صيدنايا السورية.. حيث للثورة معنى آخر
تشعبت الأزمة التي تلقي بظلالها على سورية منذ عشرة اشهر، ولم تعد مقتصرة على معسكرين يصعب جمعهما، وفي ظل التخبط الأمني الذي تعيشه بعض المدن والأرياف السورية، دخل طرف ثالث على خط الأزمة، عصابات تستغل النفحة الثورية لا تأبه لإصلاحات او تغيير نظام، جل همها ينصب في كيفية سرقة، وترويع المواطنين الذي لم يتمكنوا بعد من تصديق المرحلة التي يمرون بها بعدما عاشوا في سلام وآمان طوال عقود خلت.
مدينة صيدنايا السورية ، كانت الى وقت ليس ببعيد مدينة سياحية تستقبل الزائرين من شتى اصقاع الأرض، تمتاز بموقعها الجبلي المتميز حيث تحتضنها جبال القلمون، ويشكل دير سيدة صيدنايا الشهير الذي يعتبر المحج الثاني للمسيحيين في الشرق بعد القدس، المعلم السياحي الأبرز في المدينة.
تبعد صيدنايا 28 كم عن دمشق، ويحدها من الجنوب معرة صيدنايا، ومن الغرب تلفيتا ومنين، ومن الشمال الشرقي رنكوس، وقرية بدّا من الجنوب الشرقي، وعكوبر من الشرق، وتمتد سهولها شمالاً حتى سلسلة جبال لبنان الشرقية.
وتبعد عن الحدود اللبنانية السورية (البقاع- بلدتي حام ومعربون) حوالي 40 كم. موقعها الجغرافي المتميز مكنها من ان تكون مصيفاً هاماً، شتاؤها بارد، وصيفها معتدل اقرب الى البرودة في ساعات الليل.
قواسم مشتركة كثيرة تلك التي تجمع بين اهل صيدنايا ممن تحدثوا الى عربي برس، يجمعون على رفض العنف المتولد من رحم الثورة، وعدم ذكر اسماءهم كاملة خشية ردة فعل عصابات السرقة التي تصول وتجول دون حسيب او رقيب في ظل غياب شبه تام للأمن، العصابات امتهنت التعرض بشكل اساسي لأصحاب سيارات التاكسي لسهولة استهدافهم كما يقول (ب.ن) الذي اقتسم فرحة شراءه سيارة تاكسي جديدة مع السارقين. يقول ب.ن ” لم يكن قد مضى على شرائي سيارة تاكسي يومان، قمت بتسجيلها لدى مكتب لإيصال الركاب، اتى 3 رجال طالبين مني ايصالهم الى (قرية بدا) مقابل مبلغ مالي مغري، وافقت على العرض، وبعد خروجنا من صيدنايا بعدة كيلومترات وضع احدهم مسدساً في رأسي، وطلبوا مني الترجل من السيارة اعتقدت ان ما يحدث معي هو كابوس للوهلة الأولى، طلبوا مني مفاتيح السيارة ووضع كل ما املك من نقود على الأرض فعلت خشية قيامهم بإطلاق النار علي، قام احدهم بجمع المال، بينما تفرّغ الآخران لضربي بشكل مبرح حتى سقطت ارضاً، اوهمتهم انه قد اغمي علي ، فسمعت احدهم يقول لنقتله افضل، ولكن العناية الإلهية تدخلت وانقذتني بعدما اعتقد زميله انني فارقت الحياة نتيجة إقدامه على جس نبضات قلبي.
لا تختلف قصة أبو جورج عن ب.ن سوى ان السارقين لم يقدموا على ضربه، خسر سيارته نتيجة قلبه الطيب كما يقول، “اقدمت على نقل 4 اشخاص الى رنكوس بعد منتصف الليل واخبروني انهم لا يملكون سوى 30 ليرة سورية، ولما وصلنا الى مشارف رنكوس اقدموا على سرقة سيارتي دون التعرض لي”.
القصة الأغرب في احداث صيدنايا تكمن في رواية ح. الأحمر الذي كان عائداً لتوه من العمل، رأى مجموعة من الأشخاص تقيم حاجزاً من دون ان يحمل افرادها سلاح ما اثار في نفسه الريبة، ولما وصل على مقربة منهم اشاروا اليه بالتوقف تردد في بداية الأمر ولكنه اذعن لطلبهم اعتقاداً منه أنهم أمن حاولوا سرقته فقاومهم بداية، شاهد احد ابناء صيدنايا ما يحدث فأسرع الى المخفر ليخبرهم بما حدث، دقائق معدودة وصل بعدها عناصر المخفر الى مكان الحادث اطبق عليهم المسلحين ووقعت بينهم اشتباكات انتهت بمقتل رئيس مخفر صيدنايا نسيم الهادي واثنين من المسلحين وتمكن باقي افراد المجموعة من الهرب، الغريب ان المسلحين تركوا لدى احمد هاتفه وامواله الأمر الذي جعل الكثيرين من ابناء صيدنايا يقولون ان ما فعله المسلحون لم يكن بقصد السرقة ولا الخطف بل محاولة إستدراج عناصر المخفر والإشتباك معهم، وأغلب المؤشرات تدل على انهم من صيدنايا لأنهم تمكنوا من الهرب والإختباء بسرعة في المناطق الجبلية التي لا يعرف الغرباء تضاريسها”، الحادثة جعلت شباب صيدنايا وبعض عناصر الشرطة يقومون بدوريات ليلية لتفادي حوادث اخرى ممكن ان تحدث.
ينطبق المثل الشعبي القائل شر البلية ما يضحك على ن.ن فهو صاحب مزرعة بمعرة صيدنايا ومعروف عنه أنه رجل غني ومقتدر، كان يلعب الميسر في فيلته مع اصدقائه، دخلت عليهم مجموعة مسلحة، وطلب افرادها منهم تسليم انفسهم ظن ن انهم من الشرطة وان امره، واصدقاءه قد انفضح، وبدأ يلقي الإتهامات على صديق له كان قد خسر معظم امواله في ليلة سابقة اعتقاداً منه أنه وشى عليهم، اقدم المسلحون على سرقة كل ما وقع تحت انظارهم في الفيلة، واختطفوا ن مطالبين اهله بدفع فدية لإطلاق سراحه، دفع اهل ن مبلغ مليوني ليرة سورية لإستعادته.
غياب الأمن وتكرار الأحداث المأساوية دفع ببعض اهالي صيدنايا الى اتهام اهالي رنكوس وبدا وبعض القرى المجاورة بمحاولة ترويعهم، وذهب بعضهم الى محاولة اللعب على وتر الطائفية، لكن العقلاء في صيدنايا يؤكدون ان ما يحدث لا دخل للطوائف به وان الموضوع هو عبارة عن فوضى افسحت المجال لإرتكاب اعمال كانت بلدتهم بعيدة كل البعد عن التعرض لها في الأشهر القليلة الماضية.