السفير : دول الجوار تدق جرس الإنذار حول تداعيات الأزمة السورية
مع دخول الأزمة السورية في حلقة مفرغة من دون مخرج في المدى المنظور، بدأت دول الجوار تطرح تساؤلات جدية حول جدوى استمرار تسليح المعارضة السورية من دون تصور عام يؤدي إلى مرحلة انتقالية، والدافع الرئيسي لهذه الهواجس هو تدفق اللاجئين السوريين والاضطراب الداخلي الذي تتركه التطورات السورية على هذه الدول.
الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك هذا الأسبوع كانت فرصة لدول الجوار أن تطرح هواجسها، سواء في اللقاءات الثنائية أو الاجتماعات مع الجانب الأميركي، أو مع قيادات الأمم المتحدة في الملف السوري. تحدثت «السفير» خلال الأسبوع مع ديبلوماسيين عرب وغربيين ومسؤولين في الأمم المتحدة، فضلوا عدم الكشف عن هوياتهم، لفهم تصور المجتمع الدولي حيال ما يحدث في سوريا هذه الأيام.
البداية من مهمة موفد الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية الخاص إلى سوريا الأخضر الإبراهيمي. هناك ارتياح عام من توليه المنصب، رغم القيود المعروفة على طبيعة عمله سواء في مجلس الأمن الدولي أو على الأرض في سوريا أو الدول الإقليمية.
وتقول مصادر ديبلوماسية، تتابع عن كثب الملف السوري، إن الموفد الخاص السابق كوفي انان كان يقول ما يريد قوله لكن بأسلوبه الخاص، أي بسلاسة تحترم موقف الشخص أو الطرف المعني. التزم أنان بأفكاره وبخطة عمله لفترة 6 أشهر أدار خلالها الملف السوري من دون حتى أي مقابل مادي لخدماته في مرحلة بدت كأنه يحاول فيها «إسقاط تجربته في كينيا» عام 2009 على الأمر الواقع السوري.
الإبراهيمي يأتي بعقلية أخرى و«بحساسية» أكثر إلى البعد العربي لهذا الملف، نظراً لتجربته في الثورة الجزائرية وفي الأمم المتحدة. ويتحدث ديبلوماسي آخر عن الشعور بالارتياح الذي تتركه شخصية الإبراهيمي في الاجتماعات، حتى مع غياب أي تصور لديه في هذه المرحلة، لا سيّما أن عبارة واحدة يكررها الإبراهيمي في كل اجتماعاته «ليس لدي خطة، أنا هنا لاستمع».
لوجستياً لا يزال الإبراهيمي في مرحلة انتقالية خاصة به بعد شهر على توليه المنصب رسمياً. الأمم المتحدة تعمل على تصفية مكتب انان الذي أقامه في جنيف، وهناك قرار بنقل مكتب الإبراهيمي إلى القاهرة، وهناك تساؤلات كثيرة حول ما ستعني هذه الخطوة بالنسبة إلى دور الجامعة العربية في الأزمة السورية، لا سيما ان الإبراهيمي عمل في الفترة الأخيرة كرئيس لجنة مستقلة لمساعدة الأمانة العامة للجامعة العربية على تطوير عملها. خلال مقابلة مع «السفير» في تشرين الثاني الماضي، تحدث الإبراهيمي عن ضرورة حصول التغيير بالتوافق بين السوريين بمساعدة عربية ومن دون تدخل أجنبي.
وتدل المؤشرات على أن الإبراهيمي لا يزال ثابتاً على رؤيته هذه. ويقول مطلعون على عمله إنه على عكس انان يركز في هذه الفترة على الداخل السوري ليحاول فهم ماذا تريد الأطراف المعنية، وما هي الخطوات التي يمكن اتخاذها. ويركز الإبراهيمي الآن على بلورة صيغة لمرحلة انتقالية من دون أن يكون لديه اي إفراط بالأمل، لأنه مدرك ان هناك اشتباكاً سياسياً أوسع بين روسيا والدول الغربية. وبالتالي يسعى إلى بلورة إجماع سوري وإقليمي ودولي على صيغة مرحلة انتقالية، ليس بالضرورة ان تدعمها كل هذه الأطراف، بل على الأقل لا تعترض عليها او ترفضها.
وبعد الانتهاء من أعمال الجمعية العامة في نيويورك، سيبدأ الإبراهيمي جولة إقليمية ستشمل سوريا ولبنان والأردن والسعودية، ولا تفكير حتى الساعة بزيارة طهران، لكن لا تستبعد المصادر حصول هذه الزيارة في مرحلة لاحقة. الإبراهيمي حتى الآن كان صريحاً وجريئاً في مواقفه، بحيث وجه رسالة إلى النظام السوري من نيويورك هذا الأسبوع بأن وقت الإصلاح انتهى وحان وقت التغيير، كما لديه تحفظات على أداء المعارضة وعدم قدرتها على توفير البديل عن النظام. ووعد الإبراهيمي ببوادر تصور جديد بعد عودته من جولته الإقليمية.
