الهرولة على المنحدر السوري .. آلام المخاض وقانون الجاذبية .. بقلم نارام سرجون
تقترب المنطقة من الوضع .. آلام مخاض غير متوقع ..لاأحد يستطيع ايقاف اندفاع المولود .. ولاأحد يستطيع التوقف على المنحدر ..ان الجميع يشبه من هبط من جبل شاهق على منحدر شديد الميل ولايستطيع الا الاسراع في الهبوط لأنه لايستطيع السيطرة على كتلة ثقله التي تجذبها الهاوية والمنزلق .. التوقف يحدث في حالتين هما الوصول الى القاع أو التمسك بشجرة تائهة صدفة وسط المنحدر .. أما التوقف القسري في وسط الطريق نحو الهاوية ومعاندة قانون الجاذبية فتعني التدحرج والوقوع على الرأس والوصول محطما .. المهرولون دون قدرة على التوقف أولا هم الثلاثي اردوغان واوغلو وغول ..وخلفهما كل حزب العدالة .. وخلف حزب العدالة كل تركيا ..وثانيا العائلات الملكية في الخليج والأردن ..وأخيرا ..الكومبارس وجوقة لبنان للكورال الأمريكي في لبنان (فريق 14 آذار وملحقاته)
الفريق الأول على المنحدر السوري :
لايجب انتظار أن يتبدل الساسة الأتراك الهابطين بسرعة على المنحدر وسيقانهم لاتقوى الا على التتابع السريع لأن معركة سورية هي آخر مابقي لهم للبقاء سياسيا.. وربما لسلامة تركيا .. ولو كنت مستشارا لأردوغان لقلت له النصيحة الصادقة التالية: لقد خسرت اللعبة والأمل الوحيد لاسترداد ماخسرت هو القاء نفسك في المغامرة الأخيرة والمتهورة حتى النهاية ..فلاتتوقف في مشروعك مهما عرض عليك من أثمان لأن الاتفاق مع السوريين لايعني نهاية المشكلة التركية بعد اليوم بل بداية مشكلات..لأن الحلقة السورية تجر خلفها الحلقة الايرانية والعراقية والروسية والكردية ..
فما جناه الساسة الأتراك هو أن عليهم تسوية أوضاعهم وشؤونهم الآن مع الايرانيين أيضا الذين فاجأهم سلوك تركيا العصبي والمندفع والمتشنج والطائفي والناتوي رغم كل الوساطات .. ولن تتم تسوية الأمور مع العراقيين كذلك وقد بدا لهم أن تركيا تؤوي الهاشمي ومؤامرته على القيادة العراقية وتنسق مع اقليم كردستان وتتجاهل وجود الدولة العراقية مما أثار شديد القلق من نوايا تركيا .. ولن يطمئن الروس للساسة الأتراك الذين كشفوا خطورة تصوراتهم السلجوقية العثمانية التي قد تنهش في بطن روسيا الاسلامي وأمعائها .. وبالطبع لن يتمكن الأتراك من استمالة الأكراد بعد عقود من الصراع لأن الطرفين لايثقان ببعضهما مهما تعانقا وتصافحا..وقبل وبوسات أردوغان صارت مثيرة للشك كثيرا بعد أن عرف سبب قبلاته للسوريين والعرب .. وقد انفلت الوحش الكردي وخرج من القفص السوري..ولن يعود الا برأس تركيا..
وكما يقول معارض تركي يطرح سؤالا هاما للغاية وحقيقيا هو: ماذا تنفع كل الدنيا تركيا اذا كان كل جوارها معاديا لها بشدة ولايثق بها؟؟ أنت تحتاج للجوار مهما كان هذا الجوار ..هذا الجوار الذي لم يعد قادرا على قبول تركيا مع الثالوث القيادي الحالي ..
