المواطن العربي مادّة قابلة للاشتعال .. وسوريا القطبّ المتجمّد الثالث في العالم .. بقلم بلال فوراني
حين أشتعلتّ النيران في جسد البوعزيزي انتقل الحريق بقدّرة قادر الى البلد كله
فنجمَ عن هذا الحريق ثورة اندلعتّ في البلاد وأشعلتّ الأخضر و اليابس بعود ثقاب بشري
وهنا بدأ مهرجان الخطابات النارية و الهتافات المزركشة بشرارات الحريّة والديمقراطية
و تعاظم زفيرها و امتدّ لهيبها لينتشر مداً شعبّي لا يهدأ أجبرَ بن علي الى التخلي عن وسائل التبريد المعتادة
ولم تنفعهُ كل قطع الثلج التي سكبها على رؤوس شعبه التي تصدّعت من كلمة ” الآن فهمتكم “..؟؟
ترى لماذا في بقية البلدان لم تتفشّى نظرية الحريق هذه وموضة ” ولّعني ولّعني “
رغم أننا أكثر شعوب العالم عشقاً للتقليد الأعمّى والرقص مع الأغبياء في أيّ حفلّة
ترى هل بقية البلدان لا تملك شخصاً مثل بوعزيزي يكون كبشّ الفداء في شرارة الثورة
تقدمهُ كأضحيّة مشويّة تفوح منه رائحة الظلم والذلّ والفقرّ والتعبّ والقرفّ والزهقّ
أم أن الوقود في هذه البلاد اسعارهُ صارت مرتفعة حتى تخاذلوا عن سكبهِ على الفاضي
أم كان الامر حرصاً منهم على البيئة و نضالاً ضد الهدّر تماشياً مع المثل
” خبّي وقودك الأبيض ليومك اللي مشّ فايتّ “
أم أن تونس فقط تختصّ بهذه الميزة الفريدة في خرقّ قوانين الصبر وحرقّ المواطنين
أم أننا لا نملك فعلياً في أراضينا تونسياً كي نحرقهُ على ترابنا فتشتعل الثورة
رغم أن السفارات التونسية ليست بعيدة عن متناول أيدينا وعلبّ الكبريت متوافرة بكثرة ..؟؟
ترى لماذا اشتعلتّ طرابلس ليبيا ولم يشتعلّ مواطن واحد فيها
هل كانت السماء تتآمرّ عليهم فأتت بفصل الشتاء على غير موعده مثلا
أم أن القذافي الذي لا تجوز عليه إلا الرحمّه قد تنبأ بنشرة المساء الجوية وعرف أن هناك غرباء قادمون
وربما لأجل هذا صرخَ فيهم صرختهِ المشهورة والتي صارت مدعاة للسخرية والتنكيت … ” من أنتمّ ” ..؟؟
في الوقت الذي قامت قناة الجزيرة لا بارك الله فيها على توجيه خطابه الى شعبهِ وليس الى الغرباء
لايهامنا بأن هذا المجنون يقتلّ شعبه في الوقت الذي كان شعبه على وشكّ أن يموت على ايدي هؤلاء الغرباء
لقد تنبأ القذافي بالطير الأبابيل القادمة كما يحلو لبعض شيوخ الفتنة أن يطلقوا على طائرات الناتو
وعرف المصير المحتوم والقادم على شعب ليبيا بأكمله لأجل هذا صرخ فيهم “من أنتم ؟؟”
أنتم الآن يا سادة عرفتم من همّ .. ولكن هل كنتم تعرفون قبل الآن من أنتم ..؟؟
ترى لماذا اشتعلتّ ساحة التحرير في القاهرة ولم يشتعل دمّ أحد من الأخونجية
ولماذا في ختام الثورة العظيمة هذه قام مجموعة من ذوي اللحى المأجورة باغتصابها
وأعلنوا عليها القصاصّ وركبوا بحرها العريض حتى استقرت سفينتهم في قصر الرئاسة
ونزل نوح يبارك لشهداء الثورة مقتلهم وتضحيتهم ويكتب لهم بكل غباء أتمنى لكم التوفيق
