اليأس …عندما يصيب “أصدقاء سوريا “ .. بقلم أحمد الحباسي
على طريقة بعض البرامج الاجتماعية التلفزية التي “تشتغل” على الدموع و المشاعر الإنسانية لكسب نسبة المشاهدة و الإيحاء بكونها توصلت إلى لم شمل من فرقتهم الأيام أكتشف العالم فجأة و دون مقدمات أن لسوريا ” أصدقاء” لم تكن “تعرفهم” و لا ندرى هل كان ذلك عقوقا منها أم عن حسن نية.
في كل الأحوال كسبت سوريا في هذه المعركة المصيرية التاريخية أصدقاء لم تكن تتصورهم بهذا الوفاء و هذا الصمود مع اقتناعها بأن علاقات الدول هي مصالح قبل كل شيء و كسبت معرفة “فصيلة الدم” لبعض من يريدون زواج المتعة بصداقتها على حساب شرفها و هذا الكسب الثنائي الغير منتظر في الحقيقة هو الذي يشكل اليوم دعامة الانتصار السوري.
يجب أن تكون متابعا يوميا جيدا للإحداث السورية لتنتبه إلى حقائق كثيرة يفرزها الصراع في سوريا بين النظام و بين المشروع الصهيوني القديم الجديد و أهم هذه الأحداث على الإطلاق ما نراه و نسمعه من تصريحات غربية من ” الأصدقاء” في كل المنابر و الجلسات المغلقة و العلنية تبين حالة من الإحباط و الفتور الشديد بل هناك بالتحديد حالة من التخبط في الرؤية و في الأهداف و في كيفية مواصلة التعاطي مع أزمة لم يتصورها ” الأصدقاء” بهذا التمطط في العرض و الطول.
ما الفرق بين سوريا و ” الأصدقاء” ؟
لا شك أن سوريا كدولة قد تضررت أضرارا مادية و بشرية فادحة لا تقدر بثمن ستترك أثارا عميقة على الجانب الاقتصادي و الاجتماعي و لا شك أن هذه المعركة الفاصلة قد عرت هشاشة النظام في مواضع كثيرة و لا شك أن النظام قد نبهته الأحداث المتصاعدة إلى أخطاء كثيرة كان مسكوتا عنها من إدارة بيروقراطية محنطة و لا شك بالنهاية أن هذه الأزمة الرهيبة قد أفادت النظام في كيفية بلورة سياسة اقتصادية و اجتماعية و إعلامية مختلفة عن السائد الذي تسبب في جانب من هذا الاحتقان الشعبي الذي ” تسلمته” دول العداء لسوريا جاهزا على المفتاح كما يقال لتصنع منه قنبلة انشطارية تلظى بها المجتمع السوري..
رب ضارة نافعة … بصــرف النظر عن سلمية التظاهــرات من عدمها في أول “المشوار” و بصرف النظر عن الاستجابة السريعة للنظام فانه لا بد من الإشارة إلى أن طول الأزمة هو الذي عرى مواطن الخلل في الجسم السوري و لو قبلت المعارضة في البداية الحلول المطروحة لبقى الخور و كل عاهات المجتمع و الإدارة و السلطة متخفيا مسكوت عنه ينخر الجسم و هذا ما جعل الجميع يقتنع أن هذه الأزمة مفيدة و يمكن البناء عليها لنحت سوريا بوجه أكثر التصاقا بالواقع و العالم.
مع أن الشعب السوري كان مريدا للإصلاح و للحريات العامة في غالبيته العظمى فان فطنته الأخلاقية و السياسية قد نبهته من أول وهلة أن مطالبه المحقة التي خرج من أجلها قد سرقت و تم اختطافها بل أنتبه أن من يقوم بدور ” المساند الرسمي” للثورات العربية العدو الصهيوني و بعض الفقاقيع الخليجية المتهورة هو من يقوم بدور الأم تريزا “الخيري” و لذلك رأى العالم انكفاء الأغلبية الشعبية عن مطالبها للاهتمام بما هو أوكد و بما هو مستهدف من العدوان و هو الوطن السوري الحامي للجميع و هذا الشعور العفوي هو من حفظ في نهاية الأمر وحدة سوريا و مصيرها وعدم سقوطها في براثن الخونة و الإرهابيين.
بين شعب و جيش متمسك ببلده بأسنانه و بين عصابات إرهابية مسلحة مأجورة تتقاضى “عمولاتها” بالسعودي و القطري… بين قيادة متبصرة على قدر عال من “الدم البارد” و بين كثرة ” الرياس”- أعنى رموز المؤامرة- سقط المركب الخيانى و تاه في معارك و مناكفات جانبية فضحتها الوسائل الإعلامية لننتهي إلى أن لكل من “أصدقاء سوريا” شيطانه و لكل منهم أهدافه و لكل منهم خفاياه.
عندما يتذكر الانسان وتيرة و نبرة خطاب ” الاصدقاء” فى بداية الحراك و كم التهديدات المنفعلة و ذلك الزبد الهائج من هنرى كيسنجر الشرق داوود أوغلو و نسمع نبراته الحزينة المنهكة الخائرة و هو ينعى للعالم فى الجمعية العامة للامم المتحدة مشروع الشرق الاوسط الكبير الذى طالما نظر له صاحب النظارات السميكة و الضحكة “الفارغة”… عندما نسمع باراك أوباما يردد اسطوانته المكررة بأن الحل هو “ذهاب” الرئيس الأسد إلى خارج بوابة المقاومة مع أنه يدرى أن الانتخابات الرئاسية على الأبواب و هي التي ستذهب به إلى مزبلة التاريخ كواحد من الرؤساء الأمريكان الأكثر نفاقا و سكوتا عن الحق الفلسطيني… عندما يقترح مترهل قطر بين تبويسة لخالد مشعل و أخرى لإخوانه الصهاينة …تشكيل قوات حفظ سلام عربية على اعتباره – لاحظوا معي- المخرج الوحيد من الأزمة السورية بعد أن كان ” الطلب” القطري منذ البداية هو …نسألك الرحيلا… عندما يكتفي ” السردوك” الفرنسي فرنسوا هولا ند بمعاينة ” الحالة” و الاكتفاء بجرعات اسبيرين… عندما يقفز برهان غليون على الاقتراح القطري بعد أن كان يعطيك ظهره عند سماع الحديث عن حل سلمى مهما كان برعاية الرئيس الأسد…عندما يتراجع مرشد الإخوان محمد مرسى عن عنترياته في مؤتمر عدم الانحياز ليمهد الطريق إلى حل تحت الرعاية السورية لنظام الأسد…عندما يجتمع أكثر من 20 فصيلا من معارضة مشتتة تنطق في كل الاتجاهات و تستقر على أن التدخل الأجنبي خط أحمر…عندما يستيقظ سعود الفيصل سيجد أن صلاة “الاستخارة” لرحيل الأسد لم تقبل…
نبراتهم تدل أن الجماعة يستعدون للرحيل كل الى مكان لان العظم السورى لم يكن طريا كفاية ليمضغ من أسنان مهترئة مصددة.
غدا بالتأكيد ستجدههم أكثر طوعا و ليونة…أكثر قبولا بصورة الرئيس الأسد..أكثر قبولا بزيارة الرئيس الأسد…أكثر قبولا بالحل على طريقة الأسد…
لان حساب الحقل لم يلاق حساب البيدر فهم يتساءلون في جنون..يحتارون..يتقلبون…
غدا مع من سأكون…
دعهم يتساءلون فهم واهمون…دعهم يتنابزون و بينهم يختلفون… دعهم يتخاونون…
دعهم لان الصخرة السورية ستكسر بعض السنون… هم هكذا مخطئون و من العمالة و الغدر لا ينتهون.
احمد الحباسي | بانوراما الشرق الاوسط
(المقالة تعبر عن رأي الكاتب، وهيئة التحرير غير مسؤولة عن فحواها)