في تفسير الأحلام “لابن سيرين” وسقوط مروحية سورية .. بقلم نارام سرجون
سقطت الحوامة أم أسقطت.. سقطت الطائرة أم أسقطت .. لايهم .. المهم أن نقرأ بشكل صحيح معنى الحادث بشكل عسكري دقيق واستراتيجي أدق .. والمهم أن يقرأ المكبرون الذين ينفتقون وهم يصرخون مكبرين لهذا الإنجاز .. وأشك أنهم يقرؤون شيئاً سوى تفسير الأحلام “لابن سيرين” ومن يقرأ الأحلام يعيش في أحلامه.. المهم هو إسقاط الأحلام قبل إسقاط الطائرات..لاتسقط الأحلام إلا عندما يستيقظ الحالم .. ولمن استحلى النوم في الأحلام ..هذه مقالة لتوقظه .. مقالة باردة جداً مثل رشة ماء بارد على وجوه الغارقين في نومهم ..
الحقيقة أنني بعد كل طقطوقة من طقطوقات الثورة صرت أصاب بالصداع من كثرة استبشارهم والتبشير بالبشارة ومن كثرة استخاراتهم وتحميل حمار الثورة مالايستطيع حمله ..هذا الحمار الذي حمل كل الهرطقات من هرطقة اسقاط النظام قبل رمضان وبعد رمضان وفي العيد الماضي وبعد القذافي وقبل القذافي .. وهرطقة التدخل الدولي والاستنجاد بالناتو وبابا أردوغان وماما كلينتون .. الى هرطوقة البركان وأم المعارك في حلب .. الى ..الى ..
يعني والله صدقوني ليس إسقاط طائرة في النزاع هو مايثير فينا الصداع ويستدعي شرب المهدئات بل هو الضجيج والتأويل والتكبير والأصوات المبحوحة وكثرة المحللين العسكريين وقراء المستقبل .. وكأن الله قد طوّب السماء لأبناء فاروق طيفور من تلك البقعة التي اشتعلت فيها الطائرة كما طوب الفرات والنيل لبني اسرائيل .. بل إن من يسمع مهرجانات وتكبيرات الإعجاز الثوري يعتقد أن مدفع الدوشكا أو صواريخ الكتف قد أسقطت مركبة الفضاء الأمريكية كريوسيتي التي أطلقتها ناسا إلى المريخ .. أسقطتها مدافع الدوشكا فوق سطح المريخ نفسه ..باذن الله.
فماذا يعني سقوط طائرة أو مروحية في كتاب تفسير الأحلام (لأبناء سيرين)؟
لقد جهدت الماكينة الاعلامية “لقوات الناتو بالوكالة” في التركيز على الجانب العسكري للمسلحين من حيث منحهم الحجم الوازن استراتيجيا والتضخيم من قوتهم .. في واحدة من الطرق الاعلامية المعروفة في وقت الحرب .. كل يوم هناك تسريبات عن عشرات آلاف المقاتلين وعن وصول أسلحة نوعية وسيطرة على معابر ومناطق.. وتصوير لدبابات مصابة وغير ذلك .. وبالطبع ردد بعض الاعلام الوطني السوري المعلومات المضخمة اما بسبب عدم معرفة بعض هذه الوسائل الاعلامية للمعلومات بدقة .. واما لرغبة البعض في عدم التقليل من حجم الخطر الذي يتهدد البلد ..ووجوب الاستعداد له بقوة .. وحتى هذه اللحظة لاتوجد تقديرات واقعية لقوة التمرد المسلح من قبل الطرفين كما أعتقد.. لكن الشيء المعروف هو انتشارهم وفق خطة انتشار مبعثر تشرف عليه أجهزة استخبارات الناتو .. وسبب اللجوء الى هذا الانتشار المبعثر هو أن نسبة مهمة من مقاتلي الناتو الاسلاميين هم من الجهاديين غير السوريين الذين لايمكن تجميعهم في بؤرة واحدة فيسهل تحديد مراكزهم ولعدم وجود حاضنة واسعة لهم كغرباء .. كما أن وجودهم الكثيف الغالب في مجتمعات صغيرة قد يفجر أزمات احتكاك حتمية مع المجتمعات المحلية حتى لو تعاطفت معهم وذلك بسبب الفروق الثقافية الجغرافية الطبيعية التي ستطفو خلال أسابيع من الاحتكاك..
