تحقيق تلفزيوني فرنسي .. هل يضخِّم الاستثمار جسد الضفدع القطري إلى حجم ثور ؟
“هي الضّفدعة الذي تُريد أن تكون في حجم الثّور”، “هي رأس إبرة على خارطة الكرة الأرضية وتُوجد في آخر لائحة البلدان من حيث المساحة والسكان لكنها تمضي لكي تصبح أحد أقوى دول العالم”، هكذا علّق مُشاهدو برنامج “عين على العالم” حول الطّموحات اللامتناهية للإمارة الخليجية الصغيرة، بثّته قناة “فرانس2” ليلة الإثنين بمناسبة ذكرى مرور عشر سنوات على انطلاقها.
تحت عنوان “ما هي اللعبة التي تلعبها قطر؟” ومن خلال سبعة تقارير صحافية، يقُودنا البرنامج إلى استكشاف المزيد عن “هذه الإمارة التي تغطيها الصحراء والتي تصل مساحتها بالكاد إلى مساحة جزيرة كورسيكا الفرنسية ولم يمض على وجودها أكثر من ستين عاما، ولكنها تُسارع الزمن من أجل ضمان بقائها، تحسبا لزمن قد تنضب فيه مواردها الطبيعية”، كما يقول مُعدّو البرنامج.
مُحاولة فكّ رمُوز منطق قطر
يُحاول البرنامج على مدى ما يقرب من ساعتين فكّ رمُوز المنطق الذي يتحكم في الاستثمارات القطرية اللافتة في العديد من القطاعات وفي مُختلف أنحاء المعمُورة، وهي أول مصدر في العالم للغاز المسال الذي تستمد منه معظم ثروتها وسلطتها.
يقول أحد التّقارير”إنها ثروة كبيرة تتيح لها المُضي نحو طموحات كبيرة وعملاقة في جميع القطاعات، وخاصة الرياضة، الواجهة العالمية لهذه الرغبة”.
ويُذكّر التّقرير بأنه “بفضل هذه الثّروة، يبلغ مُعدّل دخل الفرد في قطر ضعف معدل دخل الفرنسيين ويُعتبر المواطنون القطريون من بين الأغنى في العالم”.
ويُضيف التّقرير “فالإمارة التي تضاعف من استثماراتها في الخارج، تُظهر كذلك السخاء مع مواطنيها: الصحة والتعليم والمياه والكهرباء … كل ذلك يتم توفيره مجانا ودون دفع أي ضرائب. فكم هم سعداء هؤلاء القطريون!”.
ويتناول تقرير آخر “النّهضة التّعليمية” في قطر التي “لا تنوي أن تظل مُجرّد مُنتج للمواد الخام، لكنها تهدف إلى أن تصبح مرجعا في خلق ‘مجتمع المعرفة’ الحديثة، لذلك استوردت قطر الجامعات الرائدة وكبار العلماء”.
وخصّص البرنامج تقريرا لسبر أغوار قناة الجزيرة، “القُوّة الضّاربة للنظام القطري الشّمُولي واللاعب الرئيسي في الثورات العربية”.
وهناك تقرير عن إقتحام قطر مجال الرّياضة، “القوة النّاعمة التي تهدف قطر من وراءها الفوز بالعقول”، من بابه الواسع. فتحدّث التّقرير عن “مُفاجئة” فوز قطر بتنظيم نهائيات كأس العالم لكرة القدم 2022 وعن “استيلاءها” على نادي باريس سان جيرمان الفرنسي وعن “اختراق مجموعة الجزيرة الفضائية للمشهد الإعلامي الفرنسي”، وكذلك عن الجدل الذي أثارته في فرنسا الطّمُوحات غير المحدودة للإمارة الخليجية الصغيرة.
وتحدّث التّقرير عن العديد من المشاريع الرّياضية الفرعونية الحالية والمُستقبلية في قطر. والمُفارقة المُضحكة-المُبكية هي أنه، بحسب التّقرير، “أمام عُزوف القطريين عن الذهاب للملاعب، وحتى لا تبقى المُدرّجات خالية، يقع اللّجوء إلى … العُمّال الآسيويين لحثّهم على الدّخول مجانا، لملء الفراغ. وهكذا يتحوّل العُمّال إلى مُجرّد ديكور.
