!» يقول بعضهن لبعض. ففي بيئة محافظة كالمخيم، لم تصل حالة التشدد إلى هذه الدرجة من التزمت، وخصوصاً أن المكان أشبه بالقرية الصغيرة التي يعرف الكل فيها أولاد الكل، ولا يجرؤ أحد على التحرش بـ«عرض» الآخر. فما كان من إحدى الفتيات إلا أن هرعت إلى والدها، ناقلة الحادثة بتفاصيلها، لينقلها الأخير بدوره إلى اللجنة الأمنية، فيأتيه الجواب سريعاً: «الرجل سلفي»، بهذا القدر فقط.
هكذا، لم يعد وجود الإسلاميين في المخيمات حكراً على عين الحلوة وحدها، مع أن الأخير يبقى القاعدة الأساسية لهم. ففي الأشهر الماضية نمت مجموعات سلفية في مخيمات بيروت، وخصوصاً برج البراجنة وشاتيلا، بكثرة. وقد جاء بعض هؤلاء من مخيمات سوريا وعين الحلوة وشكلوا نواة لمجموعات سلفية، بعضها تبشيري وآخر جهادي. أبناء المخيم لم يمانعوا وجود «الأوادم»، كما كانوا يصفونهم في ما بينهم. لكن مع تصاعد حدة الأزمة في سوريا وانعكاسها على كل شيء في المخيم، تحول هؤلاء من «أوادم» إلى «محرضين على الجهاد ضد النظام النصيري في سوريا». الفصائل الموجودة في مخيم البرج راقبتهم، لكن من دون التحرك ضدهم، عكس ما جرى سابقاً مع «فتح الإسلام» الذين طردوا من البرج بعد تخوف الأهالي والفصائل منهم؛ إذ إن الزمن الحالي هو زمن الإسلاميين والسلفيين، وأغلب الفصائل تحاول أن تنأى بنفسها عنهم. فحركة حماس «تطنش» عن وجودهم، بينما تتخوف الجبهة الشعبية ــ القيادة العامة من استهدافهم كي لا يقال إن «فصيلاً مؤيداً لسوريا يستهدف الإسلاميين، ما قد يوتّر الجو في المخيم» كما يقول أحد أنصار القيادة العامة.
ومع حضور الإسلاميين إلى مخيم البرج، ازدادت أعداد الجوامع والمصليات فيه، وتحولت بيوت بعضهم إلى مراكز لإعطاء دروس دينية وتثقيفية، وللتحريض على «الفريضة المنسية»، أي الجهاد. بالإضافة إلى ذلك، ازدادت أعداد المريدين لهم، وخصوصاً لدى فئة الشباب.
كل هذا التشدد الديني جرى من دون اعتراض أحد. أما السبب فهو بسيط؛ فالمخيم كان مقسوماً بين اثنين لا ثالث لهما: «إما حشاش وسكرجي، وإما إسلامي آدمي، لذلك كنا نفضل أن يعاشر أولادنا الأوادم»، حسب ما يقول حسام أبو السعيد، الذي كان ابنه يتابع إحدى هذه الحلقات الدينية.
لكن مع تطور الأزمة في سوريا تغير كل شيء بالنسبة إلى أبناء المخيمات؛ إذ إن ابن حسام أبو السعيد، أحمد، المنتمي إلى حركة حماس، أصبح يرى في النظام السوري «نظاماً نصيرياً يجب الجهاد ضده»، كما نقل والده وعمه إبراهيم أبو السعيد عنه. هذه التعابير استرعت انتباه أهل الشاب، فطلبوا منه التوقف عن متابعة الحلقات الدينية، وخصوصاً أن «تعبئته كانت تعبئة لشخص انتحاري، ولم تكن طبيعية» يقول عمه. ففي منزل أفراده يساريون ينتمون إلى الجبهة الشعبية ولا وجود لمثل هذا «الحديث الطائفي»، يقول والده. لكن مشكلة أهل أبو السعيد لا تقتصر على حديث ابنهم. فمنذ يومين اتصل أحمد بعمه ليبلغه أنه «مسافر إلى اليونان للعمل هناك». لكن أبو السعيد عرف أن ابن شقيقه يكذب؛ لأنه في الشهرين الماضيين «اختفى» عدد من شبان المخيم، وأغلب «المهاجرين» ينتمون إلى تنظيمات إسلامية أو لمجموعات سلفية مستقلة. أهل هؤلاء قالوا إن أولادهم سافروا للعمل في الخارج، وذلك بسبب تخوفهم في حال عودتهم من اعتقال مخابرات الجيش لأبنائهم.