كما أن انتشارهم يساعد على تبديد انتشار الجيش السوري .. والأهم أن بعثرتهم في مجموعات لاتتعدى العشرات وأحيانا المئات رغم حمله لخطر تمزيقهم بسهولة في أية معركة مع الجيش لعدم التكافؤ عمل مقصود .. لكن الاصرار على بعثرتهم ربما يدل على محدودية في الأعداد المطلوبة لانجاز انتصار عسكري بحجم اسقاط دولة ضخمة مثل سورية .. وربما كان من المهم بعثرتهم للايحاء بسيطرة واسعة لهم لأن اطلاق بضع طلقات في كل منطقة كاف للاعلان دعائيا أن المسلحين فيها وهذا مايمكن تقديمه على أنه (تحت سيطرة المسلحين) لأن المنطقة التي ينتشر فيها عشرون مسلحا تشل حركة المنطقة التي يسكنها مئة الف شخص مدني .. وتحتاج الى دخول عشرات وربما مئات من قوات الجيش لابعادهم أو مناوشتهم لابعادهم ..وهذا كاف للادعاء أن الثوار يسيطرون على 70% من الأرض ..لأن أية معركة في أية بقعة تعني أنها خارج سيطرة الدولة حتى خروج المعارك منها .. وفي هذا تجن كبير على الحقيقة طبعا ترتكبه الجزيرة كعادتها .. لأن هناك شوارع في نيويورك وشيكاغو ولاس فيغاس كانت مشهورة حتى الأمس القريب على أنها مليئة برجال العصابات والخارجين على القانون وبالحوادث العنيفة وبتردد الشرطة في دخولها .. ولكن لاأحد كان يقول انها خارج سيطرة الدولة .. هذه كذبة من الكذبات الكبرى التي يتم الترويج لها باستخدام بضع عشرات من المقاتلين في بعض المناطق..
وبالعودة الى اللعبة السيكولوجية لسقوط الطائرات في المعارك .. فبالرغم من أن الطائرات كغيرها في المعارك وسيلة قتالية كأية وسيلة أخرى الا أن اصابتها لها تأثير نفسي ايجابي للخصم لأن الطائرة تمثل عسكريا شكلا من أشكال السيطرة والتفوق والعلو البعيد المنال بسبب شيوع عقيدة أن من يملك الجو يملك الأرض .. وان من يسقط الجو يسقط الأرض .. وهذا الى حد كبير صحيح .. فالقوة الجوية تفيد في حالات الحروب النظامية بين الجيوش ولاشك هي التي تغير موازين القوى كما هو الحال في اسقاط الطائرة التركية على شواطئ سورية ودلالاته العسكرية الكبرى .. أما في حروب العصابات وحروب المدن فهذا الكلام عنكبوتي القوام ولاقدرة له على التماسك .. فالطيران المقاتل والحوامات تلعب دور المؤازر لاالحاسم في هذه الحروب .. فلنذهب في هذه الجولة السريعة لنتعرف أكثر على دلالات سقوط الطائرات في حرب العصابات..
في حرب العصابات يكون هناك تركيز على النيل من الأهداف الثقيلة وذات النوعية المعنوية بسلاح بسيط .. مثل اصابة الدبابات والطائرات ومراكز القيادات بقذائف بسيطة لأنها تشكل شيئا رئيسيا لاعطاء الشعور بالتوازن النوعي للقوى والثقة بالنفس بسبب التباين الواضح في ميزان القوى .. وهذا لمسناه في بيانات الثورجية الاسطورية الصياغة من وصول قذائفهم الى المطارات المدنية والعسكرية بل والى القصر الرئاسي ومراكز القيادات بل وفي الادعاء السخيف من أنهم أنجزوا عملية تفجير مكتب الأمن القومي فيما كانوا هم كالزوج المخدوع .. آخر من يعلم ..
ومع هذا تبقى الأهداف الجوية هدفا بارزا يسعى اليه المخططون لأنه صيد نفسي مهم .. فمن القواعد الذهبية كما أسلفت أن من يملك الجو تكون له الغلبة في الصراع اذا كانت له قوات على الارض .. ومن يصل الى الجو يعني انه قادر على البقاء على الأرض .. ولذلك يبقى اسقاط اي طائرة مدعاة للاحتفال والمهرجانات وارتفاع التكبيرات .. ولكن من الناحية العسكرية فان استحضار هذه القاعدة الذهبية في حربنا مع ممثلي الناتو الاسلاميين هو استحضار في غير موقعه على الاطلاق وهو استخدام لحقيقة في غير موقعها مثل استخدام محرك سيارة سياحية لاقلاع دبابة ت82 .. فهذه الاستراتيجية لاتؤدي الى تغيير الواقع على الأرض .. لأن حرب المدن بالذات لادور للتفوق الجوي على الاطلاق ..بل هو دور مؤازر وليس حاسما..الحسم هو للقوات الملتحمة على الأرض .. والدور هو ببساطة لحملة الكلاشينكوف وبسالتهم ..هنا حامل الكلاشينكوف أهم من الطائرة..
فالقوات السوفييتية في أفغانستان مثلا تعرضت لاسقاط 260 طائرة بصواريخ أمريكية أوصلها الأمريكيون لأصدقائهم وأحبتهم “المجاهدين” .. ولكن الخروج الروسي من افغانستان لم يكن بسبب اسقاط الطائرات بل بسبب سقوط الاقتصاد السوفييتي نتيجة توقف النمو اثر التردد في اتخاذ القرارات الاقتصادية الكبرى .. وتعثر النمو بدا جليا كما تقول كل الدراسات الكبرى منذ وصول ليونيد بريجينيف الى السلطة قبل دخول افغانستان بزمن طويل وفشله في تطوير الاقتصاد الشيوعي عبر اصراره على سياسات الدعم المبالغ فيها .. ولم تكن نفقات وخسائر حرب افغانستان واسقاط الطائرات الا جزءا يسيرا من مسببات الضعف الكبرى .. ولم تكن أفغانستان هي السبب الرئيس لسقوط السوفييت لان من يقرأ رسالة الدكتوراه للسيدة الحسناء كونوليزا رايس التي حصلت عليها عام 1981 أي بعد عام ونصف فقط على بداية حرب افغانستان (1979 – 1989) يعرف تفاصيل السقوط السوفييتي .. فقد كانت رسالة الدكتوراه لرايس في العلوم السياسية من جامعة جوزيف كوربل للدراسات الدولية وركزت فيها على (السياسات العسكرية للدولة الشيوعية التشيكوسلوفاكية) ومن خلالها توقعت انهيار الاقتصادات الشيوعية والسوفييتية قبل الغزو لأفغانستان بناء على معطياتها الاقتصادية وانفاقها العسكري في سباق التسلح (خدعة حرب النجوم) .. وبالفعل كان انهيار السوفييت عام 1989.. ولذلك حظيت رايس بمكانة سياسية لاحقا بسبب دقة استقرائها للرابط الاقتصادي في عملية الانهيار العسكري .. بل وبلغت دقة توقعها أنها حددت موقع سقوط كل تفاحة من شجرة المعسكر الشيوعي لوضع السلة الأمريكية تحتها لتلقفها..
الأمريكيون في العراق أيضا تعرضوا لتجربة سقوط الحوامات بشكل متكرر ولكن المعركة تغيرت ليس بالحوامات واسقاطها بل بالقوى المقاتلة على الأرض وتمكن بترايوس من قلب المعادلة الكئيبة لخسائر قواته باطلاق مشروع هو (برنامج قوات الصحوة) التي قاتلت على الأرض أولئك الذين يسقطون الحوامات الأمريكية لتتجنب الحوامات والطائرات هذا الصراع المكلف .. وصار من يطلقون الصواريخ على الطائرات الأمريكية الضخمة (هيركيوليز) التي سقط عدد منها بالصواريخ الايرانية الصنع يتعرضون لنيران قوات الصحوة وليس لنيران الحوامات.. وقوات الصحوة اليوم لبست لباس الربيع العربي والثورات .. لم يغير بترايوس شيئا سوى الاسم .. من قوات الصحوة .. الى قوات الربيع الثوري..غير الاتجاه فقط..