وهذا التساؤل المشروع يطرح بنفس الوقت تساؤلا مشروعا آخر هو: ماذا ستضر سورية وقفة العالم ضدها اذا بقي شعبها لها وحدودها لها .. لأن كل مايجري في سورية هو من أجل ثالوث مقدس هو أعز ماتملك سورية وهي: وحدة أراضيها .. ووحدة شعبها .. ووحدة جيشها القوي .. وكل هذه الثورة لتفكيك الثالوث المقدس ..أي تفكيك الجغرافيا السورية .. وتفكيك الذهن السوري الجمعي الى وحدات اثنية وطائفية .. وأخيرا وكنتيجة حتمية لذلك تفكيك الآلة العسكرية وترسانة الجيش السوري مفخرة الشعب السوري .. هذا الثالوث يمثل مكانة سورية التي تملك بذلك مالايجب بعد اليوم على بلد شرقي امتلاكه .. أي وحدة جغرافية واسعة .. وكتلة سكانية كبيرة .. وكتلة عسكرية مثيرة للقلق والمعادلة المطلوبة هي ألا تتجاوز مساحة أي كيان محيط باسرائيل مساحة اسرائيل نفسها.. ولاعدد سكانها ..وألا يملك توزانا عسكريا معها .. والحل لذلك هو في ضرب تلك الثلاثية الرهيبة السورية .. واستيلاد عدة (سوريات) قزمة ..وعدة شعوب سورية قزمة .. وعدة جيوش قزمة على شكل كشافة ورجال شرطة وفرق عزف وعروض عسكرية بلا طائرات ولاصواريخ ولادبابات .. تماما كما نجحت تلك التجربة في العراق وليبيا ..وكما هو متوقع لمصر قريبا ..
مصر التي سيكون من الغباء أن يتصور العقلاء أن الغرب سمح للاسلاميين بالوصول لأنه سلم بالأمر والقضاء والقدر ولم يضايقهم لعجزه عندما التهم مرسي على الافطار قبل أيام اثنين من كبار الجنرالات الموالين للغرب ..بل انها تأتي بعد لقاء مع أمير قطر وبعد عملية ارهابية غريبة التوقيت في سيناء تشبه الى حد بعيد عملية هبوط الطيار الألماني ماثياس روست بطائرته الشراعية في ساحة الكرملين في بداية حكم غورباتشوف والتي أعطت الأخير القوة السياسية والعذر للاطاحة بالقادة العسكريين الروس المعارضين له والمسمون “بالتيوس الشيوعية” بحجة أن هبوط الطيار أهان روسيا وأظهر عدم كفاءتهم .. واليوم عملية سيناء أطاحت بالقادة العسكريين في بداية حكم الاخوان ..القادة الذين لايشاطرون الاخوان كل وجهات نظرهم ..
فالغرب واسرائيل لم يعودا يريدان أي احتمال لبقاء قوى كبرى حول اسرائيل .. ويجب ألا تتجاوز أية قوة حولها حجم اسرائيل جغرافيا وسكانيا وبالطبع عسكريا لأن الزمن تغير وعالم اليوم ليس عالم 1948 أو 1967 وعام 1973.. ومن المعروف ان هناك معادلة عسكرية صارمة في مصر تضعها أميريكا .. وهذه المعادلة صرّح بها الرئيس الراحل حافظ الأسد في مقابلة مع صحيفة أمريكية في نهاية الثمانينات .. فمثلا تسليح مصر الأمريكي كان وفق معادلة دقيقة للغاية وهي أن تساوي قوة مصر عسكريا دائما قوة سورية وليبيا مجتمعتين ليس الا .. وسقوط كلتا الدولتين (سورية وليبيا) يعني ضرورة اسقاط الطرف الآخر من المعادلة العسكرية وهي قوة مصر العسكرية أيضا .. واليوم لايمكن لمصر أن تكون اسلامية لان هذا الوضع لن يستمر طويلا ويجب اشغال الاسلاميين المصريين بمشكلات داخلية وصراعات بينية كبيرة .. سيتغير الحال يوما ولن يرث القادمون لحكم مصر دولة واحدة أو جيشا واحدا .. والدور قادم اليها بعد سورية..اذا سقطت..
