«الماء» الأميركي «البارد» على “….” نتانياهو وأردوغان وقادة الخليج يلجم المعارضة .. بقلم ابراهيم ناصرالدين
في زمن «اللافعل» وقلة الحيلة لم تجد قوى 14 اذار وقياداتها سوى اللجوء الى حيل الفنانين والفنانات المحترف منهم والمبتدىء الصاعد على اولى درجات الرقص او المغنى او التمثيل ،فهؤلاء يخترعون السجالات ويكثرون من الثرثرة على بعضهم البعض ويروجون لاخبارهم المدفوعة الاجر،
او يدفعون لبعض الاقلام كي تهجيهم لافتعال حالة من الصخب الاعلامي الذي سيصب في نهاية المطاف في صالح شهرة يريدون عبرها ان يصلوا الى الجمهور، وهذا ما يفعله على وجه الدقة قادة المعارضة اللبنانية من خلال «الصراخ» العالي لاستدراج ردود من الفريق الاخر، ومن خلال تسريب المعلومات عن خطط ومحاولات يعدها «خصومهم» لتنفيذ عمليات اغتيال بحق عدد منهم مما يستدعي سفر البعض وعدم عودة الاخرين، وكذلك من خلال تسريب المعلومات عبر وسائل الاعلام المحسوبة عليهم عن الاعداد لاستراتيجيات يجري التحضير لها لتفعيل التحركات الداخلية ضد الدولة السورية والحكومة والفريق المتحالف مع دمشق. فهل هذا التوصيف مجرد افتراء؟ ام له ما يجعله واقعا ملموسا معبرا عن حقيقة واقع تلك القوى؟ واذا كان هذا هو الواقع ما الذي يجعل المعارضة تثير هذا الصخب غير المجدي؟.
انها نصيحة الاميركيين، هكذا تجيب اوساط مطلعة على استراتيجية قوى 14 اذار التي ستعتمد في فترة الاسابيع الفاصلة عن الانتخابات الاميركية، بكل بساطة هذا ما جرى ابلاغه لمن راجع السفارة الاميركية في عوكر بشكل فردي او جماعي حول ما هية العمل في هذه المرحلة التي تشهد فيها الازمة السورية مراوحة «قاتلة»، وتشهد الساحة اللبنانية «ستاتيكو» عليه اجماع دولي واقليمي ويتفق عليه الخصوم والاصدقاء، وبحسب المعلومات المتوافرة فان السفارة الاميركية في بيروت ابلغت من راجعها من قوى المعارضة ان «الشلل» هو عنوان المرحلة الانتقالية في واشنطن ولا يوجد في لبنان ما يمكن ان يخرج ادارة اوباما عن «لامبالاتها» ازاء ما يحصل في المنطقة، وتم ابلاغ الامانة العامة لقوى 14 اذار وبعض القيادات الفاعلة في المعارضة ان كل ما يمكنهم فعله في هذه الفترة هو فقط الاستمرار «بالتنفس» اي البقاء على «قيد الحياة» سياسيا بانتظار ان تتبلور الامور الداخلية في الولايات المتحدة ومن اصر من المتسائلين على تحديد مواعيد وربط الامر بمجرد انتهاء الانتخابات الرئاسية، لم يحصل على جواب جازم بهذا الخصوص لان عودة الرئيس باراك اوباما الى البيت الابيض اوانتخاب ميت رومني ومعه عودة الجمهوريين الى السلطة، لن يحمل اجوبة سريعة على التساؤلات، فلا عودة الديموقراطيين تعني حكما استمرار السياسة الراهنة ولا استعادة الجمهوريين للبيت الابيض تعني ان زمن «بوش الابن» قد عاد، فالملفات باتت اكثر تعقيدا وتحتاج الى فترة اطول كي يتم حسم الخيارات فيها، وفي ظل تلك الفوضى العارمة في المنطقة فان لبنان يعتبر «تفصيلا» صغيرا امام مشكلات شائكة تبدا في ايران وتمر بسوريا ولا تنتهي بمصر مع استمرار المأزق في افغانستان ومع تفاقمه في باكستان.
وازاء ذلك، عبر المسؤولون الاميركيون صراحة عن عدم وجود رغبة في واشنطن باي «صداع جانبي» ياتيهم من «النافذة»اللبنانية، ولذلك سمع «الحلفاء» اللبنانيين خلال مراجعتهم الدورية لمسؤول «الارتباط» في السفارة الاميركية في بيروت كلاما واضحا بعدم وجود استعجال اميركي لحرق المراحل الزمنية قبل ان تنضج ظروف التسوية الشاملة او الانفجار الشامل، وهذين الامرين غير متوفرين اليوم بسبب حساسية الموقف الانتخابي في واشنطن في ظل خشية البيت الابيض من اي «دعسة» ناقصة قبل اسابيع من الانتخابات، واوحى المسؤول الاميركي لمحديثه بان بلاده لا تشعر بانها مضطرة الى الاستعجال في حسم خياراتها الان، وذلك على عكس ما يتمناه حلفاءها في لبنان والمنطقة،هذا ما ابلغته وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون لتركيا «المذعورة» من انتقال الاحداث السورية الى اراضيها بعد ان تورطت اكثر من اللازم في الازمة، وهو الامر نفسه الذي تم ابلاغه الى دول الخليج «المتوجسة»من التردد الاميركي حيال هذا الملف والخائفة من حصول اتفاق «فوقي» لا يراعي مصالحها.وهو الامر نفسه الذي تبلغته اسرائيل في الجلسات المغلقة وكذلك عبر وسائل الاعلام وفي تصريحات علنية عبرت عن حجم الغضب الاميركي من عملية الابتزاز الوقحة التي تمارسها الحكومة الاسرائيلية مع اقتراب الاستحقاق الانتخابي.
