حملة الذرائع المنظمة والأسلحة الكيميائية السورية .. بقلم حسين مرتضى
يتضخم الحديث الأميركي الإسرائيلي في هذه الأيام عن أسلحة سورية الكيماوية، وإمكانية انتقالها إلى حزب الله، وبالتوازي مع ذاك التضخيم، تتصاعد التهديدات المشتركة بشن حملة – حرب عسكرية على سورية، بذريعة السيطرة على الأسلحة الكيماوية، قبل أن يتم نقلها إلى حزب الله، والمصادر الإعلامية المختلفة أخذت تتحدث عن اتصالات وتنسيق بين الدولتين لوضع خطة في هذا الاتجاه – والتقديرات أن مثل هذه الخطة جاهزة منذ زمن.
والسؤال الذي يتبادر لذهن أي متابع للأزمة السورية هو: ما حقيقة هذه الحملة الجديدة؟ ولماذا هذا التوقيت بالذات؟ وما الهدف منها؟ من دون شك يبدو هذا التصعيد والتهديد الحربي من الكيان الإسرائيلي الأميركي المشترك، لسورية وحزب اللـه في حكاية الأسلحة الكيماوية، هو تصعيد مبيت منهجي مع سبق الإصرار، وهو تصعيد يرتقي على لسان الخارجية والدفاع الأميركيتين إلى مستوى حرب إقليمية، بل إن وزير الحرب الإسرائيلي باراك كان استحضر منذ نحو عامين في المؤتمر السنوي للجنة اليهودية الأميركية في واشنطن، الذي تكلمت فيه وزيرة الخارجية الأميركية هي الأخرى، مصطلحات صهيونية حربية فقال: «إن إسرائيل تستشرف الغيوم الكثيفة تتلبد في الأفق.
حملة الذرائع هذه ترافقت مع تكثيف إعلامي خارج حدود الكيان المصطنع، وبالذات وسائل الإعلام التابعة أصلاً لجماعات اللوبي الإسرائيلي، فكانت السباقة صحيفة وول ستريت جورنال، وبشكل واضح عن موضوع الأسلحة الكيميائية السورية، التي تحدثت الصحيفة في تقريرها، عن مدى المخاطر الكبيرة التي يمكن أن تحدث إذا تفاقمت الاضطرابات ووصلت الفعاليات الاحتجاجية إلى مرحلة الفوضى، بما يمكن أن يؤدي إلى وقوع مخزونات أسلحة الدمار الشامل السوري في أيدي الجماعات الإرهابية.
ولم تنس الصحيفة أن تأتي على ذكر تصريح سفير الكيان الإسرائيلي في الولايات المتحدة الأميركية ميشيل عورين، حين تحدث قائلاً: «إن الكيان الإسرائيلي وأميركا، تقومان حالياً بمراقبة ومتابعة موضوع الأسلحة السورية إضافة إلى متابعة الموقف باهتمام بالغ»، وأضاف السفير ميشيل عورين قائلاً : إن «رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قد أصبح هذه الأيام أكثر تفاؤلاً بالفرص والمزايا الإيجابية التي سوف تحصل عليها إسرائيل إذا انهارت دمشق وسقط النظام الحالي».
ليخرج بعدها نائب رئيس الأركان في الكيان الإسرائيلي يائير نافيه، قبل أيام، متحدثاً لإذاعة جيش الكيان الإسرائيلي، ليقول: إن سورية تمتلك «أكبر ترسانة أسلحة كيميائية في العالم»، مؤكداً إمكانية استخدام هذه الأسلحة مع «إسرائيل»، ويتابع: «سورية جمعت أكبر ترسانة من الأسلحة الكيميائية في العالم وتمتلك صواريخ قادرة على الوصول إلى أي منطقة في الأراضي الإسرائيلية».
وكان مسؤولون إسرائيليون عسكريون آخرون أكدوا في الأشهر الأخيرة أن سورية تمتلك أهم مخزون من الأسلحة الكيميائية، معربين عن تخوفهم من وصول هذه الأسلحة إلى حزب الله.
وكان قائد المنطقة العسكرية الشمالية في جيش الكيان الإسرائيلي يائير جولان، قال مطلع الشهر الجاري: «إن إسرائيل ستدرس إمكانية مهاجمة قوافل محتملة تنقل أسلحة متطورة في حال اكتشفها الجيش الإسرائيلي في الوقت المناسب».
