عن امكانية حصول تغير في الموقف الروسي من الأزمة السورية .. بقلم سامر الياس
تخطف موسكو الأضواء مرة أخرى. وتنتظر العاصمة الروسية زيارة وفد رفيع المستوى من جامعة الدول العربية في الفترة القريبة المقبلة. وتأتي الزيارة مع دخول الأزمة السورية منعطفا جديدا إثر دعوة الجامعة العربية الرئيس بشار الأسد “للتنحي سريعا عن السلطة مقابل الخروج الآمن”.
وتتزامن الدعوة العربية مع استمرار معارضة موسكو للعقوبات أو التدخل الأجنبي. وشدد الرئيس فلاديمير بوتين في 23 يوليو/ تموز على أنه “يجب على القيادة السورية الحالية والمعارضة المسلحة ان تجدا في نفسيهما القوة لاجراء عملية تفاوض”، ورفض اشتراط خروج الأسد للبدء في هذه المفاوضات. وحذر بوتين من امكانية استمرار الحرب الاهلية اذا أطيح بحكومة الأسد.
ويبدو من التصريحات الرئاسية أن موسكو مازالت ثابتة على موقفها بعد الفيتو الثالث في مجلس الأمن. فيما تشي تصريحات وتحركات بقرب تغير في الموقف الروسي، وهو ما بدا واضحا في تصريحات السفير الروسي ألكسندر أرلوف في باريس، حيث يتركز حاليا الحراك السياسي الأبرز، بأنه “من الصعب تصوّر أن يبقى (الأسد).. سوف يرحل وأعتقد أنه يفهم ذلك، لكن يجب تنظيم ذلك بطريقة حضارية، كما حصل في اليمن مثلاً”.
الغموض والاشارات المختلفة الاتجاهات من روسيا، إضافة إلى محاولة رسم حل توافقي جديد يحظى بدعم الكرملين شجع الجامعة العربية على زيارة موسكو للوقوف على حقيقة الموقف بوضوح. وقرر الاجتماع الوزاري العربي بشأن سورية إيفاد الأمين العام للجامعة الدكتور نبيل العربي، ورئيس الوزراء وزير الخارجية القطري حمد بن جاسم آل ثاني إلى موسكو لبحث الملف كاملا.
الجامعة العربية تغلق باب الإصلاح…
صعدت الجامعة العربية موقفها من نظام الرئيس الأسد. وأغلقت قرارات الجامعة العربية الباب أمام أي حديث عن الإصلاح السياسي، وعرضت بدلا عن ذلك انتقال السلطة. واقترحت الجامعة العربية النموذج اليمني لتأمين “خروج آمن” للأسد وأسرته. اقتراح أكد العربي ذاته أن الأسد سوف يرفضه مئة في المئة، ما يطرح تساؤلا حول الهدف من طرحه، خصوصا ان العربي قال لصحيفة الحياة اللندنية إن الجامعة تبحث في آليات وضمانات محددة في شأن “الرحيل الآمن” مسترشدة بما جرى في اليمن.
محددات الموقف الروسي….
بعيدا عن التصريحات الرسمية المباشرة تزداد التكهنات حول تغيرات محتملة في الموقف الروسي من الأزمة السورية. ولابد من البحث في أسباب ومحددات الموقف الروسي من الأزمة، فمعظم التحليلات منذ اندلاع الأحداث في بداية مارس/آذار من العام الماضي تنطلق من قلق روسي حول مستقبل القاعدة البحرية في طرطوس، أو مبيعات الأسلحة إلى سورية. فيما يربط آخرون الموقف الروسي بالخوف من صعود تيارات الإسلام السياسي، وازدياد الدور الإقليمي لتركيا. ويذهب بعض المحللين إلى أن السبب يكمن في مصادر الطاقة والصراع على بناء خطوط أنابيب لنقل النفط والغاز من منطقة شرق المتوسط والعراق والخليج إلى أوروبا مما يفقد روسيا دخلال مهما ونفوذا سياسيا في داخل القارة العجوز. فيما توضح تحليلات أخرى أن روسيا تخاف على مصير الأقليات، وتخشى من حرب إقليمية على أساس طائفي في المنطقة، وأخيرا فإن البعض يشير إلى مخاوف من امتداد “الربيع العربي” إلى دول آسيا الوسطى وروسيا نفسها.
وحتى لا نجانب الحقيقة فإن مجموع ماسبق ذكره ربما يكون في صلب السياسة الروسية، لكن الواضح أن عوامل أخرى تلعب دورا كبيرا في تبني الموقف الحالي وهو أن روسيا ترفض اللجوء إلى أساليب اسقاط النظام من الخارج حتى لا تشكل سابقة في العلاقات الدولية، كما تريد موسكو لفت الانتباه إلى أن ملامح عالم جديد متعدد الأقطاب بدأت تتشكل مع استعادتها لدورها العالمي وقدرتها على تعطيل اتخاذ أي قرار دون موافقتها.
ويجب عدم النظر إلى الموضوع من زاوية واحدة، فاختزال الموقف الروسي على مصير قاعدة طرطوس مقاربة خاطئة لأن روسيا لن تعجز عن إيجاد قاعدة تقنية في البحر الأبيض المتوسط لتزويد سفنها بالوقود، وإجراء بعض الفحوصات للسفن قبل معاودة الإبحار، كما أن مبيعات الأسلحة لسورية لا تشكل نسبة كبيرة من سوق السلاح الروسي الذي لا يشكل أساسا داعما كبيرا للاقتصاد الوطني.