عاد عم الشاب إلى منزله، فوجد جواز سفر أحمد ومقتنياته على حالها، فعرف انه توجه إلى سوريا للمشاركة في القتال هناك. حينها، دقت العائلة ناقوس الخطر، وبدأت بإجراء اتصالات بمسؤولي حركة حماس، متهمة إياهم بإرسال ابنهم إلى سوريا للقتال. الحركة نفت إرسالها الشاب إلى سوريا نفياً قاطعاً، وقال مسؤول الحركة في المخيم لعمّه إن «أحمد كان يتابع حلقات مع مجموعات سلفية، لكننا استقطبناه منذ ثلاثة أشهر». اتصالات العائلة لم تنحصر بمسؤولي الفصائل الفلسطينية فقط، إذ تواصلت العائلة بمخابرات الجيش وحزب الله، طالبةً منهم سجنه في حال الإمساك به.
أول من أمس، اتصل أحمد بعمه قائلاً له إنه على الحدود التركية! لم تتجاوز مدة المكالمة الدقيقة الواحدة. حاولت العائلة معاودة الاتصال، لكن ليس من مجيب. هكذا، انصبّ غضب العائلة على حركة حماس وعلى الإسلاميين رغم نفي الحركة مسؤوليتها. لكن عمه يؤمن بضلوع حماس في القصة، ويقول إن أحمد «لن يذهب إلى سوريا بقرار فردي، فهو ملتزم القرار الحزبي وتكليفه، ولو لم يوجهه أحد لما ذهب، وما يؤكد ذلك ذهاب صديقه الحمساوي معه». هنا يتدخل والده ويقول إن ابنه «كان يستعد للزواج، وكان يطلب من الدهان والسنكري إنهاء عملهما بسرعة لأنه على أبواب الزواج، وفجأة اختفى! لذلك لا بد من وجود محرض». تأسف العائلة لتبدل «ساحة الجهاد» بالنسبة إلى الفلسطيني، ويقول عمه: «لو أرسلوا أحمد للقتال في فلسطين لاحتفلت ووزعت الحلوى، لكن إرساله إلى سوريا أمر مرفوض». يضيف: « أن يرسلوه إلى حيث تقف أميركا وقطر والسعودية في صف واحد، فهذا استحمار». لكن رغم تأكيده سابقاً، يعود العم للتشكيك بعلاقة حماس بموضوع إرسال ابن أخيه، ويقول: «ربما أرسلته المجموعات السلفية الموجودة في المخيم إلى هناك، ولا علاقة لحماس في ذلك، لكن على استخبارات الجيش التي تعرف الشاردة والواردة في المخيم اعتقال تلك المجموعات».
من جهته نفى مسؤول حركة حماس في لبنان علي بركة للصحيفة «إرسال عناصر من المخيمات للقتال في سوريا» مؤكداً ضرورة «تحييد المخيمات في سوريا ولبنان عن الأزمة السورية». ويضيف قائلاً إن الذين «ذهبوا إلى سوريا لا ينتمون إلى حركة حماس، وهي حالات فردية لا يتجاوز عددها في المخيمات أصابع اليد الواحدة، لذلك يجب عدم تضخيم الأمر إعلامياً؛ إذ إن هناك بالمقابل مئات من المقاتلين اللبنانيين والعرب يقاتلون في سوريا».
سيريان تلغراف