زاوية معمارية

تكريماً لروزفلت وحرياته الأربعة

بعد ما يُقارب مرور أربعين عام على تسمية جزيرة ويلفير باسم الرئيس الأمريكي السابق “فرانكلين روزفلت”، هاهو منتزه الحريات الأربعة على وشك الانتهاء.

فعلى امتداد أربعة فدادين من الأرض جنوبي جزيرة روزفلت في مدينة نيويورك، يأتي هذا المنتزه ليكرّم الرئيس الثاني والثلاثين للولايات المتحدة الأميركية والحريات الأربعة التي آمن بها.

أما عن الاسم الأسطوري الذي تم اختياره لمهمة تصميم هذا المنتزه فهو المعماري العالمي الراحل لويس كان، الذي استلم هذه المهمة في بدايات السبعينيات وتمكّن من إنهاء تصميمه مباشرةً قبل رحيله في عام 1974.

ولكن مع اقتراب مدينة نيويورك من الإفلاس تم تعليق المشروع حتى 29 من آذار عام 2010؛ والآن ولحسن الحظ ينتظر الكثيرون حفل افتتاح هذا المنتزه الذي سيجري مع حلول الخريف.

لكن دعونا نعود بالزمن وإياكم لاستشفاف خفايا عملية التصميم التي أنتجت هذا المنتزه المميز؛ إذ وخلال عملية التصميم دأب “كان” على قضاء الكثير من لقاءات المراجعة الخاصة بالمشروع في تذكّر الرئيس السابق روزفلت وسياساته، مع الأخذ بعين الاعتبار أنه كان معجباً كبيراً به وبسياساته.

إحدى جوانب فلسفة روزفلت التي يبدو أنها قد كانت ذات تأثير كبيرٍ على “كان” هي الإيمان بإمكانية حلّ المجادلات بالنقاش الهادئ والمُسالم، تماماً كجلسةٍ عائلية حول مائدة العشاء. حيث فسّر “كان” هذا المفهوم عبر خلقه لما يُعرف بالـ “غرفة”؛ وهي عبارة عن ساحة تمتد على 72 قدماً مربعاً تؤطّرها من أعمدةٌ غرانيتية مرتفعة ثلاثة جوانب بأبعاد 6قدم×6قدم×12قدم، تم تصميمها لتشير إلى التأمل الهادئ ولتخدم كآخر محطات المنتزه.

والجدير بالملاحظة هنا هو تأكيد “كان” على الشكل المثلثي للموقع، وتعمّده جذب انتباه الزائر للرأس البرونزي الهائل للرئيس روزفلت، والذي يقع عند عتبة “الغرفة”.

فما أن يسير الزوار بجوار المنحدر اللطيف والمساحات المرصوفة بالغرانيت التي تخطّها أرتالٌ من الأشجار الكبيرة المظللِّة، سيبقى الانتباه معلّقاً بشكلٍ غير مباشر على المحطة الأخيرة في المنتزه.

أما عن منحوتة الرأس البرونزية التي يحتضنها المكان فقد جاءت بتوقيع النحّات والرسام الأميريكي العظيم جو ديفيدسن، الذي أنجز هذا العمل خلال أول فترةٍ رئاسية للرئيس روزفلت في عام 1933، والتي يمكننا أن نراها في صور المنتزه بارزةً بتناقضٍ كبير مع الغرانيت الأبيض، ما يسمح للزوار برؤيتها من مسافةٍ بعيدة.

وبالعودة إلى “الغرفة” قليلاً، يمكننا الانتباه لجدرانها الغرانيتية وللغرانيت المنتشر في شتى أرجاء الموقع؛ حيث نُقش عليها اقتباساتٌ مأخوذة من خطاب روزفلت الشهير بالحريات الأربعة في يناير 1941، والذي تاق فيه روزفلت إلى عالمٍ يؤسس على هذه الحريات الإنسانية الأربعة؛ حرية الكلام والتعبير، حرية العبادة، التحرر من الرغبة، وأخيراً التحرر من الخوف.

علاوةً على ذلك، لا بد لنا من الإشارة إلى نقطةٍ أساسيةٍ أخرى قادت العملية التصميمية للمنتزه؛ إنها فكرة البحرية التي تثني وتشير إلى حبّ وارتباط روزفلت بالبحر؛ إذ يقوم التصميم المتناظر على معيار العمارة البحرية، كما تظهر الخطة النهائية على هيئة مقدمة مركبٍ يطل على المدينة وعلى مياه المحيط الأطلسي الشمالية.

المهم في الأمر كله هو إنهاء “كان” لتصميمه قبل رحيله غير المتوقع عقب ذبحةٍ قلبية، والذي لم يؤثر لحسن الحظ على استمرار العمل والتوصل الآن لفرصة الاحتفال بافتتاحه بغض النظر عن كل المصاعب التي واجهته.

يجدر الذكر ختاماً أن جحر الأساس الغرانيتي الأول قد وُضع في سبتمبر، أيلول 2010 في حين بدأت الأعمال الإنشائية لـ “الغرفة” في سبتمبر 2011. أما في أبريل، نيسان هذا العام فقد تم دفن كبسولة الستينليس ستيل التي تتضمن حاجيات الرئيس الراحل روزفلت الجديرة بالتذكر في موقع المشروع. والآن فما علينا سوى الانتظار لأكتوبر للوقوف على مجريات حفل الافتتاح وأصداء العمل!

سيريان تلغراف

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock