الحرب على سورية .. استحضار كل أساليب القتل والاستفادة من تجارب وخبرات قادة الدم والتخريب .. بقلم احمد زين الدين
منذ اندلاع الأحداث في سورية، بدأت حملات إعلامية وسياسية تقودها الولايات المتحدة الأميركية والسعودية وقطر وتركيا والحلف الأطلسي، سُخرت فيها مختلف الوسائل الإعلامية وأحدث وسائل الاتصال المتطورة،
وإمكانيات مالية هائلة، وحسب ما تشير المعلومات فإن قطر وحدها وظفت فيها حتى الآن ما يفوق المئة مليار دولار، ناهيك عن تجنيد الآلاف من المرتزقة الأجانب والعرب، وتزويدهم بمختلف أنواع الأسلحة، التي تبين أنه تم حشدها منذ سنوات، وتحويلها إلى خلايا نائمة في الداخل السوري، وأخرى تم حشدها في دول الجوار السوري، خصوصاً في تركيا ولبنان والأردن، حتى إذا ما حانت الساعة تهب كلها حاملة شعارات طائفية، وترتكب أفظع الجرائم الطائفية، وتقوم بأعمال حرق ونهب المرافق العامة، والخطف وانتهاك الكرامات، وأعمال القتل الجماعية والتعدي على أملاك المواطنين، وحرق المدارس والمستشفيات والمؤسسات..
كل ذلك ترافق مع قيام معارضات سورية مختلفة ومتنوعة جاهرت علناً بأن هدفها ومشروعها هو الانقلاب على دور سورية وخياراتها الوطنية والقومية، وفي مقدمها الانقلاب على خيار دمشق الرئيسي؛ خيار المقاومة الاستراتيجي الذي تبنته واحتضنته وبنت سياستها عليه في مواجهة مختلف أنواع المشاريع الاستعمارية، وعليه تبنت واحتضنت المقاومات العربية، ولهذا لا عجب أن نرى قادة المعارضات على مختلف ميولهم وعقائدهم يتبنون أولاً نقل سورية من موقع الاستقلال الوطني والمقاومة إلى خندق “الاعتدال العربي”، والتخلي عن المقاومة والتحالف مع إيران، وتبنيهم خيار التفاوض مع “إسرائيل”، وإقامة صلح ثنائي معها، على غرار ما هو جار مع دول عربية، في ظل رعاية أميركية كاملة، تنهي وتصفي القضية الفلسطينية، وتدمر الاستقلال السياسي والاقتصادي لسورية، عبر ضرب دولة الرعاية الاجتماعية والتنمية الوطنية المستقلة في عملية بناء وتطوير الاقتصاد الوطني، اللذين بفضلهما سمح لسورية أن تكون إحدى الدول القليلة في العالم التي يبلغ دينها العام الخارجي صفراً، رغم الميزانية الكبرى لمهمة الدفاع الوطني التي يفرضها الصراع مع العدو “الإسرائيلي” وتستلزم قسماً هائلاً من الميزانية العامة للدولة الوطنية، وبالتالي من أهداف استهداف سورية إقامة بنية اقتصادية هشة تخضع لوصايات الشراكات الإمبريالية الكبرى المتعددة الجنسيات تنهب سورية وخيراتها الوطنية، وتنسف أسس الاقتصاد الوطني على نحو ما جرى في مصر منذ اتفاقية كامب دايفيد، وتحويلها إلى بلد ضعيف مخرب فيه مرافق الإنتاج على اختلاف أنواعها، ومنهك وعاجز تديره صناديق القروض الدولية وصندوق النقد والبنك الدوليين.
من الواضح أن المؤامرة الواسعة على سورية تدخل الآن، بعد سبعة عشر شهراً ونيف، طوراً جديداً، ففي هذه المرة تتقدم السعودية على قطر في التخطيط والتحضير والمواجهة، وتستحضر جميع أساليبها ووسائلها الشيطانية التي استعملتها في مواجهة المد التحرري العربي وكل مشاريع مقاومة العدو الصهيوني، وقد تمثل التقدم السعودي إلى الواجهة هذة المرة باتجاهين:
الأول: الظهور المفاجئ لبندر بن سلطان بعد غياب استمر أكثر من سنتين، حيث التقى في التاسع من تموز الماضي بصحبة مدير وكالة المخابرات المركزية الأميركية دايفيد بترايوس، عمه الملك السعودي عبدالله بن عبد العزيز، وإبلاغه الأوامر الأميركية بضرورة تقدم حصان واشنطن وخيارها بندر إلى الواجهة، فكان قراره بعزل شقيقه الأمير مقرن وتعيين بندر رئيساً للاستخبارات السعودية.
ومنذ تلك اللحظة، يمكن القول إن المؤامرة على سورية دخلت طوراً جديداً، بالمشاركة العملية العلنية للقاعدة والأصوليات المتعددة والمتنوعة، إضافة إلى المرتزقة الغربيين في الحرب على سورية، بعد أن كان في الأشهر السابقة يتم إخفاؤها.
وكما تشير المعلومات، فإن الدفع ببندر إلى الواجهة السعودية تم بسبب علاقاته مع القاعدة والأصوليات الإرهابية، التي ارتبط نشوؤها وتطورها وتدريبها ببندر شخصياً، وبالمخابرات المركزية الأميركية منذ أواخر ثمانينات القرن الماضي، وقد أكد بندر للأميركيين منذ فترة طويلة أن هؤلاء “الجهاديين” ما زالوا تحت سيطرته وأوامره وطوع بنانه.
الثاني: هو استحضار الأسلوب السعودي القديم في مواجهة قوى التحرر العربي، بعد أن تم ضرب ونسف جامعة الدول العربية، وتحويلها إلى مجرد تابع في وزارة الخارجية القطري، وهامش في وزارة الخارجية السعودية، في ظل قيادة مستشار كامب دايفيد القانوني؛ نبيل العربي، أي بمعنى آخر إنهاء الدور الذي وُجدت من أجله هذه الجامعة.
وأيضاً، وعلى أبواب مؤتمر عدم الانحياز في طهران، كانت الدعوة المفاجئة للقمة الإسلامية في مكة المكرمة، من أجل سرقة الأضواء من القمة العالمية من جهة، ومن أجل مهاجمة وفصل سورية عن المنظمة الإسلامية من جهة ثانية، وكل ذلك من أجل المزيد من الحرب والتآمر وتدمير سورية، التي تبقى صامدة ومواجهة، فتوقعوا المزيد من القتل الأميركي ــ الصهيوني ــ التركي ــ الخليجي.. توقعوا المزيد من أعمال التفجير والإرهاب، لكن في كل الحالات ثمة ساعة حقيقة ستقوم، وحينها سيجد أعراب الغاز أن اللهيب أصبح في صميم بيوتهم.
احمد زين الدين
(المقالة تعبر عن رأي الكاتب، وهيئة التحرير غير مسؤولة عن فحواها)