ان ما يعزز الموقف الروسي هو عدم قدرة البلدان الغربية والناتو على التدخل في سورية عسكرياً، والاكتفاء بإدارة الأزمة عبر تصعيد إعلامي غير مسبوق ورفع في حدة التصريحات التركية والغربية مع عجز واضح عن التدخل.
هل تغير روسيا موقفها؟
تزداد التكهنات بأن التغيرات الميدانية وتواتر الأنباء عن زيادة تسليح الجيش الحر والمعارضة المسلحة، وسيطرتها على مساحات إضافية من الأرض بات عامل قلق روسي، ويفرض عليها تغيرات في تكتيكاتها من أجل منع انهيار السلطة السورية والوقوع فيما حذرت منه سابقا وهو انتقال الأزمة إلى البلدان المجاورة، واشتعال حرب في المنطقة على أساس طائفي يزيد من القلق حول مصير الأقليات في الاقليم بمجمله.
الجامعة العربية قررت زيارة موسكو لنقل رسالة امتعاض من الفيتو الثالث، وحثِّ روسيا على إعادة النظر في موقفها من الأزمة السورية. ورغم أن قرارات الجامعة تتناقض مع المعلن من المواقف الروسية، فإن أطرافا كثيرة ترى امكانية لايجاد نقاط التقاء بين الطرفين تتقاطع في عدم السماح بغرق سورية في فوضى داخلية، وتدمير بنيان الدولة، لكن الحديث عن انتقال سلمي بخطوط عريضة لا يكفي في ظل زيادة وتشابك خيوط اللاعبين بالأزمة السورية في الآونة الأخيرة.
ويجب على الطرفين اتخاذ موقف موحد حول مصير مهمة المبعوث الدولي العربي المشترك كوفي عنان، إما بانهائها، أو تحديد مهمات جديدة تتمثل في الإشراف على الانتقال السلمي، وصوغ خطة جديدة للعمل تنطلق من إعلان جميع الأطراف الداخلية والخارجية دعمها لشخصية عنان، وايمانها بأنه يمكن أن يقود شراع الحل بطريقة دبلوماسية هادئة ومتزنة.
ويتسلح الوفد الزائر إلى موسكو بشبه توافق عربي “لدعوة الرئيس السوري للتنحي سريعاً عن السلطة مقابل الخروج الآمن”، ما يحتم على موسكو إجراء تقويم واضح لموقفها، ووضعها أمام خيار مواصلة دعم النظام، أو التقدم خطوة باتجاه المواقف العربية، ويبدو أن الوفد سوف يطلب من موسكو القيام بمزيد من الضغوط على الأسد من أجل “وقف حمام الدم الذي يتطلب قرارا شجاعا من القيادة السورية بالتنحي”.
تجارب سابقة…
التفاهمات الروسية العربية أسهمت سابقا في رسم إطار للجهود الدولية في الأشهر الأربعة الأخيرة، فبعد لقاء وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مع نظرائه العرب توافق الجانبان في بداية مارس/آذار على الخطوات التي حددت مهمة عنان وعرفت حينها بخطة النقاط الخمس التي تضمنت “وقف العنف من أي مصدر كان، وإنشاء آلية رقابة محايدة، وعدم السماح بالتدخل الخارجي، وإتاحة المساعدات الإنسانية لجميع السوريين بدون إعاقة، والدعم الكامل لجهود الموفد الدولي كوفي أنان إلى سورية استنادا إلى المرجعيات التي قبلتها الأمم المتحدة والجامعة العربية”.
ورغم أن الطرفين اختلفا حول مرجعيات وحدود دور عنان، وكشف الخلاف الواضح بين الطرفين حول منطلقات الحلّ وطبيعته، ورغم أن اتفاق الطرفين حينها جاء أدنى بكثير من القرارات العربية، فإنه مهد الأرضية لتبني قرار في مجلس الأمن لدعم مهمة عنان.
ويبدو أن جولة المباحثات العربية الروسية المقبلة في موسكو سوف تكون أصعب بكثير من سابقتها في القاهرة، فالأوضاع الميدانية تغيرت كثيراً، ومبادرة عنان في غرفة الانعاش ولا يرغب كثيرون في عودتها إلى الحياة، ويسعون إلى إيجاد خطة بديلة، أو تغيير جذري في مهمة عنان باتجاه إقناع الأسد للتنحي والاشراف على الفترة الانتقالية. ولعل الأهم أنه في ظل التطورات الميدانية المتسارعة بات على الطرفين إيجاد حل “بأسنان” من أجل وقف حمام الدم، والتركيز على حل الأزمة لا ادارتها.
وأخيرا فقد رفضت دمشق قرار جامعة البلدان العربية الأخير، ولم تحدد موسكو موقفها بوضوح من هذه القرارات. وربما اختارت موسكو انتظار العرض العربي متكاملا أثناء زيارة الوفد العربي المقررة قريباً، لكن الأيام المقبلة، حالها كحال الأسبوعين الأخيرين، حبلى بتطورات كبيرة تفرض إيقاع عمل أسرع، وربما شهدت تغيرات كبيرة في مواقف جميع الأطراف مع اشتداد المعارك في دمشق وحلب، والمعابرالحدودية.
سامر الياس
(المقالة تعبر عن رأي الكاتب، وهيئة التحرير غير مسؤولة عن فحواها)