مصر التي ستنطلق عملية فرمها بمجرد نهاية تقطيع الاوصال في سورية .. وربما من عجيب الصدف أن تماسك سورية هو الذي يحمي مصر نفسها من انطلاق التفكك فيها وتمثل سوريا الطوق الفولاذي حول الجسد الجغرافي المصري من حيث لايدري الكثيرون .. لأن اطلاق التفكك في مصر قبل انتهاء تفكك سورية قد يفسد المشروعين معا ولابد من تركيز الطاقة القصوى على كل واحد على مهل كما هي الحال مع كل الدول العربية التي سقطت تباعا على مهل واحدة بعد الأخرى .. فمصر تدخلها قطر الآن بالتدريج (كما دخلت الى سوريا بالخدعة والشراكة والأموال) وتحاول زرع نفوذها ومواليها..ومصر تدخلها أيضا تركيا بالتدريج .. وتدخلها السعودية بالتدريج وصارت تحاول استنساخ شخصية مصرية على شكل سعد الحريري .. وبمجرد انتهاء وسقوط سورية سيجد مشروع تفكيك مصر رؤوس الجسور القطرية والسعودية والتركية ليتحرك عليها وينقل ثقله ومحاربية وجهادييه الى مصر لشد أزر الاسلام الذي سيطلق جماحه فريق بلاكووتر (الذي يدرب الوحوش الآدمية في الجيش السوري الحر) بقتل بعض المسيحيين الأقباط أمام الكاميرات والذين سيتوالى استفزازهم كي يحملوا السلاح أو يطالبوا بالحماية الدولية (كما يطالب ثورجيو سورية اليوم) .. والبقية معروفة ..
الفريق الثاني على المنحدر السوري :
والفريق الثاني الذي لايستطيع التوقف في المشروع السوري هو الملك السعودي وفريقه ..وخلفه العائلة المالكة لأرض الحجاز .. وخلفهما شعب الجزيرة العربية ..فربما كان لبندر وعائلته يد في استهداف الخلية القيادية الأمنية السورية ولدى القيادة السورية قناعة أن العائلة المالكة السعودية مكلفة رسميا اما باسقاط سورية أو عليها توقع تغيير داخلي في المملكة .. عبر انقلابات العائلة المالكة نفسها أو عبر مشروع اسلامي بديل ناضج أمريكيا أيضا..مشروع يضفي شرعية أكثر على نموذج الحكم السعودي دون الحرج من ديكتاتورية الملكية المطلقة ..أي على نفس طريقة ايصال الاخوان المسلمين في مصر وهم أكثر شرعية من مبارك لكنهم يؤدون نفس خدماته للأمريكيين كما يبدو بذكاء ونعومة أكثر..
السعوديون يعرفون أن مافعلوه في سورية كان خديعة كشفت فقد أرسلوا ذلك الصبي سعد الحريري ليلثم أيدي السوريين معتذرا تائبا .. ثم أرسلوا وليد جنبلاط معتذرا تائبا ..ثم جاء الملك الى دمشق معانقا ومعتذرا لكونه من أنصاف الرجال..وكل ذلك الخداع كان من أجل هذه اللحظة الحاسمة في الانقلاب السريع في سورية والتي لم تتحقق .. ويبدو أن العودة الى الوئام والمودة صارت كمن يضحك على نفسه ..فالسوريون شعبا وقيادة عرفوا أن من غدر اليوم كل هذا الغدر لن يتوقف عن الغدر والطعن في الظهر وأن السلوك السعودي المتسلل الى الطمأنينة السورية يترجم كل تراث الخيانات العربية التي يجب ألا يسمح بتكرارها .. بل ان من ضرورات الأمن الوطني السوري اخراج النفوذ السعودي كليا من بلاد الشام واستئصاله .. حتى بالكتابة على جوازات السفر السورية العبارة الشهيرة (كل البلدان عدا..السعودية) والتي كانت يوما (عدا العراق) واليوم يجب ان تكون (عدا السعودية) لتوجيه الشباب السوري الى أسواق عمل أخرى لاتنتهي بتجنيدهم كخلايا وهابية .. وذلك لاخراج أي دور للنفوذ السعودي عبر استمالة جزء من الشعب السوري.. كما يحدث الآن..ولأن كل العمالات العربية في المملكة السعودية يجري الاستيلاء عليها ذهنيا وتحضيرها ليكون بعضها نواقل وحوامل للمشروع الوهابي ..