إن حملة بناء الذرائع هذه، استندت إلى فقرة وردت في تقرير وكالة المخابرات المركزية الأميركية، وتحديداً في عام 2009م، التي زعم من خلالها التقرير بأن سورية تمتلك بالأساس، ومنذ عدة سنوات، مخزونات لعناصر ومكونات الأسلحة الكيماوية وتستطيع أن تستخدم هذه العناصر في شن الحرب الكيماوية، في أي وقت ما دامت تمتلك الطائرات والمقذوفات والصواريخ والمدفعية المؤهلة لذلك.
إن الأداء السلوكي للضغوط الأميركية والأوروبية الغربية الخارجية حالياً على دمشق، بالتزامن مع التصعيد لقادة الكيان الإسرائيلي، حول موضوع الأسلحة الكيميائية السورية، يدلل على البدء بالتفكير في منظومة عقوبات دبلوماسية تهدف إلى إضعاف القدرات السياسية السورية، وعلى وجه الخصوص قدرات الدبلوماسية السورية، التي استطاعت نقل الحقائق حول الأزمة السورية إلى كل العالم، إضافة إلى تفويض إمكانية السياسة الخارجية السوري، وإضعاف قدرة حلفاء سورية على الدفاع عنها لفترات طويلة.
وببساطة المطلوب، فرض منظومة عقوبات عسكرية تهدف إلى إضعاف قدرات سورية العسكرية، وتتضمن اجبار روسيا وكوريا الشمالية والصين إضافة إلى إيران، بالالتزام بحظر ومنع بيع السلاح والعتاد العسكري إلى سورية، وفي هذا الخصوص تقول التسريبات والمعلومات: إن محور واشنطن- باريس- لندن يقوم حالياً بالتسويق لمشروع قرار دولي يحظر بموجبه مجلس الأمن الدولي تزويد سورية بإمدادات السلاح والعتاد العسكري، كل ذلك من أجل فرض المزيد من الضغوط على سورية لكي تقوم بتفكيك قدرتها العسكرية غير التقليدية، وعلى وجه الخصوص القدرات الكيماوية إضافة إلى القدرات الصاروخية.
ولسنا هنا بحاجة للتذكير، أن المطلوب إسرائيلياً وأميركياً وفرنسياً وبريطانياً وألمانياً، هو القضاء على قدرات سورية العسكرية، بما يجعل من سورية بلداً أعزل بلا قدرات دفاعية، وفي حالة انكشاف كامل أمام تهديدات القدرات العسكرية الإسرائيلية المتنامية، وبالذات غير التقليدية، التي لا يراها الغرب، مع أن موقع nfc الإخباري في الكيان الإسرائيلي، أورد تقريراً لـ«هدار بربر»، يتحدث عن مؤشر السلام العالمي، ويقول فيه: إن «إسرائيل» أخطر من سورية على السلام العالمي، حيث قال: «صنف مؤشر السلام العالمي الصادر عن معهد الاقتصاد والسلام الأميركي- الاسترالي «GPI» «إسرائيل» في صدارة الدول التي تشكل خطراً على السلام العالمي وجاءت في المرتبة 150 في المؤشر.
يشار إلى أن معهد «GPI» هي منظمة دولية غير ربحية تختص بدراسة الوضع الأمني في العالم، عبر أدوات علمية وتقوم بإصدار تقرير سنوي لها منذ عام 2007.
وقد وضع هذه الترتيب بشكل تنازلي بناءً على درجات تمنح للدول المبحوثة في 23 مجالاً سلبياً يشكل خطراً على السلام العالمي، ومنها نسبة أعمال القتل والجريمة، والعلاقات مع دول الجوار، وفي المجال العسكري، فيما يخص قوة الجيش، وتصدير السلاح، وعدد الجنود، وحجم الأسلحة الثقيلة التي تمتلكها الدولة، والأسلحة غير التقليدية.
فعلينا أن نتوقع احتمالات أن تسعى أطراف محور تل أبيب وواشنطن وباريس ولندن، لجهة المطالبة تعبئة الجهود الدولية من أجل السيطرة الدولية على مخزونات القدرات العسكرية غير التقليدية السورية، وذلك على خلفية مزاعم ومسوغات أن الاضطرابات الاحتجاجية السورية سوف يؤدي تصاعدها إلى احتمالات وقوع هذه القدرات في أيدي الجماعات الإرهابية، وهدف كل ذلك إفراغ الجيش العربي السوري، من قدراته وقوته الصاروخية والعسكرية التي ترعب جميع هؤلاء.
حسين مرتضى
(المقالة تعبر عن رأي الكاتب، وهيئة التحرير غير مسؤولة عن فحواها)