البعد الثاني في التحديات التي تواجه الإبراهيمي هي طبعاً «الحرب الباردة» الناعمة بين موسكو وواشنطن. خلال فترة تولي انان شهدت أروقة الأمم المتحدة، بحسب ديبلوماسيين، تلاسناً قوياً بعبارات حادة بين مندوبة الولايات المتحدة لدى الامم المتحدة سوزان رايس ونظيرها الروسي فيتالي تشوركين. الآن هناك على ما يبدو هدنة بين الطرفين، في وقت لا تزال فيه موسكو متمسكة بموقفها العام من التطورات السورية، وتعتبر أن الدول الغربية استهانت بموقفها السابق من الثورة في ليبيا، لكن موسكو أكدت خلال لقاءات نيويورك أنها غير مستعدة لتحمل تبعات الفوضى التي قد تنتج عن سقوط النظام السوري.
أميركا طبعاً لا تزال حائرة في أمرها حيال سوريا، والانتهاء من الانتخابات الرئاسية الأميركية قد لا يعني بالضرورة حصول أي تغيير جذري مع بداية العام الجديد. كما تتزايد الأصوات، داخل الإدارة الأميركية، التي لا تعتقد باحتمالات الحل الديبلوماسي وبنفس الوقت تمتنع الإدارة عن تبني فكرة التدخل العسكري.
لا يمكن المبالغة في قراءة معاني استقالة فريد هوف من وزارة الخارجية لأنه أمر طبيعي في أي بيروقراطية، لكن يجب الإشارة إلى أن هوف كان حامل لواء فكرة دعم «المجلس الوطني السوري» داخل الإدارة. ومن جهة أخرى هناك السفير الأميركي لدى سوريا روبرت فورد الذي يرى الأولوية في التركيز والحوار مع المعارضة في الداخل، حتى لو كان يقتصر هذا الأمر على برنامج «سكايب» عبر الانترنت. وبالتالي سنرى على الأرجح في المرحلة المقبلة تركيزاً أميركياً على دعم المجالس المحلية داخل سوريا، وتفكيراً بطرق إرسال مساعدات أميركية إليها بالتزامن مع مساعدة المعارضة السورية لاستيعاب تحديات المرحلة الانتقالية، باعتبار أن سقوط النظام حتمي حتى لو ليس هناك معرفة بعد لكيفية حصول هذا السيناريو.
وتستغرب مصادر ديبلوماسية الاعتراض الأميركي على تشكيل «الرباعية» من مصر وتركيا وإيران والسعودية لمحاولة حل الأزمة السورية، أو على الأقل احتوائها. وتعتبر أن الموقف الأميركي يبدو كأنه يطرح فكرة مساعدة طهران على تسوية الوضع السوري مقابل تساهل دولي محدود معها في الملف النووي. لكن ترى هذه المصادر أن عدم تبلور هذه التسوية يعود الى سببين، الاول هو الاكتفاء الأميركي بالتلميح الغامض وغير المباشر حول هذا الطرح، والثاني عدم «وصول الرسالة الى الجانب الثاني من الهاتف»، في إشارة الى عدم وجود تواصل مباشر إيراني – أميركي وعدم وجود رغبة إيرانية بتبني هذا المخرج نظراً لتمسك طهران بالنظام السوري حتى الآن.
البعد الآخر هو البعد الإقليمي للأزمة السورية. ومن دون أي تنسيق مسبق بينهم، طرح كل من لبنان والأردن والعراق الهواجس ذاتها في نيويورك، كلٌ بحسب وضعيته الداخلية وبحسب تداعيات التطورات السورية على استقراره. المعلومات الأميركية تشير إلى 350 الف لاجئ سوري في دول الجوار، بعدما كان العدد حوالي 50 ألفاً قبل ستة أشهر.
لبنان طرح موضوع دخول المتطرفين الأجانب نتيجة الفوضى السورية، ومصادر عراقية تقول إنها أيضاً طرحت هواجس مشابهة حول انعكاسات الازمة السورية على الحدود العراقية. كما سمع الوفد العراقي تلميحاً من الإبراهيمي حول مسألة نقل الأسلحة الإيرانية إلى النظام السوري عبر الأجواء العراقية من دون الحديث عن اتهام مباشر. الأردن كان لديه أيضاً مواقف متقدمة، وكان على الأرجح الأـكثر قلقاً من تدفق اللاجئين والسلاح وحاجته الى الدعم المالي لاستيعاب اللاجئين مثلما هو حال لبنان أيضاً.
وخلال كل هذه الاجتماعات الثنائية على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة كان هناك للمرة الأولى تحفظ متزايد عربي وغربي على مواصلة إمداد المعارضة السورية بالسلاح بالطريقة العشوائية التي تحصل فيها، والتي تنعكس عدم استقرار على دول الجوار كما تترك تساؤلات حول مصير هذا السلاح بعد سقوط النظام.
سيريان تلغراف