وول ستريت جورنال : إقامة نظام دفاع صاروخي في قطر وابتزاز دول الخليج وتوتير الوضع مع إيران
كشفت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية أنّ البنتاغون يعمل على بناء محطة رادار للدرع الصاروخي في موقع سرّي في قطر، كما على تنظيم مناورات ضخمة ستكون الأكبر في الخليج، وذلك كجزء من تسريع الاستعدادات لاحتمال الحرب مع إيران، علماً أنّ محطة الرادار تأتي لاستكمال النظام المصمّم للدفاع عن مصالح الولايات المتحدة وحلفائها كـ»إسرائيل» والدول الأوروبية ضدّ الصواريخ الإيرانية، في وقت أشاروا إلى أنّ المناورات، التي تقام هذا الشهر، ستكون أول التدريبات المتعدّدة الأطراف في المنطقة.
محطة رادار أكس باند
ان اختيار البنتاغون لموقع المحطة، في قطر ليس لأنها احتضنت دائماً القاعدة العسكرية الأميركية الأكبر في المنطقة، والتي تضمّ أكثر من ثمانية آلاف كتيبة. بل لأنّ رادار المحطة المعروف ب«أكس باند رادار»، يكمّل رادارَي محطتين مماثلتين موجودتين في صحراء النقب ووسط تركيا. وهذه الرادارات الثلاثة مجتمعة تشكل قوساً بإمكانه اعتراض أي هجمة صاروخية قادمة من شمال أو جنوب أو غرب إيران. وستكون المحطة موصولة ببطاريات مضادة للصواريخ المنتشرة في المنطقة وبالسفن الأميركية المزوّدة بأجهزة استشعار للصواريخ على ارتفاعات شاهقة، كما يقدم «أكس باند رادار» صوراً تسمح بالتقاط الصاروخ وهو لا يزال في الجو.
وفي سياق متصل، كشف خبراء في القيادة العسكرية الأميركية – الوسطى، التي تشرف على الحشد العسكري المضاد لإيران، عن التحضير لنشر أول محطة دفاع لاعتراض الصواريخ المحلّقة على ارتفاعات شاهقة، والمعروفة باسم «ثاد»، خلال الأشهر المقبلة في الإمارات العربية المتحدة. علماً أن البنتاغون أبلغ لجان الكونغرس أن بناء المحطة في قطر سيستكمل الشهر الحالي، وسيكلّف 12.2 مليون دولار لأجل منصة الرادار والطرق والثكنات والتدابير الأمنية.
وكان مؤتمر «أمن الخليج العربي.. الحقائق والاهتمامات» الذي ينظمه مركز البحرين للدراسات الاستراتيجية والدولية والطاقة، بالتعاون مع المعهد الملكي للدراسات الدفاعية والأمنية، قد شكك في نوايا الولايات المتحدة بالالتزام بأمن الخليج العربي، بعد إعلان وزير الدفاع الأميركي نقل 60% من قوات الأسطول الخامس في البحرين إلى منطقة المحيط الهادئ. رغم انّ الحشود العسكرية وتطور الأحدات التي تسارعت بشكلً غير مألوف في الخليج، أدت الى معطيات جميعها تتقاطع للوهلة الأولى عند اقتراب حصول مواجهة مع إيران: والتطوات على الشكل التالي:
تحرك الأساطيل الأميركية في الخليج
1 – تنتشر 3 حاملات طائرات أميركية تعمل بالطاقة النووية حالياً في الشرق الأوسط. هناك حاملتا الطائرات «يو أس أس آيزنهاور» و«يو اس اس انتربرايز» في الخليج وبحر عُمان. الحاملة «آيزنهاور» ترسو مع كامل مجموعتها الهجومية في البحر الأيوني (شمال البحر المتوسط) تحت القيادة المشتركة للأسطولين الخامس والسادس، قبل أن تعبر مع 4 قطع بحرية من مجموعتها الهجومية البحر الأحمر باتجاه الخليج. حاملة الطائرات الأميركية الثالثة «أبراهام لنكولن» تتوجّه إلى مرفأ انطاليا في تركيا، في زيارة مقرّرة منذ 6 أشهر.