ولذلك لم يعد السعوديون قادرين على التوقف وسط المنحدر لأن السوريين بعد هذا الدرس سيعملون جهدهم اثر هذه التجربة القاسية على اقصائهم نهائيا من أي دور قادم في نزاعات الشرق الأوسط .. واخراجهم تدريجيا من المعادلات السياسية الداخلية للمجال الحيوي السوري الاقليمي بعد أن دخلوا عبر البوابة السورية المصرية يوما في مثلث سوريا -مصر- السعودية .. كما أن مستعمرتهم (الحريرية) في لبنان ستتلاشى ويتلاشى معها النفوذ السعودي الذي منحهم اياه الرئيس حافظ الأسد .. والذي يبدو أن على ابنه الرئيس بشار الأسد كنس النفوذ السعودي من لبنان بعد كل مافعل بالخاصرة السورية حيث صار الدور الوحيد للجيب السعودي الحريري هو ان يكون المقر والممر نحو تدمير سورية
التغيرات الدينمية الكبيرة في توزع قوى المنطقة بعد تماسك السوريين ستخلخل الخارطة السياسية السابقة وتقلل من دور السعودية التي تعاظم نفوذها عبر اشراكها في قضية فلسطين ومشاكل لبنان ..واخراجها من هاتين القضيتين سيعيدها الى حجمها الحقيقي سياسيا مهما كان نفوذها المالي .. النفوذ المالي في السياسة لايساوي شيئا من غير استقلال اقتصادي وسياسي وهو البعيد جدا عن السياسة السعودية .. كما أن الاستطالات السياسية هي التي تقوي النفوذ المالي وبالعكس كما هو حال الولايات المتحدة التي تملك نفوذا ماليا تحميه باستطالات سياسية بعيدة وبالعكس فان النفوذ السياسي يتعزز بحمايته بالنفوذ المالي وأسواق المال .. والهشاشة السياسية لايمسكها الثراء المالي ويمنحها الثبات في أي دولة مهما تعاظم .. بل ان الثراء السياسي هو مايمتن النفوذ المالي .. والسعودية بلد فقير للغاية سياسيا وفكريا ويكاد يذوب ويضمحل حقوقيا وانسانيا وأخلاقيا ..وكان مجال نفوذها الاقليمي مستمدا عبر القضايا التي تمسك سورية بمفاتيحها كلها..
ومعاكسة الخارطة الاسلامية الناهضة في المنطقة عبر الاستعصاء في سورية يعني انكماشا لنفوذ السعودية التي خرجت من سورية نفسيا وسياسيا .. بما يعنيه هذا الانكماش من حبس السعودية خلف مياه الخليج وجبال حضرموت اليمنية وحسابات المنطقة الشرقية الثائرة ..فيما تتمدد سورية نحو الشرق الأقصى دون حواجز.. وكذلك ماسيتسبب به الانكماش السياسي السعودي في هبوط الاستطالات السعودية السياسية الشمالية في بلاد الشام نحو الجنوب .. الى ماتحت تحت تحت خليج العقبة ..واغلاقها الباب خلفها بمفتاح الجغرافيا..حتى اشعار آخر..
والفريق الملحق بالسعودية الذي انحدر ولم يعد يستطيع التوقف لأنه مربوط بالحبال الى السعوديين هو فريق 14 آذار لبنان وهو الاستطالات السياسية السعودية المتمثل في الطفل المعجزة سعد الدين الحريري .. ووليد بيك جنبلاط ..والقاتل الدموي سمير جعجع .. وخلفهم قطيع كبير من المتحزبين والروبوتات الطائفية التي تعمل على الديزل والطاقة النفطية .. هذه الروبوتات لاتحاسب (القيادة) منذ وجدت على أي قرار ..ولم تتعرض قياداتها لأي انتقاد وكأنها جماهير خشبية .وبالتالي لايحق لأحد السخرية من جماهير الحزب القائد في الدول الثورية بعد ماقدمته جماهير وليد جنبلاط والحريري وجعجع من توقيع على بياض على أي قرار تؤخذ نحوه .. ونحو اي محرقة .. ولاأدري كيف لاتتبدل هذه القيادات عبر الزمن والتي تأخذ جمهورها منذ عقود نحو كل المرافئ وتحمل بضاعة سياسية وتنزل بضاعة سياسية حسب الطلب ليس كتجار الفينيق القدماء الذين جالوا على كل موانئ البحر المتوسط ..بل كتجار الرقيق ..