شهيّة الغُول القطري
ثُمّ يُسافر مُعدّو البرنامج بالمشاهد بعيدا، ليحطّوا الرحال ببريطانيا، القوة الاستعمارية السابقة، حيث اختارت هذه الإمارة الاستثمار في قطاع العقار، وبفرنسا، حيث لعب صندوقها السيادي في العديد من القطاعات والآن في الضّواحي الفقيرة والمُهمّشة.
لكن بريطانيا وفرنسا ليستا البلدين الوحيدين اللذين يُحفّزان شهيّة قطر التي لا تقتصر استثماراتها على العقار والشركات المتعددة الجنسية.
فقطر تقوم كذلك بشراء آلاف الهكتارات من الأراضي الزراعية الخصبة في أستراليا ـ بلغت إلى حد إعداد التقرير إلى 250 ألف هكتار ـ لـ”ضمان أمنها الغذائي في المستقبل، خاصة من القمح والثروة الحيوانية”.
ويقول التقرير إن الذراع الاستثماري الزراعي لهيئة الاستثمار القطرية، “حصاد للأغذية المحدودة”، أصبحت تُثير شُكوك ومخاوف الأستراليين من “الغزو القطري المُتزايد”.
ويُذكر أن حزب الخُضر وبعض المستقلين في البرلمان الأسترالي كانوا قد طالبوا الحكومة بتشديد لوائح الاستثمار الأجنبي في الأراضي الزراعية الأسترالية.
ويقول التقرير إن “حصاد للأغذية المحدودة” تتطلّع الآن للاستثمار في الأراضي الزراعية في شرق أوروبا وآسيا وإفريقيا. ويتساءل مُعدّو البرنامج “إلى أي مدى ستصل شهيّة الغُول القطري؟”.
تستثمر لتبقى على وجه الأرض
ويتحدث باسكال بونيفاس، وهو أحد أبرز المحللين الإستراتيجيين الفرنسيين، في أحد التقارير فيقول أن “شهية الإمارة الخليجية الصغيرة تجاه الرياضة الدولية ليست فقط لإرضاء حبها للرياضة، لكن قطر اختارت الدبلوماسية الرياضية حتى تبقى على الخارطة. فهي تستثمر بنهم لكي تبقى”.
وعلّقت الكاتبة كونستونس جامي في صحيفة لوفيغارو تحت عنوان “الحلم الذي يراود قطر” بالقول “إذا كانت قطر تربط مصيرها بالعديد من الأمم، فلأنها بحاجة إلى ضمان بقائها على وجه الأرض، وسط جارتيها القويتين إيران والعربية السعودية”.
وأضافت الكاتبة أن “المال دون رؤية لا طائل منه، لكن قطر لها فعلا رؤية. وهذه الرؤية تبدو طموحة جدا وتجعل هذا البلد الذي لا تتعدى مساحته مساحة جزيرة كورسيكا، يستثمر في كل الاتجاهات”.
واختمت كونستونس جامي قائلة “لكن يبقى معرفة ما إذا كانت إستراتيجية هذا البلد سوف تصمد أمام الواقع لتصبح ربما نموذجا يُحتذى به”.
وكانت صحيفة “كريستيان ساينس مونيتور” الأميركية قد أشارت مُؤخّرا في تقرير لفليكس إيمونتي تساءل فيه الكاتب “كيف يُمكن لهذا القزم الثري للغاية، المُحاصر بين السعودية وإيران، أن يُحقّق الأمن والرّخاء لمُواطنيه البالغ عددهم ربع مليون نسمة؟”.
وأجاب الكاتب “ببساطة، أن يكون لديه بلد آخر أكثر قوة وصرامة من أجل حمايته”. وتابع بقوله “بالطبع، لا شيء دون مقابل. والثمن هو أن تسمح قطر للولايات المتحدة بأن يكون لديها قاعدتين عسكريتين في هذا الموقع الإستراتيجي”.
* في إشارة إلى حكاية “الضفدعة التي أرادت أن تكون كبيرة بحجم الثور من كتاب “الخرافات” للأديب الفرنسي، جون دي لافونتين، من القرن السابع عشر، والتي استبد بها الحسد والغرور، فراحت تنتفخ لتكون في مثل حجم الثور، حتى انفجرت.
سيريان تلغراف