ان كان الأموات يتمنى لهم التوفيق فماذا سيتمنى لمن بقوا أحياء بانتظار موتهم أو نحرهّم
وماذا نقول في مهرّج أخونجي يدّعي أن أكبر انجازاته عهدهِ أن صار سعر المنجا رخيصا
وهو الذي لا يستطيع أن يتمالك نفسهُ عن حكّ عضوه الذكرّي في حضرة امرأة سافرة
ولكنه بعيد جداً عن حكّ رأسه المعلوف بالأفكار الأخونجية كي يطردّ براغيثّ التخلف المعشّشّة فيه
تُرى هل قامت الثورة هذه باشعال فتيل الكذبة الكبيرة لانتفاضة شعبّ عريق على طاغية فرعوني
كي يأتي ساحر أفاقّ يلبس ثياب الدروشة ويده مغموسة في دمّ الشهداء الذين سقطوا في ساحة التحرير
ويقول لهم هذا عصّر النهضة ..وقد صدقَ هذا الكاذب حين قام بعصرّ النهضة كلها حسب الطريقة الاسلامية …؟؟
ترى لماذا اجتمعتّ دول العالم قاطبة مع رعاية الدول العربية على اشعال ثورة في سوريا
لماذا الاصرارّ الشديدّ على اشعال عود ثقاب في سوريا غصباً عن كل أجواء الطقس الباردة
لماذا جمعوا حطبّ السعودية كله وجاؤوا بأبي لهب من قطر كي يقدحوا شرارة الثورة السورية
ولماذا استعانوا بحمّال الحطب أردوغان و الممثل المشهور كي يقوم بدور بائعة الكبريت
هلّ أمريكا الأم الحنون والعطوف للإرهاب تريد ضمّ سوريا الى حضنها درءاً للبرد
هلّ فرنسا بلد الاستعمار صارت تجمع لنا الفروّ تحسباً للصقيع القادم من لسعات الخيانة
لماذ لم ينتفض كلّ الشعبّ كرهاً في هذا الصقيع ومقتاً من الثلوج الهاطلة بغزارة
ولماذا لم تستطعّ الجزيرة والعربية رغم مهارتهما في اشعال الفتنّ على شاشاتها
أن تقنعّ العالم بأن سوريا تحترق وشعبها يشتعل وأرضها تلتهبّ وقائدها قد تفحمّ
لماذا رغم مرور سنة ونصف وأكثر على ما يسمّونه الثورة السورية ما زالت نيران شرعيتها خامدة
برغم ضخّ الغاز القطري والنفط السعودي والنفخّ التركي ومع ذلك ما زالت هامدة
برغم كل المسرحيات الهزلية التي تسمّعها من القنوات عن سوء التخزين السوري
و رغم كل الدخان المتصاعد من بعض التافيهن خنقاً للحقيقة و ليعمّوا أعيننا عن رؤية الواقع
و رغم كل روائح الشياط والحرق المتعمدّ كي ينالوا حظاً في دفء الحكومة والنظام
ورغم كل الخراب الذي افتعلّوه في البلاد ورغم كل القتلّ الذي مارسوه على العباد
ومع ذلك ظلتّ سوريا عصيّة عن الحرائق الكبيرة
ظلتّ سوريا بعيدة عن أهداف الربيع العربي
ظلتّ سوريا منيعة على الشواء الخارجي
وستظلّ هكذا
لأن الكون كله أشتعلّ كي يحرقّ سوريا
في الوقت الذي صارت فيه سوريا
القطبّ المتجمّد الثالث في العالم ….؟؟
\
/
على حافة الوطن
المثقفّ الذي يهللّ للثورات المشتعلة بالنفط الخليجي وعود الثقاب الصهيوني
هو مثقفّ مأجور لا يملكّ أن يكون أكثر من داعية اسلامي أو محللّ سياسي على قناة الجزيرة ..؟؟
بلال فوراني
(المقالة تعبر عن رأي الكاتب، وهيئة التحرير غير مسؤولة عن فحواها)