مخرج .. للملك ! .. بقلم محمد شمس الدين
الخطوة التي بادر اليها الملك السعودي عبدالله بن عبد العزيز بدعوة الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد إلى قمة الدول الإسلامية هي من المفاجآت التي دأب الرجل على إطلاقها في كل مرة تصل فيها الأمور الى «عنق الزجاجة» وإن كان سياقها طبيعياً مع العنوان الذي تنعقد القمة «الإسلامية» تحته، إلا أن لهذه الدعوة دلالاتها في هذه الظروف العصيبة التي تمر بها المنطقة. لم تكن هذه الخطوة للملك الأولى من نوعها، فقد بادر سابقاً الى زيارة دمشق ولقاء الرئيس السوري بشار الأسد في تموز 2009، وكانت تلك الزيارة هي الأولى بعد اغتيال رئيس وزراء لبنان الأسبق رفيق الحريري عام 2005، وما شهدته العلاقات السعودية – السورية من توتر على خلفية هذه القضية التي اتهم فيها حزب الله وموقف سورية من ذلك، وقضايا اخرى أهمها موقف دمشق الداعم للمقاومة في لبنان، في وقت كان الضغط يتركز فيه على امكانية نزع السلاح، الى ما نشأ من أزمات بين الجانبين إبان معركة تشكيل الحكومة في لبنان في السنة نفسها.
دعوة الرئيس الإيراني الى قمة الدول الإسلامية في السعودية تأتي في وقت وصلت فيه الأزمة في سورية الى عنق الزجاجة، وقد رقّ قلب الملك، الذي أراد من خلال استقبال أحمدي نجاد الوجه الآخر للرئيس الأسد في الأزمة التي تعيشها سورية، والتي نجحت دمشق بتدويلها وإخراجها من يد الجماعات المسلحة، وتثبيت أنها حرب دولية عليها وليست حرباً أهلية كما اشتهى الكثيرون توصيفها، تمهد الطريق أمام انسحاب سياسي تكتيكي تتولاه السعودية التي تقف خلف الواجهة القطرية – الأميركية والحلفاء، بمواكبة ما أعلن عنه قائد ما يعرف بـ»الجيش السوري الحر» رياض الأسعد من أن «قواته» اتخذت قراراً «بتنفيذ انسحاب تكتيكي من كل أماكن القتال في سورية نتيجة الضربات الموجعة التي تلقتها من الجيش السوري.. ونظراً لعدد القتلى الكبير الذي لحق بعناصره وعناصر الجماعات المسلحة»، التي بحسب وصفه، «تتلهى عن القتال بجمع المال والخلاف على المناصب».
وفي هذا السياق، لا بد من الإشارة الى أن تصريح الأسعد الذي وزعته وكالة «رويترز»، وعادت وقالت إنها لا تتبناه، وان موقع التدوين خاصتها تم اختراقه، ليس في مجال بحثنا اليوم، ألا أنه ينسجم من حيث المبدا مع معظم الوقائع على الأرض من ناحية، ومع السعي الدولي للتفتيش عن مخارج لائقة لتدوير الزوايا، بعدما تأكد الحلف العربي – الغربي أن عناوين ما يحصل في حلب تدل بشكل واضح على ما سيحصل في تلك المدينة التي تخضع لخطة محكمة وضعها الجيش السوري، وعلق تنفيذها، مرسلاً رسالة الى من يعنيهم الأمر بأن الفرصة متاحة أمامهم لاتخاذ قرار جريء يوفر على الجميع معركة قاسية وخسائر فادحة، لكنها بالنسبة للدولة في سورية محسومة النتائج.
وتقول مصادر دبلوماسية مطلعة إن الدبلوماسية الروسية والصينية والإيرانية نقلت مضمون هذه الرسالة التي يعرف متلقوها حقيقة الوضع القائم على الأرض من خلال غرف عملياتهم المتمركزة في «الجبهة الأمامية» في تركيا، والتي حاولت تنفيذ خطة فتح طرق الإمداد للمجموعات المسلحة المتمركزة في نقاط محددة جداً في المدينة واكثر خارجها أو في ريفها كما اصطلح على تسميته، متناسية أنها تتعامل مع جيش نظامي امتهن الحرب وتدرب على المقاومة ما يؤهله لخوض حرب باشكال متعددة.
ما تعنيه دعوة الملك للرئيس الإيراني الذي لن يتوانى عن تلبيتها لأسباب تتعلق أولاً بممارسة حقه في حضورها دون منة من أحد، هو أن الابواب قد تكون فتحت للتخفيف من حدة التوتر الذي بلغ ذروته، بحيث بات الوضع في المنطقة على فوهة بركان وسط قرقعة السلاح وهدير محركات السفن التي ازدحمت بها مياه الخليج، والمناورات العسكرية والدولية في وقت لا تستطيع اية دولة تحمل عبء انفجار هذا البركان، إضافة الى الشعور بأن خسارة الدول المراهنة على كسب الحرب في سورية باتت مؤكدة.
مؤشرات ذلك، إضافة الى دعوة الملك ومعطيات الميدان، نقطتان: استقالة كوفي أنان الذي فر من تحمل تبعات سياسة الحلف العربي- الغربي، والقرار غير الملزم للجمعية العامة للأمم المتحدة الأخير حول سورية الذي جاء في إطار سيناريوهات الإخراج الذليل الأفضل من.. الأذل، وهذا على الأقل ما يعتقده قيادي سوري بارز.
محمد شمس الدين
(المقالة تعبر عن رأي الكاتب، وهيئة التحرير غير مسؤولة عن فحواها)