ومع وصول حاملة الطائرات الفرنسية «شارل ديغول» في آب إلى الخليج (قبالة سواحل دولة الإمارات)، وتوجّه الحاملة الأميركية «يو اس اس نيميتز» أيضا إلى نطاق عمليات الأسطول الخامس (المسؤول عن العمليات في الخليج)، سنشهد خلال شهر من الآن انتشار 5 حاملات طائرات في المنطقة، 4 منها أميركية، في آنٍ، علماً أن أمراً صدر من البنتاغون بتسريع انتشار الحاملة «نيميتز» في الخليج (قبل 4 أشهر من الموعد المقرّر سابقاً، تمهيداً لسحب الحاملة انتربرايز، لكن سرعة عملية الانتشار والتبديل بحدّ ذاتها تدعو إلى الاستغراب).
وبالإضافة إلى حاملات الطائرات، هناك المجموعة الهجومية «يو اس اس أيوا» مع وحدات المارينز الرابعة والعشرين في البحرين بمرفأ «خليفة بن سلمان».
2 – وقعّت شركة «رايثون» الأميركية للصناعات العسكرية عقداً بقيمة 338 مليون دولار مع وزارة الدفاع الأميركية (صفقة استثنائية) لتسليم 361 صاروخ «توماهوك» المعروف بمداه الطويل، ودقته الكبيرة وبرأس متفجّر كبير يمكنه أن يسبّب ضرراً بالغاً لأهداف محصنة أيضاً. وسيتمّ تجهيز 238 من هذه الصواريخ لتكون صالحة للإطلاق من على متن غواصات، في حين ستجهّز البقية للإطلاق من على متن مدمّرات صواريخ من طراز تلك الموجودة لدى الأسطول الخامس في البحرين. كذلك طلبت البحرية الأميركية أخيراً 17 ألف عامل على جهاز «سونار» لكشف الغواصات المعادية، مباشرة بعد توقيع صفقة الـ«توماهوك».
3 – يجري الأسطول الأميركي السادس هذه الأيام مناورة «نسيم البحر» في البحر الأسود، على أن تختتم نهاية الشهر الحالي. وتشارك 18 دولة من بينها تركيا وأذربيجان في المناورات، أما «إسرائيل» وقطر والإمارات فتشارك بصفة «مراقب». من أهم التدريبات في هذه المناورات «نزع الألغام» البحرية وعمليات الإنقاذ.
4 – وصلت القطعة البحرية الأميركية «يو أس أس بونس» إلى مقرّ قيادة الأسطول الخامس في الجيش الأميركي في البحرين. و«بونس» هذه أشبه بقاعدة عسكرية عائمة على سطح الماء، وتحمل على متنها 900 بحار. وكانت في البداية سفينة نقل برمائية مزوّدة بجسر لإقلاع الطوافات، لكن في نيسان الماضي، تقرّر تحويلها إلى قاعدة عائمة للدعم اللوجيستي لكلّ أنواع العمليات، إذ تشمل مهمّاتها إزالة الألغام، دوريات خفر السواحل، نقل قوات خاصة، عمليات رصد واستطلاع، مهبط طوافات، وعمليات إغاثة.
5 – ويضمّ الأسطول الأميركي، المنتشر حالياً في الخليج، أيضاً أربع طوافات مخصّصة لمكافحة الألغام البحرية طراز «سيكورسكي 53 سوبر ستاليون». (وهو رقم مرتفع قياساً إلى عدد هذه المروحيات النوعية).
6 – يضم الأسطول الأميركي المنتشر في الخليج حالياً 8 كاسحات ألغام (إضافة إلى 4 أخرى أوروبية)، وهو أيضاً عدد مرتفع نسبياً. (العدد الإجمالي لكاسحات الألغام في الأسطول الأميركي 19 كاسحة).