هذا الفريق اللبناني يعرف ان كل شيء تغير وأن قرار المنازلة معهم نهائي بعد انتهاء الأزمة السورية وأن عملية تنظيف لبنان من القوى المطاطية أولوية سورية ولمحور سورية بعد تجربتين لما يمثله هؤلاء البحارة الجوالون في عالم السياسة من خطر على استقرار الشرق الأوسط ولما يمثلونه من قدرة عجيبة على حمل فرسان الصليب الصهيوني..على متن تياراتهم السياسية (المطوءفة).. هذه التيارات التي تحولت عمليا الى قواعد وحاملات طائرات ..فهذه البنى السياسية اللبنانية تطلب التدخل والمساعدة الأممية وتمارس دور سطح حاملة الطائرات ومدرجاتها في استقبال القاذفات الغربية والقرارات الأممية والمحاكم الدولية وتزويدها بالوقود والصيانة ..ويعملون على تنظيم اقلاعها وارشادها ملاحيا..
الفريق الثالث على المنحدر السوري
الفريق الثالث الذي يهبط مسرعا ولايقدر على التوقف هو العائلة المالكة في الاردن التي حشرت انفها في الأزمة وصار لها معسكرات لجوء وتستقبل المنشقين وتحميهم وتتبرع بتوزيع النصائح .. الملك اليهودي تجرأ على مالم يتجرأ عليه غيره من ملوك الأردن دون حساب خط الرجعة الذي كان والده حسين بن طلال يضعه في حسابه قبل كل مغامرة مع السوريين .. وسبب ذلك أنه يحكم في السياسة بعقلية المقامر المراهق .. وهرولته على المنحدر المائل لم يعد ممكنا ايقافها ..لأنه ايضا سيجد أن كل وسائل الضغط السوري لم يتم تفعيلها حتى الآن .. ولكن تذبذبه السياسي الذي يعلله دوما بضعف الأردن ماليا واقتصاديا لم يعد مبررا ..فالفقرلايبرر الزنا ..ومايفعله الحكم الأردني هو الزنا بعينه .. والزناة في السياسة لاينجبون الا قرارات زانية ..وسلالات زانية ..وانتهاء الأزمة السورية سيعني أن المظلة التي حكمت الحياد السوري من مشاكل الاردن قد خلعتها الرياح العاتية ..وبقي رأس الملك والملكة من دون مظلات الحياد..ولذلك لم يعد الملك اليهودي قادرا على التوقف حتى نهاية المشروع..أو نهايته..
معضلة هؤلاء أن من سوء طالعهم أن سورية لم تسقط كما توقعوا وان اقدارهم مربوطة بها ..لأن لها امتدادات سياسية قوية تمتد تحت الأرض .. ومن له امتداد تحت الأرض له ثبات النخيل واقتلاعه ليس هواية وليس طقسا عاديا بل استثنائيا جدا..
أين نتجه اذا ؟؟
اذا لم يكن أحد قادرا على الوقوف فالأمور قد تستمر الى مالانهاية ..والبعض يتحدث عن سنوات .. لكن هذه تخمينات غير العقلاء .. فمما يلاحظ الآن ان المحللين من كلا الطرفين المؤيد والمعارض للشأن السوري يتسابقون لاعلان عدم وجود نهاية للأزمة لسنوات بالرغم من أن الطرفين تسابقا في البداية للتنبؤ بالنهاية السريعة .. ففريق الدولة الوطنية السورية حاول طمأنة الناس بقرب النهاية بينما أصر فريق الثورجيين من أبو ابراهيم وحتى أوباما أن القضية السورية صارت منتهية في أيام معدودة لصالح الثورة وأن العمل يجري على مرحلة مابعد الأسد ..لكن تبين أن كلا الطرفين لم يكن دقيقا .. كما أن توقع تطاول الأزمة لسنوات ليس دقيقا ولاواقعيا..
