سوريا التي صنعت مجد العروبة .. لماذا يسعى العرب لتدميرها .. بقلم د . مضر بركات
عِلم الفلك السوري هو الأساس في كل ما تنعم يه البشرية من مبتكرات علمية.. وكما هو أصل المعرفة العلمية، هو كذلك أصل التأمل الذي ولدت الفلسفة من رحمه، فكانت سوريا رحماً ولدت منه الديانات السماوية.. نعم علم الفلك السوري هو أبو الفلسفة وأبو العلوم، بخلاف ما يزعم الآخرون الذين عاشوا عصوراً من التوحّش في حين كان السوريون قد اخترعوا الأبجدية، وينقشون الرقم الفخارية ويدونون الحقائق التي تفسر الوجود، ومنها ولدت مقومات الحضارة الإنسانية..
السوريون وثّقوا أنهم أول من بحث في السماء عن علاج لمشكلات الحياة على الأرض..
دوّن السوريون ما توصّلوا إليه من معارف فلكية، نشأت عليها معارفهم الفلسفية، وضعوا رموزاً تبسيطية لتدوين هذه المعارف.. فكانت النجمة السداسية رمزاً من رموز الحضارة السورية قبل مولد الديانة اليهودية بآلاف السنين..
هذه النجمة السداسية، بحكم رمزيتها الدينية وما تحمله من معاني، أضحت رمزاً في كل الديانات، حتى ظهور الدين الموسوي (اليهودية)، ولم تختلف رمزيتها في الإسلام، ولا أدلّ على الأمر من كونها غدت أهم وحدات منطق ما يسمى الزخرفة الإسلامية، رغم ما يبدو الآن من جهل أو تجهيل لمعانيها الفلسفية في الفكر الإسلامي.. النجمة مكونة من مثلثين، الأعلى يحمل معنى الخير المطلق، والآخر المقلوب يرمز لمعنى الشر المطلق، ولكلٍ من رؤوس المثلثين الستة حكاية.. ولهذا تفسير فلسفي من الممتع والمفيد الاطلاع عليه..
بعد ظهور المذاهب الإسلامية المتخالفة في طبيعة التفسير والتأويل، تم طمس معظم المراجع التي لم تتوافق مع المذهب الذي فرضه الأمويون في فقه الدين.. فابتعد مفهوم الدين والعبادة عن الفلسفة المتصلة بالأصول التي اتفقت عليها مفاهيم المعرفة السورية القديمة..
في هذه المعمعة الفكرية المذهبية، انحصرت أصول المعارف ببعض العارفين الذين تناقلوها سراً في ظل سطوة سياسيي الدولة الإسلامية التي حكمها بنو أمية.. أما خارج سلطة الدين الإسلامي فقد انحصرت هذه المعارف بطبعية الحال في طبقة العارفين (الكهنة) من أتباع الديانات الأخرى.. ومنهم اليهود الذين اتخذوا من الشمعدان السباعي رمزاً لديانتهم، إذ كان رمز أيام الخلق السبعة..
وبقي الأمر على هذا الحال إلى أن اغتصبت رمزية النجمة السورية السداسية من قبل الصهيونية، وباتت رمزاً لدعوتهم، حتى في نظر عامة المسلمين الذين لم تعد تعني لهم سوى وحدة أساسية في فن الزخرفة.. وفيما بعد باتت تعرف على أنها (نجمة داوود) كما روّج لذلك دعاة الصهيونية..
غياب المعرفة بحقيقة معاني ورموز الحضارة السورية، بدأ على يد أعداء الفكر والمعرفة في الدولة الإسلامية الثانية.. وفي أجواء المذهبة والتكفير التي لفّت الدولة الإسلامية لعصور طويلة، والتي كان أسوأها وأكثرها ظلمة تلك الأربعمائة سنة الأخيرة التي تسلط على الحكم فيها خنازير العثمانيين..
أما صهينة بعض هذه الرموز والمعاني، فقد حصلت في عصر الجهل والتجهيل الرهيب بالفلسفة المعرفية خلال حكم العثمانيين، رغم أنهم استخدمو بعضها، كالنجمة السورية السداسية، في كافة الزخارف التي زينوا بها دور العبادة الجميلة التي شيّدت في عهدهم القبيح..
الرقم الحجرية والفخارية التي اكتشفت في سوريا تحتوي على كم مذهل من المعلومات.. هي مكتبة هائلة ثريّة بكل معنى الكلمة.. عثر فيها على كل ما اقتبسه فلاسفة وعلماء وباحثين غربيين ونقلوا أغلبه على أنه من مبتكراتهم الخاصة.. خصوصاً فلسفة العلوم وعلم الفلك.. ومن الطريف ما يتحدث به تاريخ الأوروبيين الحديث عن أسطورة الخلق مثلاً.. فالفيلسوف الألماني الذي ادعى أنه واضعها في ثلاثينات القرن الماضي كان قد (لطشها) عن ترجمات الرقم الفخارية السورية التي سرقها الفرنسيون من سوريا خلال احتلالهم للمنطقة..