وبحسب القراءة الاميركية للاحداث فأن لا شيء يدعو للاستعجال في اتخاذ قرارات حاسمة في ملفات المنطقة الشائكة، صحيح ان النظام السوري لم يسقط ولكن الفوضى في سوريا ما تزال ضمن السقوف المقبولة، فلا امن الخليج في خطر، اي النفط مؤمن، و”اسرائيل” ايضا ليست في خطر محدق، والمبالغة «الليكودية» بشان الخطر النووي الايراني «لعبة» مكشوفة، وكذلك التداعيات على الضفة التركية ما تزال محدودة، رغم غضب الاتراك من «المراوغة الاميركية»، ولبنان يحافظ على استقرار مقبول في خضم «العاصفة» التي تضرب المنطقة، ولذلك لا داعي للاستعجال براي الاميركيين الذين نجحوا من وجهة نظرهم في اضعاف الدولة السورية وادخلوا النظام في «لعبة» دم سيخرج منها منهكا حتى لو حقق الانتصار في نهاية المطاف،وهم يريدون ايضا استنزاف ايران ومعها روسيا في «المستنقع» السوري، فلماذا العجلة اذا خصوصا ان مسالة شديدة الاهمية تحصل الان على الساحة السورية تصيب بها واشنطن «عصفورين بحجر واحد»، فمن جهة غرق احد اضلع «المحور الايراني» في حرب منهكة مع «الجهاديين» المتطرفين، وكل ما زاد عدد الجثث من الطرفين تزداد الارباح الاميركية، وهنا ايضا لماذا الاستعجال طالما ان «اعداء الاميركيين» يصفون بعضهم بعضا.
هذه الاستراتيجية الاميركية »النفعية» او «المصلحية» اغضبت حلفاء واشنطن في المنطقة ومنهم اللبنانين، ولكن ما العمل؟ فالاتراك عمدوا الى الاكثار من الصراخ واندفع رئيس الحكومة التركية بحماسة شديدة ولجأ الى التهديد والوعيد باتخاذ خطوات احادية ضد سوريا، واستخدم لغة مذهبية وارسل جنوده وعتاده الى الحدود، فجاءت كلينتون وسكبت فوق راسه «الماء البارد» واعادته الى رشده.اما نتنياهو فقد ذهبت كل محاولاته ادراج الرياح، وبعد اسابيع من استخدام كل الوسائل «القذرة» للضغط علية، او بشكل سري لارغام اوباما على تغيير استراتيجيته وجره لحرب قبل اوانها مع ايران، خرج رئيس اركان الجيوش الاميركية المشتركة مارتن ديمبسي ليقول له علنا، «اصمت» ليس في اجندتنا مواعيد محددة لضرب ايران. اما دول الخليج فلم يكن وضعها افضل بكثير بعد ان اجهضت واشنطن مساعيها وضغوطها لارغامها على تبني سياسة واضحة لتسليح المعارضة، فجاء الجواب «استمروا بدفع الاموال ولكن ملف السلاح لن يخرج من يدي،ولم يحن بعد الاوان لذلك».
واذا كانت تلك هي الاجوبة الاميركية للحلفاء القادرين على ممارسة ضغوط حقيقية على واشنطن، فما الذي يمكن ان تكون عليه الحال مع الحلفاء اللبنانيين الذين لا حول لهم ولا قوة، ولا يملكون من ادوات الضغط شيء يذكر؟. لا داعي للكثير من التفكير تقول تلك الاوساط، فالمعارضة اللبنانية تعرف جيدا حجم قدراتها وهي في الاصل لا تقوم بحراكها الداخلي لاستدراج ردود فعل اميركية، وعلى العكس من ذلك فهي تعمل تحت السقف الاميركي المرسوم في هذه المرحلة، ولذلك فهي تعرف جيدا ان اي حراك لن يؤدي الى اي نتيجة عملية تقلب «الطاولة» في البلاد، ولذلك المطلوب منها الاستمرار في التحرك وفقا لمقولة «اني اتحدث او اتحرك، او افكر، فانا موجود»، ولذلك فان كل ما تتحدث عنها قوى 14 اذار من تصعيد واستراتيجيات جديدة لن يعدو كونه سوى قنابل صوتية ودخانية لتقطيع المرحلة وتعرف واشنطن حقيقة ما تريده من المنطقة، وحتى ذلك الحين المطلوب منهم اميركيا عدم خلق مناخ «استفزازي» يؤدي الى خروج الامور عن السيطرة، وهو امر تلقفه جيدا الامين العام لحزب السيد حسن نصرالله وعبر عنه صراحة عندما خرج في خطاب يوم القدس الاخير ليقول للجميع ان الامور قد خرجت عن السيطرة بعد حوادث الخطف الاخيرة، وكانت الرسالة واضحة لمن يعنيهم عدم الانزلاق الى الفوضى بأن «اللعبة» خرجت عن الحدود المرسومة فاستعجلوا واكبوا جماح الحلفاء.
وفي الخلاصة هذا ما تريده واشنطن من حلفائها في المنطقة، رسمت للجميع خطوطا حمراء يصعب عليهم تجاوزها، ولذلك لن تستطيع المعارضة اللبنانية القيام باي خطوة خارج ما هو مرسوم لها من دور محدود في الزمان والمكان، وفي الانتظار سيبقى الوضع على ما هو عليه على «الضفة الاميركية»، ولن تحصل في المدى النظور اي تطورات دراماتيكية الا اذا اختار الطرف الاخر في «اللعبة» ان يستغل حالة انعدام الوزن الاميركي للتحرك فوق «رقعة الشطرنج».
ابراهيم ناصرالدين | الديار