الأطراف الخارجية اللاعبة الرئيسية والمؤثرة هي تركيا والسعودية التي تنسق كليا مع الغرب واسرائيل .. والغرب لايستطيع فعل الكثير في المسألة السورية لولا هاتين القوتين .. ولكن هاتين القوتين الاقليميتين ليستا مجهزتين لاستمرار التورط بالمسألة السورية والصراعات ذات النفس الطويل وكان خداع النفس عبر رؤية انهيار ثلاث أنظمة صلبة في اسابيع قليلة ومن المحال أن يكون النظام السوري أقوى منها كلها ..
ولذلك نجد أن التصعيد والشد الحالي من قبل تركيا والسعودية (وخاصة تركيا) هو محاولة مستميتة لانهاء الملف قبل تطاوله أكثر مما يطيقا ..وقد نستغرب اذا عرفنا ان تركيا أكثر عجلة من السوريين لاقفال الملف السوري بأية وسيلة متهورة .. ولاتقدر السياسة التركية الآن تحمل استمرار توتر على حدودها واستقبال وتجهيز غرف عمليات ومقاتلين الى مديات طويلة وأشهر مديدة .. خاصة أنها بدأت تظهر انهاكا نفسيا وحزبيا ونزقا وعصبية اقتصادية ..وهي تفاصيل مثيرة لايتم تغطيتها اعلاميا بل طلاؤها بالعتم والظلام الاعلامي .. والأهم أن ارتدادات الأزمة وصلت الى “بلكونات” تركيا الشرقية عبر انتعاش حزب العمال (أو انعاشه!!)..وهناك دخان يتصاعد من مطبخ حزب العدالة والتنمية وبرلمان تركيا.. ولاتستطيع تركيا المتابعة في السباق أو خوض أي مفاوضات من منطق قوي مع العراق أو ايران أو روسيا الا بعد أن تقف منتصرة على المنصة والحلبة السورية ..
هل تلجأ تركيا للحرب لتسريع انهاء الصراع؟ هذا سؤال يقبل الاحتمالين ..وكلاهما للمفارقة يصب في مصلحة سورية والسبب هو ان انخراط سورية في حرب مع تركيا لم تعد فيه خسارة لسورية اطلاقا .. بل ربما مخرجا لاطلاق مفاوضات على طاولة الردع المتبادل عسكريا .. فما تخرب في سورية حتى الآن اقتصاديا وعمرانيا وسكانيا ونفسيا هو ماستجلبه أي حرب .. ولذلك فان أي حرب لن تزيد في الخسائر كثيرا .. أما تركيا فان أية خسارة لها في هذه الحرب هي خسارة كبيرة لأنها الآن دولة لايزال اقتصادها قابلا للانتعاش اذا توقف جنون الثالوث السياسي (أردوغان- اوغلو- غول).. ولاتزال سياحتها غير متأثرة ولاتزال منشآتها سليمة ومزاجها العام هادئا .. وكل هذا سيتعرض لهزة عنيفة في أي حرب فماالذي ستحدثه الهزة لسورية بعد الذي حدث؟؟ ولكن ماذا تعني الهزة لتركيا الآن خاصة اذا شارك العملاق الايراني العسكري في دفع المنصة التركية المتأرجحة بعنف؟؟؟ لن تنتهي المعركة مهما كانت النتائج الا بمغادرة الثالوث المجنون في تركيا غالبا الى التقاعد في جزيرة مرمرة مع عبد الله أوجلان .. وربما بدونه ..
واستدعاء الناتو الى تركيا لمساعدتها يعني استدعاء ايران الى تركيا وحزب الله الى حدود اسرائيل ولذلك يحاول المخططون استدراج حزب الله الى النزول الى حرب الشوارع في لبنان عبر خطف مدنييه والافتراء عليه سياسيا واعلاميا .. والحاق الاهانة بمؤيديه السياسيين مثل ماحدث مع الوزير المثقف ميشيل سماحة ..لاستفزاز مؤيديه واحراجه لاضطراره للنزول الى الشارع واندلاع الحرب الأهلية اللبنانية لامتصاص حزب الله عن حدود اسرائيل ..وفي الشارع المقابل ينتظره كل شيء الا العقلاء لأن أندر مافي ذلك الشارع هو كمية العقل والتعقل والعقلاء .. فكلهم مجانين على سوية الارهابي (الأسير) والضاهر .. ومن سوية الحر ابن الحرية والأحرار عبد الرزاق طلاس الذي يموت مقاتلوه حوله ويلقمون المدافع وهو مشغول بتلقيم “مدفعه” الهرموني .. فتخيلوا هذه العقول الثورية المهرمنة .. وكم ستتألم لسقوط الضحايا من الفريقين؟؟!!