إن جهل البعض بمصدر المعرفة لا يعني أنها حق مسجل للصوص الذين نهبوا تاريخنا في عصر الغفلة الذي ساد مجتمعنا تحت حكم الدولة الإسلامية بكل عصورها ومراحلها..
حين كانت شبه الجزيرة العربية مرتعاً لرعاع الحياة من القبائل المتناحرة، لم يكن لديهم من معالم الحضارة إلا ما وصلهم من سوريا الفينيقية التي ابتدعت المعارف حين كانوا يعيشون على الصيد والغزو في صحرائهم..
بعد البعثة المحمدية، قامت الدولة الإسلامية الأولى في الحجاز على أيدي الخلفاء الراشدين، بدت هذه الدولة في تلك الأرض تماماً كأشجار نخيلها، تنتصب باسقة، لكنها عرضة لتقتلعها الرياح، إذ يستحيل على جذورها أن تجد ما تتشبث به في تربة الصحراء الرملية الهشة..
في عهد الخليفة الرابع، بات طمع بني أمية بالحكم كالريح الشديدة تعصف بهذه الدولة، فاقتلعت النخلة وساقتها بعيداً عن رمال الصحراء الهشة، إلى أن لقيت مغرساً صلباً في العراق.. حيث كانت المنطقة تنعم بموروث الحضارة السورية الممتدة من الشام إلى بلاد فارس..
حينها توجه بنو أمية من صحرائهم في الحجاز إلى الشام، لعل ذلك كان لما عرفوه عبر علاقاتهم التجارية القديمة عن قوة وصلابة تربة الشام التي ما زالت تحمل الحضارة المتجذرة فيها كسنديانها الفينيقي العتيق، وكأعمدة مدينة تدمر التي قاد أهلها العالم لعصور..
استثمر بنو أمية أموالهم وقوتهم العسكرية وتحالفاتهم للسيطرة على الشام وقبائلها التي كانت ما تزال مثخنة بالجراح من معارك الرومان والفرس على أرضهم..
هكذا دخل هؤلاء الأعراب إلى سوريا.. وهكذا فرضت اللهجة القريشية بديلاً للهجات سوريا الآرامية، وهكذا قام هؤلاء الأعراب بإلباس سوريا بلباسهم الصحراوي الذي طبع المنطقة بالكثير من طباعهم التي فرضوها بقوة السطوة، حتى بات العالم كله يعتقد أن السوريين هم بعضٌ من شعب الصحراء وبعضٌ من أولئك الأعراب، الذين فعلوا تماماً كما يفعل الصهاينة الآن مع كل ما هو فلسطيني.. فحتى (الفلافل) و(الكنافة) الفلسطينية باتت تباع في شوارع أوروبا على أنها وصفات من المطبخ اليهودي..، تماماً كما بات العالم يعتقد أن (المسمارية) أول أبجدية في العالم هي من اختراع العرب..
أعراب الصحراء سكنوا الشام التي كانت حينها بيتاً عامراً له أساسات متينة، بموقعها الاستراتيجي كمعبر للقوافل بين الشرق والغرب، وتعامل العالم كله معهم على أساس الموقع الجيوسياسي لسوريا التي كانت منبع حضارة العالم، فكان وجودهم فيها بحد ذاته من أهم دعامات رسوخ دولتهم لعصور تالية..
السوريون الذين صنعوا أسس حضارة العالم، هم الذين صنعوا ما تدعي العروبة فخرها به اليوم وما يدعي الأعراب أنهم صنعوه في التاريخ..، وهاهم العرب اليوم يسعون لتدمير سوريا.. فأي عروبة تلك وأي عرب هؤلاء..!
هؤلاء هم بقايا حثالة من بقي في الحجاز بعد الدولة الإسلامية الأولى، ومن بقي هناك بعد رحيل الدولة الإسلامية إلى العراق والشام، ليسوا سوى الخدم والرعاة ويهود خيبر وبنو قريظة وقينقاع، ومن نراهم في تلك الصحراء اليوم هم أحفادهم الوهابيون التكفيريون المتصهينون، آل سعود الذين دمروا أضرحة الصحابة ودمروا ما بقي من الإسلام في تلك البلاد..، وغيرهم من قطعان عائلات القرباط الآخرين الذين اعتادوا أن يكونوا كآل سعود خدماً كما يؤكد تاريخهم، وها هم يتابعون سيرتهم الأولى، خدماً للصهيونية التي نصّبتهم حكاماً على صحراء النفط.. تحيا سوريا ويحيا شعبنا السوري العظيم..
تحيا سوريا ويحيا شعبنا السوري العظيم..
د. مضر بركات
(المقالة تعبر عن رأي الكاتب، وهيئة التحرير غير مسؤولة عن فحواها)