على عكس الحروب بين الجيوش النظامية فان الجو في حرب العصابات لايقدم ولايؤخر .. وهذا درس يعلمه الجميع ..من دروس فييتنام الى دروس أفغانستان الى الدرس البليغ في حرب 2006 لبنان عندما كان عدد القنابل الساقطة من السماء في كل غارة أكبر من عدد الجنود الاسرائيليين على الجبهة كلها ..ومع هذا فقد انتصر من كان على الأرض .. ولذلك يتم توجيه اللوم الى قيادة الجيش الاسرائيلي حتى اليوم لأنها دفعت بالقوات البرية متأخرة وليس بالتزامن مع القصف الجوي على لبنان عام 2006 وكان من الممكن ان تتقدم القوات بينما يشاغل الطيران المقاتلين بالقصف الكثيف ريثما تصل المدرعات والمشاة..
في الصراع مع مقاتلي الناتو الاسلاميين على الأرض السورية يبقى دور الطائرات بأنواعها مفيدا في اشغال الخصم فيما الاقتحام على الأرض يتحرك بشكل متواصل .. ولكن الالتحام على الارض هو الحاسم الفاصل .. وعلى الأرض كما نرى تمر ماكينة الجيش السوري كما تمر السكين المحماة في كور الحداد في قطع الزبدة ..التنظيمات المسلحة تعتمد تكتيك حرب المدن لمعرفتها أن الطائرات لاتحسم حروب المدن الا اذا كانت على الطريقة الاسرائيلية والامريكية ..أي أحرق كل شيء مثل احراق غزة والفلوجة ..ونحن من يملك مدننا .. ومن يملك مدنه لايحرقها ..
اذا كما نتوقع دوما ستستخدم أخبار اصطياد دبابات أو سقوط طائرات أو حوامات مثل الوقود المعنوي في استخدام ساذج لقاعدة من يسقط الجو يسقط الأرض .. ولكن سيكون لذلك معنى آخر في قراءتنا للأحداث .. هو أن اسقاط الحوامات سيعني التخلي عن سياسة سل الشعرة من العجين بل اتباع سياسة سل العجين من الشعرة قبل احراقها (؟؟؟) .. أما العجين الذي يمسك بالشعرة “المسلحة” فهو لم يعد عجينا صالحا للخبز..دون مواربة..وسيذهب معها ..فليس الولاء للمسلح بجريمة بل ان ايواءه يعني حملا للسلاح معه.. كما أنه اذا كانت اصابة الحوامة بسبب صواريخ ستينغر ..فسنرى قريبا طائرات تركية تسقط في جنوب شرق تركيا بنفس السلاح ..!!التي ستجبر على لحس ماقدمته من صواريخ لمسلحي الناتو….
كما قلت هذه الطقطوقات الثورية لن تغير شيئا البتة .. لأن القرار السياسي السوري انتهى ولاعودة عنه .. والمراجعات السياسية الكبرى مع الحلفاء قد أنجزت كما يعتقد الكثيرون بيقين .. وقد عبر عن ذلك السيد وليد المعلم بصراحة اذ قال: لاتفاوض مع السلاح .. ولاحوار الا بعد استئصال السلاح والمسلحين ..
هذا قرار لاعودة فيه ولامراجعة له .. الطاولات الوطنية للحوار ليست طاولات في كازينوهات مزرعة شيلوه لرعاة البقر أو مزارع تكساس حيث كل كاوبوي يدخل بمسدسه على خصره .. من يدخل حاملا مسدسه الى نوادي القمار لايطلب من الحاضرين عدم استعمال السلاح ضده ..ومن يبارز بالسلاح عليه تلقي الرصاص..
ان من يطلب الحوار تحت السلاح هو العدوالخارجي فقط في حالة حرب .. واذا طلبت المعارضة أي حوار والسلاح في الأيدي فهو حوار الأعداء للأعداء .. ونحن لانرحم أعداءنا وهم مسلحون .. أما من يدخل الى حوار وطني مسلحا بيديه وقلبه وعقله .. صافحناه بأيدينا وعقولنا وقلوبنا ..
المعركة مستمرة حتى النهاية رغم أحلام “أبناء سيرين” .. واستئصالهم من جذورهم .. هو القرار .. لاعودة في ذلك .. تذكروا ذلك جيدا ..مهما علت التكبيرات .. ومهما بحّت الأصوات المنتشية.. ومهما ارتعشت الحناجر… لأننا قادمون
نارام سرجون
(المقالة تعبر عن رأي الكاتب، وهيئة التحرير غير مسؤولة عن فحواها)