ولذلك يحاول الأتراك اسماع الجميع قعقعة السلاح وضوضاء الحشود لالدخول الحرب بل لابعاد الحرب عن تركيا وبالذات الحرب الداخلية عبر ربيع تركي خاص.. لأن في قعقعة السلاح رسالة تحذير بعدم لعب نفس اللعبة القذرة مع تركيا بحيث ان وصول صاروخ سام الروسي الى ديار بكر ونصيبين التركية سيعقبه وصول ستينغر الأمريكي الى حلب .. وأن عدم كبح جماح حزب العمال قد يغضب الاتراك ويدفعهم للجنون .. ولكن من يكترث بعد اليوم بجنون الاتراك؟؟ لأن مافعلوه لايقدم عليه الا المجانين ..
ولذلك فان السوريين قرروا أن يرى الأتراك تصميمهم على تجاهلهم فيما يخص الأمن الوطني السوري ..حتى لو اقتضى الأمر استدعاء قوات الاحتياط ..لملاقاة المجانين..أو منعهم من الجنون فيما نحن نقوم بعمليات بتر الأصابع التركية والسعودية..الأصابع يتم فرمها دون رحمة..وبانتظام
وقد نفاجأ اذا عرفنا أن من يقفون على رأس المنحدر السوري وينظرون للهابطين والمنزلقين بسرعة هم الرئيس نجاد والسيد حسن نصرالله والرئيس الروسي فلاديمير بوتين..والرئيس بشار نفسه (صاحب المنحدر) .. الذي اعتقده الهرولون على المنحدر يجري أمامهم ..فاذا به على القمة يدحرج خلفهم حجرا ثقيلا وجلمود صخر حطه السيل من عل .. لأن المنحدر لايسقط فيه العقلاء والاستراتيجيون ..ولايبقى على الذرى الا الصبور والممسك بوطنه كالقابض على الجمر .. اننا نمسك بسوريا كمن يمسك ايمانه الحقيقي هذه الايام أو يمسك الجمر .. ولكن لن يفلتها مهما احترق جوف قبضته..
فالقوة المتناهية هي أن لاتظهر وتطل من فوق المنحدر الا عندما تريد أنت وأن لايتوقعك الخصم فوق المنحدر تنظر ساخرا الى المهرولين الذين لايقدرون على التوقف والانزلاق .. المهرولون اقتربوا من نهاية المنزلق بسرعة قياسية ..ومن فوق يلوّح لهم أربعة قادة .. ويتمنون لهم طيب الاقامة ..فالذرى للقادة الكبار .. والحفر العميقة لسكان الحفر ..والجحور .. التي ستمتلئ قريبا..وبجلاميد الصخر التي سترمى عليهم ..من الذرى ..
نارام سرجون
(المقالة تعبر عن رأي الكاتب، وهيئة التحرير غير مسؤولة عن فحواها)
دائما” مقالاتك اخ نارام تصب بقلب الحقيقة ومن راهن على النظام فهو لن يسقط لان النظام هو الوطن والشعب والنخبة الزكية التي ترسم السياسات الصحيحة ومن عرف سقف الامور امتلك الرؤية البعيدة للأمور
شكرا على القراءة المنطقية، فحتى تتحقق هذه القراءة فعلى الإخوة السوريين تفعيل الإعلام بشكل كبير حتى يروج ويكون مواكبا لذلك، فكل الذي أرجوه من الإخوة السوريين تقديم إعلام نشط وفعال وجريء ولا أنكر أن الإعلام خطا خطوات جبارة وهائلة ولكني أشعر بأن من يمتلك الحقيقة والصدق فهو الذي يبقى، والإعلام السوري مميز بذلك، ولولا هذه الميزات لانقرض وسط الديناصورات المادية الضخمة، فلماذا لم يكن الإعلام خارقا لكل الحصارات ومدويا وصادحا بالحق في كل بقاع العالم.
رائع يا أستاذ نارام
تحليل واقعي ومنطقي رائع
مشكور