7 – دفعت البحرية الأميركية إلى مياه الخليج عشرات الغواصات الصغيرة غير المأهولة «ثعالب البحر» التي يجري التحكم فيها عن بُعد والقادرة على التعامل مع الألغام البحرية. هذه الغواصات مجهّزة بكاميرات تلفزيون خاصة وبجهاز «سونار» القادر على تحديد مواقع الألغام البحرية وتدميرها بواسطة شحنة تفجيرة صغيرة.
ابتزاز دول الخليج
لذا ربط الأميركيون عملية نشر منظومة الردع انطلاقاً من ان الصواريخ الإيرانية لا تهدّد فقط الأمن الخليجي، بل الأمن الاستراتيجي للولايات المتحدة الأميركية. وتحدث خبراء غربيون أخيراً خلال أزمة منظومة الدرع الصاروخية التي كان الأميركيون ينوون إقامتها في شرق أوروبا، عن أنّ الأميركيين اكتشفوا أنه بالإمكان إقامة هذه المنظومة بحراً مع انتشار القطع البحرية العسكرية الأميركية في بحر الشمال، وبحر البلطيق، وفي أعالي البحار، لكنهم يفضلون عملية الانتشار براً في منطقة الخليج بما يجعل دولاً خليجية تطمئن اكثر. مع إضافة غرضين أساسيين:
أولاً: تأكيد الحضور العسكري الأميركي كضامن لأمن وسلامة دول مجلس التعاون الخليجي، ليس فقط عبر انتشار القواعد الأميركية على أرض هذه الدول، بل عبر منظومة الردع التي ستتولى ميزانيات هذه الدول دفع تكلفتها.
ثانياً: يقدّر الخبراء الغربيون وجود أكثر من أربعين ألف جندي أميركي في قواعد عسكرية أميركية مستقلة في خمس دول خليجية، فيما سجّل ارتفاع عدد القطع البحرية الأميركية التي تجول في منطقة الخليج بما يزيد على الخمسين قطعة يمكن ان تتلقى الدعم من 4 حاملات طائرات في حال نشوب أيّ نزاع خلال أقلّ من ثمان وأربعين ساعة.
وبحسب «نيويورك تايمز»، فإنّ التحركات العسكرية الأميركية «التي تأتي في غضون مرحلة تحوّل حرجة في أسلوب تعامل الرئيس باراك اوباما مع ايران»، تستهدف أيضاً تبديد صحة الانطباع بأنّ «إيران ستصبح سريعاً القوة العسكرية الأكثر نفوذاً وتأثيراً في الشرق الاوسط». وأنها باتت بشكل جليّ تهديداً خطيراً لأولئك في الجانب الآخر من الخليج».
إنّ صفقة التسليح المقصودة، هي عبارة عن «بناء درع صاروخية في الخليج تشبه الدرع الصاروخية التي أنشأتها واشنطن في تركيا»، وتبلغ كلفتها، «600 مليار دولار، ستتكفل دول الخليج بدفعها، علماً انّ كلاً من موسكو وطهران ترفضان إقامتها».
كذلك تخشى واشنطن من أنّ إعلانها عن تفاهم مع طهران حول برنامجها النووي، سيمسّ بسلاسة موقف دول الخليج من عملية إتمام الصفقة بسرعة، لأنّ إعلان التفاهم سيقلّل من أجواء التوتر السائدة الآن في الخليج، والذي تستغله واشنطن للتهويل على دوله، وحثها على شراء الحماية الأميركية لأمنها بأسرع وقت ممكن». والواقع أنّ واشنطن عبر هذا الأسلوب «تكرّر مع دول الخليج بخصوص إيران، لعبة التهويل نفسها التي تمارسها على اليابان من خلال تضخيم حالة التوتر المرتقبة جراء سياسات كوريا الشمالية»، وأنّ الرئيس أوباما يراهن على أنّ أموال هذه الصفقة، إذا ما ضخت في السوق الأميركي ولصالح مجمّع الصناعات العسكرية الأميركية، خلال حملة الانتخابات الأميركية، فإنها، بلا شك، ستحسّن من وضعه الانتخابي».
إذن، التوتر القائم والحشد العسكري نذير حرب أو عملية ابتزاز موصوفة في الخليج؟
سيريان تلغراف | البناء